الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 238 ] باب طريق الحكم وصفته قوله ( إذا جلس إليه خصمان ، فله أن يقول : من المدعي منكما ؟ وله أن يسكت حتى يبتدئا ) الصحيح من المذهب : أنه إذا جلس إليه الخصمان : أن له أن يقول " من المدعي منكما ؟ " وعليه جماهير الأصحاب . قال في الفروع : وله أن يسكت حتى يبدأ . والأشهر أن يقول : أيكما المدعي ؟ . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والبلغة ، والمحرر ، والنظم ، والرعاية ، والحاوي ، والوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم . وقيل : لا يقوله حتى يبدأ بأنفسهما . فإن سكتا ، أو سكت الحاكم : قال القائم على رأس القاضي " من المدعي منكما ؟ " . فائدتان الأولى : لا يقول الحاكم ولا القائم على رأسه لأحدهما " تكلم " لأن في إفراده بذلك تفضيلا له وتركا للإنصاف .

الثانية : لو بدأ أحدهما فادعى ، فقال خصمه " أنا المدعي " لم يلتفت إليه ويقال له " أجب عن دعواه ، ثم ادع بما شئت " . قوله ( وإن ادعيا معا : قدم أحدهما بالقرعة ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . قال الشارح : قياس المذهب : أن يقرع بينهما . [ ص: 239 ] وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والبلغة ، والوجيز والمنور ، ومنتخب الأدمي وغيرهم . وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وتجريد العناية ، وغيرهم . وقيل : يقدم الحاكم من شاء منهما . فائدتان

إحداهما : لا تسمع الدعوى المقلوبة . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . وقدمه في الفروع . وقال : وسمعها بعضهم ، واستنبطها . قلت : الذي يظهر : أنه استنبطها من الشفعة فيما إذا ادعى الشفيع على شخص أنه اشترى الشقص ، وقال " بل اتهبته " أو " ورثته " فإن القول قوله مع يمينه . فلو نكل عن اليمين ، أو قامت للشفيع بينة بالشراء : فله أخذه ودفع ثمنه . فإن قال " لا أستحقه " قيل له : إما أن تقبل ، وإما أن تبرئه . على أحد الوجوه . وقطع به المصنف هناك . فلو ادعى الشفيع عليه ذلك : ساغ . وكانت شبيهة بالدعوى المقلوبة . ومثله في الشفعة أيضا : لو أقر البائع بالبيع ، وأنكر المشتري وقلنا : تجب الشفعة وكان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري . فإن الثمن الذي في يد الشفيع لا يدعيه أحد . فيقال للمشتري : إما أن تقبض ، وإما أن تبرئ . على أحد الوجوه . وتقدم ذلك في كلام المصنف . [ ص: 240 ] وقال الأصحاب ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله : لو جاءه بالسلم قبل محله ، ولا ضرر في قبضه : لزمه ذلك . فإن امتنع من القبض قيل له : إما أن تقبض حقك أو تبرأ منه . فإن أبى : رفع الأمر إلى الحاكم . على ما تقدم في باب السلم . وكذا في الكتابة . فيستنبط من ذلك كله : صحة الدعوى المقلوبة .

الثانية : لا تصح الدعوى والإنكار إلا من جائز التصرف . وقد صرح به المصنف في أول " باب الدعاوى والبينات " في قوله " ولا تصح الدعوى والإنكار إلا من جائز التصرف " انتهى . وتصح الدعوى على السفيه مما يؤخذ به في حال عجزه لسفه ، وبعد فك حجره . ويحلف إذا أنكر . قوله ( ثم يقول للخصم : ما تقول فيما ادعاه ؟ ) . هذا المذهب . قال في المحرر ، وغيره : هذا أصح . وجزم به في الهداية ، والخلاصة ، والوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم . وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، والمغني ، والشرح ونصراه . ويحتمل أن لا يملك سؤاله ، حتى يقول المدعي " وأسأل سؤاله عن ذلك " . وفي المذهب ، والمستوعب : وجهان .

تنبيه :

ظاهر كلام المصنف ، وغيره : أن الدعوى تسمع في القليل والكثير . وهو كذلك . وعليه جماهير الأصحاب . [ ص: 241 ] وقدمه في الفروع . وقال في الترغيب : لا تسمع في مثل ما لا تتبعه الهمة ، ولا يعدى حاكم في مثل ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية