الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 578 ] 86 - باب

                                المسجد يكون في الطريق من غير ضرر للناس فيه

                                وبه قال الحسن وأيوب ومالك.

                                464 476 - حدثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، ويعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين

                                التالي السابق


                                هذه قطعة من حديث الهجرة الطويل، وقد خرجه بتمامه في "باب الهجرة".

                                والمقصود منه هاهنا: أن أبا بكر رضي الله عنه ابتنى مسجدا بفناء داره بمكة ، والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، وكان يأتي بيت أبي بكر كل يوم مرتين بكرة وعشية، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على أبي بكر ، ولم يغيره، فدل على جواز بناء المسجد في الطريق الواسع إذا لم يضر بالناس.

                                وقد حكى البخاري جوازه عن الحسن وأيوب ومالك ، وهو - أيضا - قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد - في رواية عنه - وأبي خيثمة ، وسليمان بن داود الهاشمي .

                                واختلفوا: هل يجوز ذلك بدون إذن الإمام، أم لا يجوز بدون إذنه؟ على قولين: [ ص: 579 ] أحدهما: أن إذنه معتبر لذلك، وهو قول الثوري ورواية عن أحمد ، وحكي عن ابن مسعود وقتادة ما يدل عليه ; لأن نفع الطريق حق مشترك بين المسلمين، فلا يجوز تخصيصه بجهة خاصة بدون إذن الإمام كقسمة الأموال المشتركة بين المسلمين.

                                والثاني: لا يعتبر إذن الإمام، وهو المحكي عن الحسن وأيوب وأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم ممن جوزه، وهو رواية عن أحمد - أيضا - لأن الطريق إذا كان متسعا لا يضر بالمارة بناء مسجد فيه، فحق الناس في المرور فيه المحتاج إليه باق لم يتغير، بخلاف قسمة أموال بيت المال ; فإن مصارفها كثيرة جدا، فيرجع فيها إلى اختيار الإمام.

                                وعن أحمد رواية ثالثة: أنه لا يجوز بناء المساجد في الطريق بحال، بل تهدم ولا يصلى فيها.

                                فمن أصحابنا من حكاها مطلقة، ومنهم من خصها بما إذا لم يأذن فيها الإمام، وهذا أقرب.

                                وأجاز الجوزجاني بناء المساجد في الطريق، بشرط أن يبقى من الطريق بعد المسجد سبعة أذرع.

                                ونسب ذلك إلى أحمد ، ولا يصح ذلك عن أحمد .

                                وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع" معناه - عند أحمد وأصحابه -: إذا أرادوا أن يحدثوا طريقا في أرض موات أو مملوكة، وليس معناه - عندهم - أنه يجوز البناء في الطريق الواسع حتى يبقى منه سبعة أذرع، كما قاله الجوزجاني .



                                الخدمات العلمية