الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت

                                                                      3285 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا ثم قال إن شاء الله قال أبو داود وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم و قال الوليد بن مسلم عن شريك ثم لم يغزهم

                                                                      التالي السابق


                                                                      باب الحالف يستثني بعدما يتكلم

                                                                      وفي بعض النسخ " الاستثناء في اليمين بعد السكوت " انتهى . والاستثناء في الاصطلاح إخراج بعض ما تناوله اللفظ بإلا وأخواتها . ويطلق أيضا على التعاليق على المشيئة وهو المراد بهذه الترجمة . والفرق بين ما تقدم من باب الاستثناء في اليمين وبين هذا الباب أن الباب الأول في حكم الاستثناء في اليمين مطلقا ، وهذا في بيان استثناء اليمين بعد السكوت من المستثنى منه أو بعد الفصل بكلام آخر . وبوب البيهقي في السنن باب " الحالف يسكت [ ص: 131 ] بين يمينه واستثنائه بسكتة يسيرة وانقطاع صوت أو أخذ نفس وذكر فيه هذا الحديث أي والله لأغزون قريشا ثم ذكر أثر ابن عباس أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد حين انتهى .

                                                                      ( ثم قال إن شاء الله ) : وهذا من أحاديثه الفعلية ، وأما من أحاديثه القولية فمنها ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه . من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف فقال : إن شاء الله فلا حنث عليه .

                                                                      وعند أصحاب السنن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه وهذه الأحاديث فيها دليل على أن التقييد بمشيئة الله تعالى مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها . وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء وادعى عليه ابن العربي الإجماع ، قال : أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا ، قال : ولو جاز منفصلا كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة .

                                                                      قال : واختلفوا في الاتصال ، فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور : وهو أن يكون قوله " إن شاء الله " متصلا باليمين من غير سكوت بينهما ولا يضر سكتة النفس .

                                                                      وقال طاوس والحسن وجماعة من التابعين : إن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه .

                                                                      وقال قتادة : ما لم يقم أو يتكلم . وقال عطاء : قدر حلبة ناقة . وقال سعيد بن جبير : يصح بعد أربعة أشهر ، وعن ابن عباس له الاستثناء أبدا ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد وإلى ذلك ذهب الجمهور ، وبعضهم فصل ، واستثنى أحمد العتاق ، قال لحديث إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق ، وإن قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر وهذا الحديث أخرجه البيهقي في سننه ، وقال : تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول . وقد بسط الكلام الحافظ في الفتح ، والشوكاني في النيل آخذا منه . والحديث [ ص: 132 ] سكت عنه المنذري ( وقد أسند هذا الحديث غير واحد ) : قال الزيلعي في نصب الراية : رواه ابن حبان في صحيحه مسندا وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، وعن مسعر بن كدام عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا ، ثم سكت ساعة ثم قال : إن شاء الله قال ابن حبان في كتاب الضعفاء : هذا حديث رواه شريك ومسعر فأسنداه مرة وأرسلاه أخرى . وأخرجه ابن عدي في الكامل عن عبد الواحد بن صفوان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ أبي يعلى سواء . وذكره ابن القطان في كتابه من جهة ابن عدي ثم قال : وعبد الواحد هذا ليس حديثه بشيء والصحيح مرسل انتهى . وقد رواه البيهقي موصولا ومرسلا . قال ابن أبي حاتم في العلل : الأشبه إرساله انتهى . ويدل على اشتراط الاتصال ما أخرجه الدارقطني في سننه عن سالم عن ابن عمر قال : كل استثناء غير موصول فصاحبه حانث . وفيه عمر بن مدرك وهو ضعيف .

                                                                      وفي المعرفة للبيهقي وروى سالم عن ابن عمر أنه قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه ، وكل استثناء غير موصول فصاحبه حانث .

                                                                      وأخرج الطبراني في معجمه عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت قال : إذا شئت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت ، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس لنا أن نستثني إلا بصلة اليمين ، ومما يدل على عدم اشتراط الاتصال ما رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديث طويل قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة [ هي غزوة ذات الرقاع ] بني أنمار قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال : ما له ضرب الله عنقه ، قال : فسمعه الرجل فقال : يا رسول الله في سبيل الله ، فقال : في سبيل الله ، قال فقتل الرجل في سبيل الله .

                                                                      قال الزيلعي : وهذا الرجل لم يسم في الحديث ، فقوله " قال في سبيل الله " بعد قول الرجل إياها دليل على أن الانفصال غير قاطع انتهى .

                                                                      وقال الحافظ في الدراية : وقصة العباس في قوله إلا الإذخر من هذا الوادي انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية