الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ( 121 ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ( 122 ) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ( 123 ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( الذين آتيناهم الكتاب ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا ، وقال الضحاك : هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام وسعية بن عمرو وتمام بن يهودا وأسد وأسيد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا ، وقال قتادة وعكرمة : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : هم المؤمنون عامة ( يتلونه حق تلاوته ) قال الكلبي : يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم من الناس ، والهاء راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخرون : هي عائدة إلى الكتاب ، واختلفوا في معناه فقال ابن مسعود رضي الله عنه : يقرءونه كما أنزل ولا يحرفونه ، ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ، وقال الحسن : يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون علم ما أشكل عليهم إلى عالمه ، وقال مجاهد : يتبعونه حق اتباعه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله ( أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قرأ ابن عامر إبراهام بالألف في أكثر المواضع وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجر وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز وقيل بابل وقيل : كوفي ، وقيل : [ لشكر ] ، وقيل حران ، وكان أبوه نقله إلى أرض بابل أرض نمرود بن [ ص: 145 ] كنعان ، ومعنى الابتلاء الاختبار والامتحان والأمر ، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء ، لأنه عالم بهم ، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضا .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام ، فقال عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما : هي ثلاثون سماهن شرائع الإسلام ، ولم يبتل بها أحد فأقامها كلها إلا إبراهيم فكتب له البراءة ، فقال تعالى : " وإبراهيم الذي وفى " ( 37 - النجم ) عشر في براءة " التائبون العابدون " إلى آخرها ، وعشر في الأحزاب " إن المسلمين والمسلمات " وعشر في سورة المؤمنين في قوله : قد أفلح المؤمنون الآيات ، وقوله " إلا المصلين " في سأل سائل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما : ابتلاه الله بعشرة أشياء وهي : الفطرة خمس في الرأس : قص الشارب ، والمضمضة والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس ، وخمس في الجسد : تقليم الأظافر ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والختان ، والاستنجاء بالماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الخبر : " إن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب ، وأول من اختتن ، وأول من قلم الأظافر ، وأول من رأى الشيب ، فلما رآه قال : يا رب ما هذا ؟ قال [ سمة ] الوقار ، قال : يا رب زدني وقارا " قال مجاهد : هي الآيات التي بعدها في قوله عز وجل إني جاعلك للناس إماما " ( 124 - البقرة ) إلى آخر القصة ، وقال الربيع وقتادة : مناسك الحج ، وقال الحسن : ابتلاه الله بسبعة أشياء : بالكواكب والقمر والشمس ، فأحسن فيها النظر وعلم أن ربه دائم لا يزول ، وبالنار فصبر عليها ، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها ، قال سعيد بن جبير : هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت " ربنا تقبل منا ( 127 - البقرة ) الآية فرفعاها بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ، قال يمان بن رباب : هن محاجة قومه قال الله تعالى : " وحاجه قومه " إلى قوله تعالى - " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم " ( 83 - الأنعام ) وقيل هي قوله : " الذي خلقني فهو يهدين " ( 78 - الشعراء ) إلى آخر الآيات . ( فأتمهن ) قال قتادة : أداهن ، قال الضحاك : قام بهن وقال : [ نعمان ] عمل بهن . قال الله تعالى : ( قال إني جاعلك للناس إماما ) يقتدى بك في الخير ( قال ) إبراهيم [ ص: 146 ] ( ومن ذريتي ) أي ومن أولادي أيضا فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير ( قال ) الله تعالى ( لا ينال ) لا يصيب ( عهدي الظالمين ) قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها أي من كان منهم ظالما لا يصيبه . قال عطاء بن أبي رباح : عهدي رحمتي وقال السدي : نبوتي وقيل : الإمامة قال مجاهد : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه . ومعنى الآية لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالما من ولدك وقيل : أراد بالعهد الأمان من النار وبالظالم المشرك كقوله تعالى : " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن ( 82 - الأنعام ) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية