الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 75 ] فصل

[ باب صلاة الوتر ]

الوتر واجب ( سم ف ) . وهي ثلاث ( ف ) ركعات كالمغرب لا يسلم بينهن ، ويقرأ في جميعها ، ويقنت في الثالثة قبل الركوع ( ف ) ، ويرفع يديه ويكبر ، ثم يقنت ، ولا قنوت في غيرها ( ف ) .

التالي السابق


فصل

( الوتر واجب ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن الله تعالى زادكم صلاة إلى صلاتكم الخمس ألا وهي الوتر فحافظوا عليها " والزيادة تكون من جنس المزيد عليه ، وقضيته الفرضية إلا أنه ليس مقطوعا به فقلنا بالوجوب . وقال أبو يوسف ومحمد : هي سنة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم " وفي رواية : " وهي لكم سنة : الوتر ، والضحى ، والأضحى " ، قلنا الكتابة هي الفرض . قال الله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) أي فرضا موقتا ، ويقال للفرائض المكتوبات ، فكان نفي الكتابة نفي الفرضية ، ونحن لا نقول بالفرضية بل بالوجوب . وأما قوله : " وهي لكم سنة " أي ثبت وجوبها بالسنة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمر بها والأمر للوجوب ، وهي عندهما أعلى رتبة من جميع السنن حتى لا تجوز قاعدا مع القدرة على القيام ، ولا على راحلته من غير عذر وتقضى ، ذكره في المحيط .

[ ص: 76 ] قال : ( وهي ثلاث ركعات كالمغرب لا يسلم بينهن ) لما روى ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وعائشة وأم سلمة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن " .

قال : ( ويقرأ في جميعها ) والمستحب أن يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بالفاتحة وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثالثة بها وقل هو الله أحد ، هكذا نقل قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، ولأنه لما اختلفت في وجوبها وجبت القراءة في جميعها احتياطا . قال : ( ويقنت في الثالثة قبل الركوع ويرفع يديه ) لما روينا .

( ويكبر ) لما مر ( ثم يقنت ) لما روى علي وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب : " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الثالثة قبل الركوع " وليس فيه دعاء مؤقت ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان يقرأ " اللهم إنا نستعينك واللهم اهدنا " ، قالوا : ومعنى قول محمد ليس فيه دعاء مؤقت غير ذلك . ومن لا يحسن الدعاء يقول : اللهم اغفر لنا مرارا : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) الآية . واختار أبو الليث الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده ، وهو مروي عن النخعي ، وكرهه بعضهم لعدم ورود السنة به .

قال : ( ولا قنوت في غيرها ) لقول ابن مسعود : " ما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح إلا شهرا لم يقنت قبله ولا بعده " . وروت أم سلمة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القنوت في صلاة الفجر " . وما روى أنس " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاة الصبح " ، معارض بحديث ابن مسعود [ ص: 77 ] وبما روى قتادة عن أنس أنه قال : " قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه " ، فدل على أنه نسخ ، فلو صلى الفجر خلف إمام يقنت يتابعه عند أبي يوسف لئلا يخالف إمامه . وعندهما لا يتابعه لأنه حكم منسوخ ، وصار كالتكبيرة الخامسة في صلاة الجنازة ، والمختار أنه يسكت قائما ، ولو سها عن القنوت فركع ثم ذكر لا يعود ، وعن أبي حنيفة أنه يعود إلى القنوت ثم يركع .




الخدمات العلمية