الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 2 ] باب انتقاض الإجارة

( قال رحمه الله ذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال حين وضع رجله في الغرز إن الناس قائلون غدا ماذا قال عمر ، وإن البيع عن صفقة ، أو خيار والمسلمون عند شروطهم ) ، وفي هذا الحديث دليل أن الإجارة يتعلق بها اللزوم إذا لم يشترط فيها الخيار كالبيع بخلاف ما يقوله شريح رحمه الله إن الإجارة من المواعيد لا تكون لازمة ، وقد بيناه ، وفيه دليل على أن البيع نوعان لازم بنفسه وغير لازم إذا شرط فيه الخيار فإن الصفقة هي اللازمة النافذة يقال هذه صفقة لم يشهدها خاطب إذا أنفذ أمر دون رأي رجل فيكون حجة على الشافعي رحمه الله ; لأنه يثبت خيار المجلس في كل بيع ، وفيه دليل وجوب الوفاء بالمشروط إذا كان الشرط صحيحا شرعا فلا خلاف بيننا . فالشافعي رحمه الله يقول عقد الإجارة إذا أطلقت فهي لازمة كالبيع إلا أن عندنا قد يفسخ الإجارة بالعذر ، وعنده لا يفسخ إلا بالعيب وهو بناء على أصله أن المنافع كالأعيان الموجودة حكما فإن العقد عليها كالعقد على العين فكما لا يفسخ البيع إلا بعيب . فكذلك الإجارة ، وعندنا جواز هذا العقد للحاجة ولزومه لتوفير المنفعة على المتعاقدين . فإذا آل الأمر إلى الضرر أخذنا فيه بالقياس وقلنا العقد في حكم المضاف في حق المعقود عليه والإضافة في عقود التمليكات تمنع اللزوم في الحال كالوصية ، ثم الفسخ بسبب العيب لدفع الضرر لا لعين العيب . فإذا تحقق الضرر في إيفاء العقد يكون ذلك عذرا في الفسخ .

وإن لم يتحقق العيب في المعقود عليه ( ألا ترى ) أن من استأجر أجيرا ليقلع ضرسه فسكن ما به من الوجع كان ذلك عذرا في فسخ الإجارة ، أو استأجره ليقطع يده للآكلة ، ثم بدا له في ذلك ، أو استأجره ليهدم بناء له ، ثم بدا له في ذلك ; لأنه لا يتمكن من إيفاء العقد إلا بضرر يلحقه في نفسه ، أو ماله من حيث إتلاف شيء من بدنه أو إتلاف ما له وجواز الاستئجار للمنفعة لا للضرر ، وقد يرى [ ص: 3 ] الإنسان المنفعة في شيء ، ثم يتبين له الضرر في ذلك .

وكذلك لو استأجره ليتخذ له وليمة ، ثم بدا له في ذلك فليس للأجير أن يلزمه اتحاد الوليمة شاء أو أبى ; لأن في ذلك عليه من الضرر في إتلاف ماله وجواز الاستئجار للمنفعة لا لضرر إذا عرف هذا فنقول من العذر في استئجار البيت أن ينهدم البيت ، أو يهدم منه ما لا يستطيع أن يسكن فيه ، وهذا من نوع العيب في المعقود عليه وثبوت حق الفسخ به مجمع عليه ; لأن تقبض الدار المنافع لا تدخل في ضمانه فحصول هذا العارض في يد المستأجر كحصوله في يد الآجر فإن أراد صاحب البيت أن يبيعه فليس هذا بعذر ; لأنه لا ضرر عليه في إيفاء العقد إلا قدر ما التزمه عند العقد وهو الحجر على نفسه عن التصرف في المستأجر إلى انتهاء المدة ، وإن باعه فبيعه باطل لا يجوز لعجزه عن التسليم .

وقد بينا في البيوع أن الصحيح من الرواية أن البيع موقوف على سقوط حق المستأجر ، وليس للمستأجر أن يفسخ البيع ، وإن كان على المؤاجر دين فحبس في دينه فباعه فهذا عذر ; لأن علته في إيفاء العقد ضرر لم يلتزم ذلك بالعقد وهو الحبس على سقوط حق المستأجر عن العين فإن بعقد الإجارة لا يزول ملكه عن العين ولا يثبت للمستأجر حق في ماليته فيكون المديون مجبورا على قضاء الدين من ماليته محبوسا لأجله إذا امتنع ; فلهذا كان ذلك عذرا له في الفسخ ، ثم ظاهر ما يقول هنا يدل على أنه يبيعه بنفسه فيجوز .

وقد ذكر في الزيادات أنه يرفع الأمر إلى القاضي ليكون هو الذي يفسخ الإجارة وبيعه وهو الأصح ; لأن هذا فصل مجتهد فيه فيتوقف على إمضاء القاضي كالرجوع في الهبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية