الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك موجبا للإعراض عنهم رأسا؛ ومنابذتهم؛ قولا؛ وفعلا؛ بين - سبحانه وتعالى - أن التحية ليست من وادي الشفاعة؛ وأن الشفاعة تابعة للعمل؛ والتحية تابعة للظاهر؛ فقال - سبحانه وتعالى - عاطفا [ ص: 351 ] على ما تقديره: "فلا تشفعوا فيهم وأنتم تعلمون سوء مقاصدهم"؛ فقال - معبرا بأداة التحقق؛ بشارة لهم بأنهم يصيرون - بعد ما هم فيه الآن من النكد - ملوكا؛ وفي حكم الملوك؛ يحيون؛ ويشفع عندهم؛ وحثا على التواضع -: وإذا حييتم بتحية ؛ أي: أي تحية كانت؛ إذا كانت مشروعة؛ وأصل التحية الملك؛ واشتقاقها من "الحياة"؛ فكأن حياة الملك هي الحياة؛ وما عداها عدم؛ ثم أطلقت على كل دعاء يبدأ به عند اللقاء; وقال الأصبهاني: لفظ التحية صار كناية عن الإكرام؛ فجميع أنواع الإكرام تدخل تحت لفظ التحية؛ فحيوا بأحسن منها ؛ كأن تزيدوا عليها؛ أو ردوها ؛ أي: من غير زيادة؛ ولا نقص؛ وذلك دال على وجوب رد السلام - من الأمر؛ وعلى الفور - من الفاء؛ والإجماع موافق لذلك؛ وترك الجواب إهانة؛ والإهانة ضرر؛ والضرر حرام; قال الأصبهاني: والمبتدئ يقول: "السلام عليكم"؛ والمجيب يقول: "وعليكم السلام"؛ ليكون الافتتاح والاختتام بذكر الله - سبحانه وتعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أحسن جعلها تالية لآية الجهاد؛ إشارة إلى أن من بذل السلام وجب الكف عنه؛ ولو كان في الحرب؛ على أن من مقتضيات هاتين الآيتين أن مبنى هذه السورة على الندب إلى الإحسان؛ والتعاطف؛ [ ص: 352 ] والتواصل؛ وسبب ذلك إما المال؛ وقد تقدم الأمر به في قوله (تعالى): وإذا حضر القسمة ؛ وإما غيره؛ ومن أعظمه القول؛ لأنه ترجمان القلب؛ الذي به العطف؛ ومن أعظم ذلك الشفاعة؛ والتحية؛ قال - عليه الصلاة والسلام - فيما أخرجه مسلم؛ والأربعة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "والذي نفسي بيده؛ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا؛ ولا تؤمنوا حتى تحابوا؛ أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم"؛ فناسب ذكر هاتين الآيتين بعد ذكر آية الجهاد؛ المختتمة بالبأس؛ والتنكيل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت الشفاعة أعظمها في الإحسان؛ قدمت؛ ولا سيما؛ وموجبها الإعراض؛ ومقصد السورة التواصل؛ فشأنها أهم؛ والنظر إليها آكد؛ ثم رغب في الإحسان في الرد؛ ورهب من تركه؛ بقوله – معللا -: إن الله ؛ أي: الذي له الإحاطة؛ علما وقدرة؛ كان ؛ أي: أزلا؛ وأبدا؛ على كل شيء حسيبا ؛ أي: محصيا لجميع المتعددات؛ دقيقها وجليلها؛ كافيا لها في أقواتها؛ ومثوباتها؛ محاسبا بها؛ مجازيا عليها؛ وذلك كله شأن المقيت;

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية