الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما إذا نظر إليه في نفسه وجب الحكم بأنه هو في نفسه لا تحريم فيه ، والله أعلم فقد خرج من جملة التفصيل السابق أن السماع قد يكون حراما محضا ، وقد يكون مباحا ، وقد يكون مكروها ، وقد يكون مستحبا .

أما الحرام فهو لأكثر الناس من الشبان ومن غلبت عليهم شهوة الدنيا فلا يحرك السماع منهم إلا ما هو الغالب على قلوبهم من الصفات المذمومة .

وأما المكروه فهو لمن لا ينزله على صورة المخلوقين ولكنه يتخذه عادة له في أكثر الأوقات على سبيل اللهو .

وأما المباح فهو لمن لا حظ له منه إلا التلذذ بالصوت الحسن .

وأما المستحب فهو لمن غلب عليه حب الله تعالى ولم يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة والحمد لله وحده وصلى الله عليه وسلم على محمد وآله

التالي السابق


(وأما إذا نظر إليه في نفسه وجب الحكم بأنه حق في نفسه لا تحريم فيه، والله أعلم) أتى بهذه الجملة للتبرك، (فقد خرج من جملة التفصيل السابق أن السماع قد يكون حراما محضا، وقد يكون مباحا، وقد يكون مستحبا، وقد يكون مكروها) تعتوره هذه الأحكام الأربعة .

(أما الحرام فهو لأكثر الناس من الشباب) المغتلمين في أوائل نشوة الصبوة، (وممن غلبت عليهم شهوة الدنيا) حتى أعمت بصائرهم، (فلا يحرك السماع منهم إلا ما هو الغالب على قلوبهم من الصفات المذمومة) ، فلمثل هؤلاء يجب الاحتراز عن حضور مجالس السماع، (وأما المكروه فهو لمن لا ينزله على صورة المخلوقين ولكن يتخذه) عادة لازمة (في أكثر الأوقات على سبيل اللهو) فيلتهي به .

(وأما المباح فهو لمن لا حظ له منه إلا التلذذ بالصوت الحسن) فيباح له، (وأما المستحب فهو لمن غلب عليه حب الله ولم يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة) ونحا قريبا من هذا أبو محمد بن حزم فقال: من نوى بالغناء ترويح القلب ليقوى على الطاعة فهو مطيع، ومن نوى به التقوي على المعصية فهو عاص، وإن لم ينو لا طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه وقعوده على بابه متفرجا. قال: ومن أنكره فقد أخطأ، وقال الأستاذ أبو منصور إذا سلم من تضييع فرض ولم يترك حفظ حرمة المشايخ فهو محمود، وربما كان السامع له مأجورا، وقال القرطبي: وربما يندب إليه لكنه خصه بالغناء لتسكين الأطفال ونحوه .

وقال الشيخ أبو بكر محمد بن عبد الله العامري البغدادي في مؤلفه في السماع: إنه ينقسم على أقسام وجعل منها قسما لما يباح وقسما يستحب، وجعل من المستحب العرس ونحوه، وقال الحليمي في منهاجه: وإن اتصل الغناء المباح بطريق صحيح مثل أن يكون برجل وحشة أو علة عارضة لفكره، فأشار عدل من الأطباء بأن يرى المساكن المنزهة ويغني ليتفرج بذلك وينشرح صدره ارتفع اسم الباطل في هذه الحال، فكان اسم الحق أولى به. هذا حكم الغناء، قاله الفوراني من الشافعية وغيره، وقاله العز بن عبد السلام لما سأله الشيخ أبو عبد الله بن النعمان عن السماع الذي يعمل في هذا الزمان، سماع ما يحرك الأحوال السنية المذكرة للآخرة مندوب إليه، وقال في القواعد من جملة تقسيم ذكره: من كان عنده هوى مباح كعشق زوجته وأمته فسماعه لا بأس به، ومن يدعوه هوى محرم فسماعه حرام، ومن قال: لا أجد في نفسي شيئا من الأقسام الستة التي ذكرتها، فالسماع مكروه في حقه وليس بمحرم، ونقل الأستاذ أبو منصور التميمي عن شيخه الإمام أبي بكر بن فورك قال: كل من سمع الغناء والقول على تأويل نطق به القرآن أو وردت به السنة أو على طريق الرغبة إلى الله أو الرهبة منه فهنيئا له، ومن سمعه على حظ نفسه لا حظ روحه وقلبه فليستغفر الله .

وأما الصوفية فقال الجنيد سيد الطائفة قدس سره: الناس في السماع على ثلاثة أضرب العوام والزهاد والعارفون، فأما العوام فحرام عليهم لبقاء نفوسهم، وأما الزهاد فيباح لهم لحصول مجاهداتهم، وأما أصحابنا فيستحب لهم لحياة قلوبهم، نقله القاضي حسين في تعليقه، والقشيري في الرسالة، والسهروردي في العوارف، وذكر صاحب القوت أن السماع حلال وحرام وشبهة، وذكر نحوا مما قال الجنيد، وعلى هذا القدر وقع الاقتصار في شرح كتاب الوجد والسماع .

قال مؤلفه الشيخ أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني: فرغ من تحريره عند أذان العشاء الآخرة من ليلة الأحد لثمان بقين من شوال من شهور سنة 1199 حامدا الله ومصليا ومسلما ومستغفرا وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

(تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع أوله كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . /////



الخدمات العلمية