الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عمي ]

                                                          عمي : العمى : ذهاب البصر كله ، وفي الأزهري : من العينين كلتيهما ، عمي يعمى عمى فهو أعمى ، واعماي يعماي اعمياء ، أرادوا حذو ادهام يدهام ادهيماما فأخرجوه على لفظ صحيح وكان في الأصل ادهامم فأدغموا لاجتماع الميمين ، فلما بنوا اعمايا على أصل ادهامم اعتمدت الياء الأخيرة على فتحة الياء الأولى فصارت ألفا ، فلما اختلفا لم يكن للإدغام فيها مساغ كمساغه في الميمين ؛ ولذلك لم يقولوا : اعماي فلان غير مستعمل . وتعمى : في معنى عمي ؛ وأنشد الأخفش :


                                                          صرفت ولم نصرف أوانا وبادرت نهاك دموع العين حتى تعمت

                                                          وهو أعمى وعم ، والأنثى عمياء وعمية ، وأما عمية فعلى حد فخذ في فخذ ، خففوا ميم عمية ؛ قال ابن سيده : حكاه سيبويه . قال الليث : رجل أعمى وامرأة عمياء ، ولا يقع هذا النعت على العين [ ص: 290 ] الواحدة ؛ لأن المعنى يقع عليهما جميعا ، يقال : عميت عيناه ، وامرأتان عمياوان ، ونساء عمياوات ، وقوم عمي . وتعامى الرجل أي : أرى من نفسه ذلك . وامرأة عمية عن الصواب ، وعمية القلب ، على فعلة ، وقوم عمون . وفيهم عميتهم أي : جهلهم ، والنسبة إلى أعمى أعموي وإلى عم عموي . وقال الله عز وجل : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا قال الفراء : عدد الله نعم الدنيا على المخاطبين ثم قال : ومن كان في هذه أعمى يعني في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم فهو في نعم الآخرة أعمى وأضل سبيلا ، قال : والعرب إذا قالوا هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل ، وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف ، فإذا كان على فعللت مثل زخرفت أو على افعللت مثل احمررت ، لم يقولوا هو أفعل منك حتى يقولوا هو أشد حمرة منك وأحسن زخرفة منك ، قال : وإنما جاز في العمى ؛ لأنه لم يرد به عمى العينين إنما أريد ، والله أعلم ، عمى القلب ، فيقال فلان أعمى من فلان في القلب ، ولا يقال هو أعمى منه في العين ، وذلك أنه لما جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منه كما ترك في كثير ، قال : وقد تلقى بعض النحويين يقول : أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق ؛ لأنا قد نقول عمي وزرق وعشي وعرج ولا نقول : حمر ، ولا بيض ولا صفر ، قال الفراء : وليس ذلك بشيء ، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقل أو يكثر ، فيكون أفعل دليلا على قلة الشيء وكثرته ، ألا ترى أنك تقول فلان أقوم من فلان وأجمل ؛ لأن قيام ذا يزيد على قيام ذا ، وجماله يزيد على جماله ، ولا تقول للأعميين هذا أعمى من ذا ، ولا لميتين هذا أموت من ذا فإن جاء شيء منه في شعر فهو شاذ كقوله :


                                                          أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم     لؤما وأبيضهم سربال طباخ

                                                          وقولهم : ما أعماه إنما يراد به ما أعمى قلبه ؛ لأن ذلك ينسب إليه الكثير الضلال ، ولا يقال في عمى العيون ما أعماه ؛ لأن ما لا يتزيد لا يتعجب منه .

                                                          وقال الفراء في قوله تعالى : وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد قرأها ابن عباس - رضي الله عنه - : عم . وقال أبو معاذ النحوي : من قرأ : وهو عليهم عمى فهو مصدر . يقال : هذا الأمر عمى ، وهذه الأمور عمى ؛ لأنه مصدر ، كقولك : هذه الأمور شبهة وريبة ، قال : ومن قرأ عم فهو نعت ، تقول أمر عم وأمور عمية . ورجل عم في أمره : لا يبصره ، ورجل أعمى في البصر ؛ وقال الكميت :


                                                          ألا هل عم في رأيه متأمل

                                                          ومثله قول زهير :


                                                          ولكنني عن علم ما في غد عم

                                                          والعامي : الذي لا يبصر طريقه ؛ وأنشد :


                                                          لا تأتيني تبتغي لين جانبي     برأسك نحوي عاميا متعاشيا

                                                          قال ابن سيده : وأعماه وعماه صيره أعمى ؛ قال ساعدة بن جؤية :


                                                          وعمى عليه الموت يأتي طريقه     سنان كعسراء العقاب ومنهب

                                                          يعني بالموت السنان فهو إذا بدل من الموت ، ويروى :


                                                          وعمى عليه الموت بابي طريقه

                                                          يعني عينيه . ورجل عم إذا كان أعمى القلب . ورجل عمي القلب أي : جاهل . والعمى : ذهاب نظر القلب ، والفعل كالفعل ، والصفة كالصفة ، إلا أنه لا يبنى فعله على افعال ؛ لأنه ليس بمحسوس ، وإنما هو على المثل ، وافعال إنما هو للمحسوس في اللون والعاهة . وقوله تعالى : وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور قال الزجاج : هذا مثل ضربه الله للمؤمنين والكافرين ، والمعنى وما يستوي الأعمى عن الحق ، وهو الكافر ، والبصير ، وهو المؤمن الذي يبصر رشده ، ولا الظلمات ولا النور ، الظلمات الضلالات ، والنور الهدى ، ولا الظل ولا الحرور أي : لا يستوي أصحاب الحق الذين هم في ظل من الحق ولا أصحاب الباطل الذين هم في حر دائم ؛ وقول الشاعر :


                                                          وثلاث بين اثنتين بها ير     سل أعمى بما يكيد بصيرا

                                                          يعني القدح ، جعله أعمى ؛ لأنه لا بصر له ، وجعله بصيرا ؛ لأنه يصوب إلى حيث يقصد به الرامي . وتعامى : أظهر العمى ، يكون في العين والقلب .

                                                          وقوله تعالى : ونحشره يوم القيامة أعمى قيل : هو مثل قوله : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا وقيل : أعمى عن حجته ، وتأويله أنه لا حجة له يهتدي إليها ؛ لأنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقد بشر وأنذر ووعد وأوعد . وروي عن مجاهد في قوله تعالى : قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال : أعمى عن الحجة وقد كنت بصيرا بها . وقال نفطويه : يقال عمي فلان عن رشده وعمي عليه طريقه إذا لم يهتد لطريقه . ورجل عم وقوم عمون ، قال : وكلما ذكر الله جل وعز العمى في كتابه فذمه يريد عمى القلب .

                                                          قال تعالى : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . وقوله تعالى : صم بكم عمي هو على المثل جعلهم في ترك العمل بما يبصرون ووعي ما يسمعون بمنزلة الموتى ؛ لأن ما بين من قدرته وصنعته التي يعجز عنها المخلوقون دليل على وحدانيته . والأعميان : السيل والجمل الهائج ، وقيل : السيل والحريق ؛ كلاهما عن يعقوب . قال الأزهري : والأعمى الليل ، والأعمى السيل ، وهما الأبهمان أيضا بالباء للسيل والليل . وفي الحديث : نعوذ بالله من الأعميين ؛ هما السيل والحريق لما يصيب من يصيبانه من الحيرة في أمره ، أو ؛ لأنهما إذا حدثا ووقعا لا يبقيان موضعا ولا يتجنبان شيئا كالأعمى الذي لا يدري أين يسلك ، فهو يمشي حيث أدته رجله ؛ وأنشد ابن بري :


                                                          ولما رأيتك تنسى الذما     م ولا قدر عندك للمعدم
                                                          وتجفو الشريف إذا ما أخل     وتدني الدني على الدرهم
                                                          وهبت إخاءك للأعميين وللأثرمين ولم أظلم

                                                          أخل : من الخلة ، وهي الحاجة .

                                                          والأعميان : السيل والنار . [ ص: 291 ] والأثرمان : الدهر والموت . والعمياء والعماية والعمية والعمية ، كله : الغواية واللجاجة في الباطل . والعمية والعمية : الكبر من ذلك . وفي حديث أم معبد : تسفهوا عمايتهم . العماية : الضلال ، وهي فعالة من العمى . وحكى اللحياني : تركتهم في عمية وعمية ، وهو من العمى . وقتيل عميا أي : لم يدر من قتله . وفي الحديث : من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو ينصر عصبة أو يدعو إلى عصبة فقتل ، قتل قتلة جاهلية . هو فعيلة من العماء الضلالة كالقتال في العصبية والأهواء ، وحكى بعضهم فيها ضم العين . وسئل أحمد بن حنبل عمن قتل في عمية قال : الأمر الأعمى للعصبية لا تستبين ما وجهه . قال أبو إسحاق : إنما معنى هذا في تحارب القوم وقتل بعضهم بعضا ، يقول : من قتل فيها كان هالكا . قال أبو زيد : العمية الدعوة العمياء فقتيلها في النار . وقال أبو العلاء : العصبة بنو العم ، والعصبية أخذت من العصبة ، وقيل : العمية الفتنة ، وقيل : الضلالة ؛ وقال الراعي :


                                                          كما يذود أخو العمية النجد

                                                          يعني صاحب فتنة ؛ ومنه حديث الزبير : لئلا يموت ميتة عمية أي : ميتة فتنة وجهالة . وفي الحديث : من قتل في عميا في رمي يكون بينهم فهو خطأ - وفي رواية - : في عمية في رميا تكون بينهم بالحجارة فهو خطأ . العميا ، بالكسر والتشديد والقصر ، فعيلى من العمى كالرميا من الرمي والخصيصى من التخصص ، وهي مصادر ، والمعنى أن يوجد بينهم قتيل يعمى أمره ، ولا يبين قاتله ، فحكمه حكم قتيل الخطإ تجب فيه الدية . وفي الحديث الآخر : ينزو الشيطان بين الناس فيكون دما في عمياء في غير ضغينة .

                                                          أي : في جهالة من غير حقد وعداوة ، والعمياء تأنيث الأعمى ، يريد بها الضلالة والجهالة . والعماية : الجهالة بالشيء ؛ ومنه قوله :


                                                          تجلت عمايات الرجال عن الصبا

                                                          وعماية الجاهلية . جهالتها . والأعماء : المجاهل ، يجوز أن يكون واحدها عمى . وأعماء عامية على المبالغة ؛ قال رؤبة :

                                                          وبلد عامية أعماؤه

                                                          كأن لون أرضه سماؤه

                                                          يريد : ورب بلد . وقوله : عامية أعماؤه ، أراد متناهية في العمى على حد قولهم ليل لائل ، فكأنه قال أعماؤه عامية ، فقدم وأخر ، وقلما يأتون بهذا الضرب من المبالغ به إلا تابعا لما قبله كقولهم شغل شاغل وليل لائل ، لكنه اضطر إلى ذلك فقدم وأخر . قال الأزهري : عامية دارسة ، وأعماؤه مجاهله . بلد مجهل وعمى : لا يهتدى فيه . والمعامي : الأرضون المجهولة ، والواحدة معمية ، قال : ولم أسمع لها بواحدة . والمعامي من الأرضين : الأغفال التي ليس بها أثر عمارة ، وهي الأعماء أيضا . وفي الحديث : إن لنا المعامي ؛ يريد الأراضي المجهولة الأغفال التي ليس بها أثر عمارة ، واحدها معمى ، وهو موضع العمى كالمجهل . وأرض عمياء وعامية ومكان أعمى : لا يهتدى فيه ؛ قال : وأقرأني ابن الأعرابي :


                                                          وماء صرى عافي الثنايا كأنه     من الأجن أبوال المخاض الضوارب
                                                          عم شرك الأقطار بيني وبينه     مراري مخشي به الموت ناضب

                                                          قال ابن الأعرابي : عم شرك كما يقال عم طريقا وعم مسلكا ، يريد الطريق ليس بين الأثر ، وأما الذي في حديث سلمان : سئل ما يحل لنا من ذمتنا ؟ فقال : من عماك إلى هداك أي : إذا ضللت طريقا أخذت منهم رجلا حتى يقفك على الطريق ، وإنما رخص سلمان في ذلك ؛ لأن أهل الذمة كانوا صولحوا على ذلك وشرط عليهم ، فأما إذا لم يشرط فلا يجوز إلا بالأجرة ، وقوله : من ذمتنا أي : من أهل ذمتنا . ويقال : لقيته في عماية الصبح أي : في ظلمته قبل أن أتبينه . وفي حديث أبي ذر : أنه كان يغير على الصرم في عماية الصبح أي : في بقية ظلمة الليل . ولقيته صكة عمي وصكة أعمى أي : في أشد الهاجرة حرا ، وذلك أن الظبي إذا اشتد عليه الحر طلب الكناس وقد برقت عينه من بياض الشمس ولمعانها ، فيسدر بصره حتى يصك بنفسه الكناس لا يبصره ، وقيل : هو أشد الهاجرة حرا ، وقيل : حين كاد الحر يعمي من شدته ، ولا يقال في البرد ، وقيل : حين يقوم قائم الظهيرة ، وقيل : نصف النهار في شدة الحر ، وقيل : عمي الحر بعينه ، وقيل : عمي رجل من عدوان كان يفتي في الحج ، فأقبل معتمرا ومعه ركب حتى نزلوا بعض المنازل في يوم شديد الحر فقال عمي : من جاءت عليه هذه الساعة من غد وهو حرام لم يقض عمرته ، فهو حرام إلى قابل ، فوثب الناس يضربون حتى وافوا البيت ، وبينهم وبينه من ذلك الموضع ليلتان جوادان ، فضرب مثلا . وقال الأزهري : هو عمي كأنه تصغير أعمى ؛ قال : وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          صك بها عين الظهيرة غائرا     عمي ولم ينعلن إلا ظلالها

                                                          وفي الحديث : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار إذا قام قائم الظهيرة صكة عمي ؛ قال : وعمي تصغير أعمى على الترخيم ، ولا يقال ذلك إلا في حمارة القيظ ، والإنسان إذا خرج نصف النهار في أشد الحر لم يتهيأ له أن يملأ عينيه من عين الشمس ، فأرادوا أنه يصير كالأعمى ، ويقال : هو اسم رجل من العمالقة أغار على قوم ظهرا فاستأصلهم فنسب الوقت إليه ؛ وقول الشاعر :


                                                          يحسبه الجاهل ما كان عمى     شيخا على كرسيه معمما

                                                          أي : إذا نظر إليه من بعيد ، فكأن العمى هنا البعد ، يصف وطب اللبن ، يقول إذا رآه الجاهل من بعد ظنه شيخا معمما لبياضه .

                                                          والعماء ممدود : السحاب المرتفع ، وقيل : الكثيف ؛ قال أبو زيد : هو شبه الدخان يركب رءوس الجبال ؛ قال ابن بري : شاهده قول حميد بن ثور :


                                                          فإذا احزألا في المناخ رأيته     كالطود أفرده العماء الممطر

                                                          وقال الفرزدق :


                                                          ووفراء لم تخرز بسير وكيعة     غدوت بها طبا يدي برشائها
                                                          [ ص: 292 ] ذعرت بها سربا نقيا جلوده     كنجم الثريا أسفرت من عمائها

                                                          ويروى :


                                                          إذ بدت من عمائها

                                                          وقال ابن سيده : العماء الغيم الكثيف الممطر ، وقيل : هو الرقيق ، وقيل : هو الأسود ، وقال أبو عبيد : هو الأبيض ، وقيل : هو الذي هراق ماءه ولم يتقطع تقطع الجفال ، واحدته عماءة .

                                                          وفي حديث أبي رزين العقيلي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : في عماء تحته هواء وفوقه هواء .

                                                          قال أبو عبيد : العماء في كلام العرب السحاب ؛ قاله الأصمعي وغيره ، وهو ممدود ؛ وقال الحارث بن حلزة :


                                                          وكأن المنون تردي بنا أع     صم صم ينجاب عنه العماء

                                                          يقول : هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب فالسحاب ينجاب عنه أي : ينكشف ؛ قال أبو عبيد : وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندري كيف كان ذلك العماء ، قال : وأما العمى في البصر فمقصور وليس هو من هذا الحديث في شيء . قال الأزهري : وقد بلغني عن أبي الهيثم ، ولم يعزه إليه ثقة ، أنه قال في تفسير هذا الحديث ولفظه : إنه كان في عمى مقصور قال : وكل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمى ، قال : والمعنى أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه وصف ؛ قال الأزهري : والقول عندي ما قاله أبو عبيد أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ، ولا يدرى كيف ذلك العماء بصفة تحصره ولا نعت يحده ، ويقوي هذا القول قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة والغمام : معروف في كلام العرب إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله عز وجل يوم القيامة في ظلل منه ، فنحن نؤمن به ، ولا نكيف صفته ، وكذلك سائر صفات الله عز وجل ؛ وقال ابن الأثير : معنى قوله في عمى مقصور ليس معه شيء قال : ولا بد في قوله أين كان ربنا من مضاف محذوف كما حذف في قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ونحوه ، فيكون التقدير أين كان عرش ربنا ، ويدل عليه قوله تعالى : وكان عرشه على الماء . والعماية والعماءة : السحابة الكثيفة المطبقة ، قال : وقال بعضهم هو الذي هراق ماءه ولم يتقطع تقطع الجفل . والعرب تقول : أشد برد الشتاء شمال جربياء في غب سماء تحت ظل عماء . قال : ويقولون للقطعة الكثيفة عماءة ، قال : وبعض ينكر ذلك ويجعل العماء اسما جامعا . وفي حديث الصوم : فإن عمي عليكم ؛ هكذا جاء في رواية ، قيل : هو من العماء السحاب الرقيق أي : حال دونه ما أعمى الأبصار عن رؤيته . وعمى الشيء عميا : سال .

                                                          وعمى الماء يعمي إذا سال ، وهمى يهمي مثله ؛ قال الأزهري : وأنشد المنذري فيما أقرأني لأبي العباس عن ابن الأعرابي :


                                                          وغبراء معمي بها الآل لم يبن     بها من ثنايا المنهلين طريق

                                                          قال : عمى يعمي إذا سال ، يقول : سال عليها الآل .

                                                          ويقال : عميت إلى كذا وكذا أعمي عميانا وعطشت عطشانا إذا ذهبت إليه لا تريد غيره ، غير أنك تؤمه على الإبصار والظلمة ، عمى يعمي .

                                                          وعمى الموج بالفتح يعمي عميا إذا رمى بالقذى والزبد ودفعه . وقال الليث : العمي على مثال الرمي رفع الأمواج القذى والزبد في أعاليها ؛ وأنشد :


                                                          رها زبدا يعمي به الموج طاميا

                                                          وعمى البعير بلغامه عميا : هدر فرمى به أيا كان ، وقيل : رمى به على هامته . وقال المؤرج : رجل عام رام .

                                                          وعماني بكذا وكذا : رماني من التهمة ، قال : وعمى النبت يعمي واعتم واعتمى ، ثلاث لغات ، واعتمى الشيء : اختاره ، والاسم العمية . قال أبو سعيد : اعتميته اعتماء أي : قصدته ، وقال غيره : اعتميته اخترته ، وهو قلب الاعتيام ، وكذلك اعتمته ، والعرب تقول : عما والله ، وأما والله ، وهما والله ، يبدلون من الهمزة العين مرة والهاء أخرى ، ومنهم من يقول : غما والله بالغين المعجمة .

                                                          والعمو : الضلال ، والجمع أعماء . وعمي عليه الأمر : التبس ؛ ومنه قوله تعالى : فعميت عليهم الأنباء يومئذ . والتعمية : أن تعمي على الإنسان شيئا فتلبسه عليه تلبيسا . وفي حديث الهجرة : لأعمين على من ورائي . من التعمية والإخفاء والتلبيس ، حتى لا يتبعكما أحد . وعميت معنى البيت تعمية ، ومنه المعمى من الشعر ، وقرئ : ( فعميت عليهم ) بالتشديد . أبو زيد : تركناهم عمى إذا أشرفوا على الموت . قال الأزهري : وقرأت بخط أبي الهيثم في قول الفرزدق :


                                                          غلبتك بالمفقئ والمعمى     وبيت المحتبي والخافقات

                                                          قال : فخر الفرزدق في هذا البيت على جرير ؛ لأن العرب كانت إذا كان لأحدهم ألف بعير فقأ عين بعير منها ، فإذا تمت ألفان عماه وأعماه ، فافتخر عليه بكثرة ماله ، قال : والخافقات : الرايات . ابن الأعرابي : عما يعمو إذا خضع وذل . ومنه حديث ابن عمر : مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين ، تعمو مرة إلى هذه ومرة إلى هذه . يريد أنها كانت تميل إلى هذه وإلى هذه ، قال : والأعرف تعنو ، التفسير للهروي في الغريبين ؛ قال : ومنه قوله تعالى : مذبذبين بين ذلك . والعما : الطول . يقال : ما أحسن عما هذا الرجل أي : طوله . وقال أبو العباس : سألت ابن الأعرابي عنه فعرفه ، وقال : الأعماء الطوال من الناس . وعماية : جبل من جبال هذيل . وعمايتان : جبلان معروفان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية