الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 216 ] فأثرن به من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه. والأصل: أثورن نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا وحذفت لاجتماع الساكنين، والفعل عطف على الاسم قبله وهو العاديات، أو ما بعده لأنه اسم فاعل وهو في معنى الفعل خصوصا إذا وقع صلة فكأنه قيل: فاللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن. ولا شذوذ في مثله؛ لأن الفعل تابع فلا يلزم دخول أل عليه ولا حاجة إلى أن يقال هو معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه. والحكمة في مجيء هذا فعلا بعد اسم فاعل على ما قال ابن المنير تصوير هذه الأفعال في النفس؛ فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع بعد المضارع كقول ابن معد يكرب:


                                                                                                                                                                                                                                      بأني قد لقيت الغول يهوي بشهب كالصحيفة صحصحان     فآخذه فأضربه فخرت
                                                                                                                                                                                                                                      صريعا لليدين وللجران



                                                                                                                                                                                                                                      وخص هذا المقام من الفائدة على ما قال الطيبي أن الخيل وصفت بالأوصاف الثلاثة ليرتب عليها ما قصد من الظفر بالفتح فجيء بهذا الفعل الماضي وما بعده مسببين عن أسماء الفاعلين فأفاد ذلك أن تلك المداومة أنتجت هاتين البغيتين، ويفهم منه أن الفاء لتفريع ما بعدها عما قبلها وجعله مسببا عنه وسيأتي الكلام فيها قريبا إن شاء الله تعالى، وضمير «به» للصبح، والباء ظرفية أي فهيجن في ذلك الوقت نقعا أي: غبارا، وتخصيص إثارته بالصبح لأنه لا يثور أو لا يظهر ثورانه بالليل، وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل. وفي ذكر إثارة الغبار إشارة بلا غبار إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وكثيرا ما يشيرون به إلى ذلك ومنه قول ابن رواحة:


                                                                                                                                                                                                                                      عدمت بنيتي إن لم تروها     تثير النقع من كنفي كداء



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة: النقع رفع الصوت ومنه قول لبيد:


                                                                                                                                                                                                                                      فمتى ينقع صراخ صادق     يحلبوه ذات جرس وزجل



                                                                                                                                                                                                                                      وقول عمر رضي الله تعالى عنه وقد قيل له يوم توفي خالد بن الوليد: إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد: ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن على أبي سليمان دموعهن وهن جلوس ما لم يكن نقع ولا لقلقة.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى عليه فهيجن في ذلك الوقت صياحا وهو صياح من هجم عليه وأوقع به. والمشهور المعنى الأول، وجوز كون ضمير «به» للعدو الدال عليه «العاديات» أو للإغارة الدال عليها «المغيرات» والتذكير لتأويلها بالجري ونحوه والباء للسببية أو للملابسة وجوز كونها ظرفية أيضا والضمير للمكان الدال عليه السياق والأول أظهر وألطف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية