الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا سبب نزولها: أن مقيس بن صبابة وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النجار ، وكان مسلما ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فأرسل رسول الله رسولا من بني فهر ، فقال له: إيت بني النجار ، فأقرئهم مني السلام ، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام ، فادفعوه إلى مقيس بن صبابة ، وإن لم تعلموا له قاتلا ، فادفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك ، فقالوا: والله ما نعلم له قاتلا ، ولكنا نعطي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين إلى المدينة ، فأتى الشيطان مقيس بن صبابة ، فقال: تقبل دية أخيك ، فيكون عليك سبة ما بقيت . اقتل الذي معك مكان أخيك ، وافضل بالدية ، فرمى الفهري بصخرة ، فشدخ رأسه ، ثم ركب بعيرا منها ، وساق بقيتها راجعا إلى مكة ، وهو يقول:


                                                                                                                                                                                                                                      قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع

                                                                                                                                                                                                                                          وأدركت ثأري واضطجعت موسدا
                                                                                                                                                                                                                                      وكنت إلى الأصنام أول راجع



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 167 ] فنزلت هذه الآية ، ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ، فقتل ،
                                                                                                                                                                                                                                      رواه أبو صالح ، عن ابن عباس . وفي قوله (متعمدا) قولان . أحدهما: متعمدا لأجل أنه مؤمن ، قاله سعيد بن جبير . والثاني: متعمدا لقتله ، ذكره بعض المفسرين . وفي قوله (فجزاؤه جهنم) قولان . أحدهما: أنها جزاؤه قطعا . والثاني: أنها جزاؤه إن جازاه . واختلف العلماء هل للمؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا توبة أم لا؟ فذهب الأكثرون إلى أن له توبة ، وذهب ابن عباس إلى أنه لا توبة له .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 168 ] فصل

                                                                                                                                                                                                                                      اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أم منسوخة؟ فقال قوم: هي محكمة ، واحتجوا بأنها خبر ، والأخبار لا تحتمل النسخ ، ثم افترق هؤلاء فرقتين ، إحداهما قالت: هي على ظاهرها ، وقاتل المؤمن مخلد في النار . والفرقة الثانية قالت: هي عامة قد دخلها التخصيص بدليل أنه لو قتله كافر ثم أسلم الكافر ، انهدرت عنه العقوبة في الدنيا والآخرة ، فإذا ثبت كونها من العام المخصص ، فأي: دليل صلح للتخصيص ، وجب العمل به . ومن أسباب التخصيص أن يكون قتله مستحلا ، فيستحق الخلود لاستحلاله . وقال قوم: هي مخصوصة في حق من لم يتب ، واستدلوا بقوله تعالى: في الفرقان: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما [الفرقان: 70] وقال آخرون: هي منسوخة بقوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية