الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عنت ]

                                                          عنت : العنت : دخول المشقة على الإنسان ، ولقاء الشدة ؛ يقال : أعنت فلان فلانا إعناتا إذا أدخل عليه عنتا أي : مشقة . وفي الحديث : الباغون البرآء العنت ؛ قال ابن الأثير : العنت المشقة ، والفساد ، والهلاك ، والإثم ، والغلط ، والخطأ ، والزنا : كل ذلك قد جاء ، وأطلق العنت عليه ، والحديث يحتمل كلها ؛ والبرآء جمع بريء ، وهو والعنت منصوبان مفعولان للباغين ؛ يقال : بغيت فلانا خيرا ، وبغيتك الشيء : طلبته لك ، وبغيت الشيء : طلبته .

                                                          ومنه الحديث : فيعنتوا عليكم دينكم ، أي : يدخلوا عليكم الضرر في دينكم ؛ والحديث الآخر : حتى تعنته . أي : تشق عليه . وفي الحديث : أيما طبيب تطبب ولم يعرف بالطب فأعنت ، فهو ضامن .

                                                          أي : أضر المريض وأفسده . وأعنته وتعنته تعنتا : سأله عن شيء أراد به اللبس عليه والمشقة . وفي حديث عمر : أردت أن تعنتني . أي : تطلب عنتي وتسقطني . والعنت : الهلاك . وأعنته : أوقعه في الهلكة ؛ وقوله عز وجل : واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم أي : لو أطاع مثل المخبر الذي أخبره بما لا أصل له ، وقد كان سعى بقوم من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ارتدوا ، لوقعتم في عنت أي : في فساد وهلاك . وهو قول الله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم . وفي التنزيل : ولو شاء الله لأعنتكم معناه : لو شاء لشدد عليكم ، وتعبدكم بما يصعب عليكم أداؤه ، كما فعل بمن كان قبلكم . وقد يوضع العنت موضع الهلاك ، فيجوز أن يكون معناه : لو شاء الله لأعنتكم أي : لأهلككم بحكم يكون فيه غير ظالم . قال ابن الأنباري : أصل التعنت التشديد ، فإذا قالت العرب : فلان يتعنت فلانا ويعنته ، فمرادهم يشدد عليه ، ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه ؛ قال : ثم نقلت إلى معنى الهلاك ، والأصل ما وصفنا . قال ابن الأعرابي : الإعنات تكليف غير الطاقة . والعنت : الزنا . وفي التنزيل : ذلك لمن خشي العنت منكم يعني الفجور والزنا ؛ وقال الأزهري : نزلت هذه الآية فيمن لم يستطع طولا أي : فضل مال ينكح به حرة ، فله أن ينكح أمة ؛ ثم قال : ذلك لمن خشي العنت منكم وهذا يوجب أن من لم يخش العنت ، ولم يجد طولا لحرة ، أنه لا يحل له أن ينكح أمة ؛ قال : واختلف الناس في تفسير هذه الآية ؛ فقال بعضهم : معناه ذلك لمن خاف أن يحمله شدة الشبق والغلمة على الزنا ، فيلقى العذاب العظيم في الآخرة ، والحد في الدنيا ، وقال بعضهم : معناه أن يعشق أمة ؛ وليس في الآية ذكر عشق ، ولكن ذا العشق يلقى عنتا ؛ وقال أبو العباس محمد بن يزيد الثمالي : العنت هاهنا الهلاك ؛ وقيل : الهلاك في الزنا ؛ وأنشد :


                                                          أحاول إعناتي بما قال أو رجا

                                                          أراد : أحاول إهلاكي .

                                                          وروى المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العنت في كلام العرب الجور والإثم والأذى ؛ قال : فقلت له التعنت من هذا ؟ قال : نعم ؛ يقال : تعنت فلان فلانا إذا أدخل عليه الأذى ؛ وقال أبو إسحاق الزجاج : العنت في اللغة المشقة الشديدة ، والعنت الوقوع في أمر شاق ، وقد عنت ، وأعنته غيره ؛ قال الأزهري : هذا الذي قاله أبو إسحاق صحيح ، فإذا شق على الرجل العزبة ، وغلبته الغلمة ، ولم يجد ما يتزوج به حرة ، فله أن ينكح أمة ؛ لأن غلبة الشهوة ، واجتماع الماء في الصلب ، ربما أدى إلى العلة الصعبة ، والله أعلم ؛ قال الجوهري : العنت الإثم ؛ وقد عنت الرجل . قال تعالى : عزيز عليه ما عنتم قال الأزهري : معناه عزيز عليه عنتكم ، وهو لقاء الشدة والمشقة ؛ وقال بعضهم : معناه عزيز أي : شديد ما أعنتكم أي : أوردكم العنت والمشقة . ويقال : أكمة عنوت طويلة شاقة المصعد ، وهي العنتوت [ ص: 295 ] أيضا ؛ قال الأزهري : والعنت الكسر ، وقد عنتت يده أو رجله أي : انكسرت ، وكذلك كل عظم ؛ قال الشاعر :


                                                          فداو بها أضلاع جنبيك بعدما     عنتن وأعيتك الجبائر من عل

                                                          ويقال : عنت العظم عنتا ، فهو عنت : وهى وانكسر ؛ قال رؤبة :


                                                          فأرغم الله الأنوف الرغما     مجدوعها والعنت المخشما

                                                          وقال الليث : الوثء ليس بعنت ؛ لا يكون العنت إلا الكسر ؛ والوثء الضرب حتى يرهص الجلد واللحم ، ويصل الضرب إلى العظم ، من غير أن ينكسر .

                                                          ويقال : أعنت الجابر الكسير إذا لم يرفق به ، فزاد الكسر فسادا ، وكذلك راكب الدابة إذا حمله على ما لا يحتمله من العنف حتى يظلع ، فقد أعنته ، وقد عنتت الدابة . وجملة العنت : الضرر الشاق المؤذي . وفي حديث الزهري : في رجل أنعل دابة فعنتت ؛ هكذا جاء في رواية ، أي : عرجت ؛ وسماه عنتا ؛ لأنه ضرر وفساد . والرواية : فعتبت ، بتاء فوقها نقطتان ، ثم باء تحتها نقطة ، قال القتيبي : والأول أحب الوجهين إلي . ويقال للعظم المجبور إذا أصابه شيء فهاضه : قد أعنته ، فهو عنت ومعنت .

                                                          قال الأزهري : معناه أنه يهيضه ، وهو كسر بعد انجبار ، وذلك أشد من الكسر الأول . وعنت عنتا : اكتسب مأثما . وجاءني فلان متعنتا إذا جاء يطلب زلتك . والعنتوت : جبيل مستدق في السماء ، وقيل : دوين الحرة ؛ قال :


                                                          أدركتها تأفر دون العنتوت     تلك الهلوك والخريع السلحوت

                                                          الأفر : سير سريع . والعنتوت : الحز في القوس ؛ قال الأزهري : عنتوت القوس هو الحز الذي تدخل فيه الغانة ، والغانة : حلقة رأس الوتر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية