الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عند ]

                                                          عند : قال الله تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . قال قتادة : العنيد المعرض عن طاعة الله تعالى . وقال تعالى : وخاب كل جبار عنيد . عند الرجل يعند عندا وعنودا وعندا : عتا وطغا وجاوز قدره . ورجل عنيد : عاند ، وهو من التجبر . وفي خطبة أبي بكر رضي الله عنه : وسترون بعدي ملكا عضوضا وملكا عنودا ؛ العنود والعنيد بمعنى وهما فعيل وفعول بمعنى فاعل أو مفاعل . وفي حديث الدعاء : فأقص الأدنين على عنودهم عنك . أي : ميلهم وجورهم . وعند عن الحق وعن الطريق يعند ويعند : مال . والمعاندة والعناد : أن يعرف الرجل الشيء فيأباه ويميل عنه ؛ وكان كفر أبي طالب معاندة ؛ لأنه عرف وأقر وأنف أن يقال : تبع ابن أخيه ، فصار بذلك كافرا . وعاند معاندة أي : خالف ورد الحق وهو يعرفه ، فهو عنيد وعاند . وفي الحديث : إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ؛ العنيد : الجائر عن القصد الباغي الذي يرد الحق مع العلم به . وتعاند الخصمان : تجادلا . وعند عن الشيء والطريق يعند ويعند عنودا ، فهو عنود ، وعند عندا : تباعد وعدل . وناقة عنود : لا تخالط الإبل تباعد عن الإبل فترعى ناحية أبدا ، والجمع عند وعاند وعاندة ، وجمعهما جميعا عواند وعند ؛ قال :

                                                          إذا رحلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا جمع بين الطاء والدال ، وهو إكفاء .

                                                          ويقال : هو يمشي وسطا لا عندا . وفي حديث عمر يذكر سيرته يصف نفسه بالسياسة فقال : إني أنهر اللفوت وأضم العنود وألحق القطوف وأزجر العروض .

                                                          قال : العنود هو من الإبل الذي لا يخالطها ولا يزال منفردا عنها ، وأراد : من خرج عن الجماعة أعدته إليها وعطفته عليها ؛ وقيل : العنود التي تباعد عن الإبل تطلب خيار المرتع تتأنف ، وبعض الإبل يرتع ما وجد .

                                                          قال ابن الأعرابي ، وأبو نصر : هي التي تكون في طائفة الإبل أي : في ناحيتها . وقال القيسي : العنود من الإبل التي تعاند الإبل فتعارضها ، قال : فإذا قادتهن قدما أمامهن فتلك السلوف . والعاند : البعير الذي يجوز عن الطريق ويعدل عن القصد . ورجل عنود : يحل عنده ولا يخالط الناس ؛ قال :

                                                          ومولى عنود ألحقته جريرة وقد تلحق المولى العنود الجرائر الكسائي : عندت الطعنة تعند وتعند إذا سال دمها بعيدا من صاحبها ؛ وهي طعنة عاندة . وعند الدم يعند إذا سال في جانب . والعنود من الدواب : المتقدمة في السير ، وكذلك هي من حمر الوحش . وناقة عنود : تنكب الطريق من نشاطها وقوتها ، والجمع عند وعند . قال ابن سيده : وعندي أن عندا ليس جمع عنود ؛ لأن فعولا لا يكسر على فعل ، وإنما هي جمع عاند ، وهي مماتة . وعاندة الطريق : ما عدل عنه فعند ؛ أنشد ابن الأعرابي :

                                                          فإنك والبكا بعد ابن عمرو لكالساري بعاندة الطريق يقول : رزئت عظيما فبكاؤك على هالك بعده ضلال أي : لا ينبغي لك أن تبكي على أحد بعده . ويقال : عاند فلان فلانا عنادا : فعل مثل فعله . يقال : فلان يعاند فلانا أي : يفعل مثل فعله ، وهو يعارضه ويباريه . قال : والعامة يفسرونه يعانده يفعل خلاف فعله ؛ قال الأزهري : ولا أعرف ذلك ، ولا أثبته . والعند : الاعتراض ؛ وقوله :


                                                          يا قوم ما لي لا أحب عنجده وكل إنسان يحب ولده     حب الحبارى ويزف عنده

                                                          ويروى يدق أي : معارضة الولد ؛ قال الأزهري : يعارضه شفقة عليه . وقيل : العند هنا الجانب ؛ قال ثعلب : هو الاعتراض . قال : يعلمه الطيران كما يعلم العصفور ولده ، وأنشده ثعلب : وكل خنزير . قال الأزهري : والمعاند هو المعارض بالخلاف لا بالوفاق ، وهذا الذي تعرفه العوام ، وقد يكون العناد معارضة لغير الخلاف ، كما قال الأصمعي واستخرجه من عند الحبارى ، جعله اسما من عاند الحبارى فرخه إذا عارضه في الطيران أول ما ينهض كأنه يعلمه الطيران شفقة عليه . وأعند الرجل : عارض بالخلاف . وأعند : عارض بالاتفاق . وعاند البعير خطامه : عارضه . وعانده معاندة وعنادا : عارضه ؛ قال أبو ذؤيب :

                                                          فافتنهن من السواء وماؤه بثر وعانده طريق مهيع افتنهن من الفن ، وهو الطرد ، أي : طرد الحمار أتنه من السواء ، وهو موضع ، وكذلك بثر . والمهيع : الواسع . وعقبة عنود : صعبة المرتقى . وعند العرق وعند وعند وأعند : سال فلم يكد يرقأ ، وهو عرق عاند ؛ قال عمرو بن ملقط :

                                                          بطعنة يجري لها عاند كالماء من غائلة الجابيه وفسر ابن الأعرابي العاند هنا بالمائل ، وعسى أن يكون السائل فصحفه الناقل عنه . وأعند أنفه : كثر سيلان الدم منه . وأعند القيء وأعند فيه إعنادا : تابعه . وسئل ابن عباس عن المستحاضة فقال : إنه عرق عاند أو ركضة من الشيطان ؛ قال أبو عبيد : العرق العاند الذي [ ص: 298 ] عند وبغى كالإنسان يعاند ، فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته ، شبه به لكثرة ما يخرج منه على خلاف عادته ؛ وقيل : العاند الذي لا يرقأ ؛ قال الراعي :

                                                          ونحن تركنا بالفعالي طعنة لها عاند فوق الذراعين مسبل وأصله من عنود الإنسان إذا بغى وعند عن القصد ؛ وأنشد :


                                                          وبخ كل عاند نعور

                                                          والعند بالتحريك : الجانب . وعاند فلان فلانا إذا جانبه .

                                                          ودم عاند : يسيل جانبا . وقال ابن شميل : عند الرجل من أصحابه يعند عنودا إذا ما تركهم واجتاز عليهم . وعند عنهم إذا ما تركهم في سفر وأخذ في غير طريقهم أو تخلف عنهم . والعنود : كأنه الخلاف والتباعد والترك ؛ لو رأيت رجلا بالبصرة من أهل الحجاز لقلت : شد ما عندت عن قومك أي : تباعدت عنهم . وسحابة عنود : كثيرة المطر ، وجمعه عند ؛ وقال الراعي :


                                                          دعصا أرذ عليه فرق عند

                                                          وقدح عنود : هو الذي يخرج فائزا على غير جهة سائر القداح . ويقال : استعندني فلان من بين القوم أي : قصدني . وأما عند : فحضور الشيء ودنوه وفيها ثلاث لغات : عند وعند وعند ، وهي ظرف في المكان والزمان ، تقول : عند الليل وعند الحائط إلا أنها ظرف غير متمكن ، لا تقول : عندك واسع بالرفع ؛ وقد أدخلوا عليه من حروف الجر من وحدها كما أدخلوها على لدن . قال تعالى : رحمة من عندنا . وقال تعالى : من لدنا . ولا يقال : مضيت إلى عندك ولا إلى لدنك ؛ وقد يغرى بها فيقال : عندك زيدا أي : خذه ؛ قال الأزهري : وهي بلغاتها الثلاث أقصى نهايات القرب ولذلك لم تصغر ، وهو ظرف مبهم ولذلك لم يتمكن إلا في موضع واحد ، وهو أن يقول القائل لشيء بلا علم : هذا عندي كذا وكذا ، فيقال : ولك عند . زعموا أنه في هذا الموضع يراد به القلب وما فيه معقول من اللب ، وهذا غير قوي .

                                                          وقال الليث : عند حرف صفة يكون موضعا لغيره ولفظه نصب ؛ لأنه ظرف لغيره ، وهو في التقريب شبه اللزق ، ولا يكاد يجيء في الكلام إلا منصوبا ؛ لأنه لا يكون إلا صفة معمولا فيها أو مضمرا فيها فعل إلا في قولهم : ولك عند ، كما تقدم ؛ قال سيبويه : وقالوا عندك تحذره شيئا بين يديه أو تأمره أن يتقدم ، وهو من أسماء الفعل لا يتعدى ؛ وقالوا : أنت عندي ذاهب أي : في ظني ؛ حكاها ثعلب عن الفراء . الفراء : العرب تأمر من الصفات بعليك وعندك ودونك وإليك ، يقولون : إليك إليك عني ، كما يقولون : وراءك وراءك ، فهذه الحروف كثيرة ؛ وزعم الكسائي أنه سمع : بينكما البعير فخذاه ، فنصب البعير وأجاز ذلك في كل الصفات التي تفرد ولم يجزه في اللام ولا الباء ولا الكاف ؛ وسمع الكسائي العرب تقول : كما أنت وزيدا ومكانك وزيدا ؛ قال الأزهري : وسمعت بعض بني سليم يقول : كما أنتني ، يقول : انتظرني في مكانك . وما لي عنه عندد وعندد أي بد ؛ قال :

                                                          لقد ظعن الحي الجميع فأصعدوا نعم ليس عما يفعل الله عندد وإنما لم يقض عليها أنها فنعل ؛ لأن التكرير إذا وقع وجب القضاء بالزيادة إلا أن يجيء ثبت ، وإنما قضى على النون هاهنا أنها أصل ؛ لأنها ثانية والنون لا تزاد ثانية إلا بثبت . وما لي عنه معلندد أيضا وما وجدت إلى كذا معلنددا أي : سبيلا . وقال اللحياني : ما لي عن ذاك عندد وعندد أي : محيص . وقال مرة : ما وجدت إلى ذلك عنددا وعنددا أي : سبيلا ولا ثبت هنا . أبو زيد : يقال إن تحت طريقتك لعندأوة ، والطريقة : اللين والسكون ، والعندأوة : الجفوة والمكر ؛ قال الأصمعي : معناه إن تحت سكونك لنزوة وطماحا ؛ وقال غيره : العندأوة الالتواء والعسر ، وقال : هو من العداء ، وهمزه بعضهم فجعل النون والهمزة زائدتين على بناء فنعلوة ، وقال غيره : عنداوة فعللوة . وعاندان : واديان معروفان ؛ قال :


                                                          شبت بأعلى عاندين من إضم

                                                          وعاندين وعاندون : اسم واد أيضا . وفي النصب والخفض عاندين ؛ حكاه كراع ومثله بقاصرين وخانقين وماردين وماكسين وناعتين ، وكل هذه أسماء مواضع ؛ وقول سالم بن قحفان :

                                                          يتبعن ورقاء كلون العوهق لاحقة الرجل عنود المرفق يعني بعيدة المرفق من الزور . والعوهق : الخطاف الجبلي ، وقيل : الغراب الأسود ، وقيل : الثور الأسود ، وقيل : اللازورد . وطعن عند بالكسر إذا كان يمنة ويسرة . قال أبو عمرو : أخف الطعن الولق ، والعاند مثله .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية