الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      الهبة للثواب يصاب بها العيب قلت : أرأيت إن وهبت هبة للثواب وأخذت العوض فأصاب الموهوب له بالهبة عيبا ، أله أن يرجع في عوضه ويرد الهبة ؟ قال : نعم . ، الهبة على العوض بيع من البيوع يصنع فيها وفي العوض ما يصنع بالبيع . قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال نعم . ، الهبة على العوض في قول مالك مثل البيوع محمل واحد إلا أن الهبة على العوض ، إن لم يثبه ولم [ ص: 405 ] تتغير الهبة بنماء ولا نقصان وكانت على حالها ، فللذي وهبها أن يأخذها إلا أن يثيبه ولا يلزم الذي قبلها الثواب على ما يحب أو يكره . وقال مالك : ولو أثابه الموهوب له بما يعلم أنه ثمن لتلك الهبة ، أجبر الواهب على أخذ ذلك على ما أحب أو كره .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : ولو أثابه بما يعلم أنه ليس ذلك للهبة بثمن ، ثم قام صاحب الهبة يطلبه بعد ذلك . قال : أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما قبل ذلك إلا انتظارا لتمام ثواب الهبة ، فإذا حلف كان له أن يأخذ تمام الثواب من الموهوب له ، وإن أبى أن يحلف رد الهبة وأخذ عوضه إن كانت الهبة لم تتغير . قال : وكذلك قال لي مالك . قال : وقال مالك : والشفعة كذلك إذا وهب رجل للثواب شقصا لم يكن للشفيع أن يأخذها أبدا إن كان وهبها للثواب حتى يثاب من هبته ، فإن أبى أن يثيبه أخذ الواهب داره ولم تكن فيها شفعة لأحد . قلت : فإن استحق العوض ، أيكون لي أن أرجع في هبتي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم . ، إلا أن يعوضك عوضا آخر ، يكون قيمة الهبة أو أكثر مكان العوض الذي استحق ، فليس لك أن ترجع في الهبة إن أعطاك عوضا مكان العوض الذي استحق .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن عوضني منها عوضا ضعف قيمة الهبة . ثم استحق العوض فأردت أن أرجع في هبتي فقال الموهوب له : أنا أعطيك قيمة الهبة عوضا من هبتك . وقلت : لا أرضى إلا أن تعطيني قيمة العوض ، وقيمة العوض الذي استحق ضعف قيمة الهبة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا أرى لك إلا قيمة الهبة ، لأن الذي زادك أولا في عوضه على قيمة هبتك إنما كان ذلك معروفا منه تطاول به عليك ، فلما استحق لم يكن لك عليه إلا قيمة هبتك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن تصدقت بصدقة للثواب ، أيبطل الثواب وتجوز الصدقة أو يجعلها مالك هبة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أجعلها هبة إن تصدق بها على الثواب .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية