الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الركن الرابع : نفس الاحتساب

وله درجات وآداب
، أما الدرجات فأولها التعرف ، ثم التعريف ، ثم النهي ، ثم الوعظ والنصح ، ثم السب والتعنيف ، ثم التغيير باليد ، ثم التهديد بالضرب ، ثم إيقاع الضرب وتحقيقه ، ثم شهر السلاح ثم الاستظهار فيه بالأعوان ، وجمع الجنود . .

أما الدرجة الأولى وهي التعرف : ونعني طلب المعرفة بجريان المنكر ، وذلك منهي عنه ، وهو التجسس الذي ذكرناه ؛ فلا ينبغي أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الأوتار ولا أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ، ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف شكل المزمار ، ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبروه بما يجري في داره نعم لو أخبره عدلان ابتداء من غير استخبار بأن فلانا يشرب الخمر في داره ، أو بأن في داره خمرا أعده للشرب ، فله إذ ذاك أن يدخل داره ، ولا يلزم الاستئذان .

ويكون تخطى ملكه بالدخول ؛ للتوصل إلى دفع المنكر ، ككسر رأسه بالضرب للمنع مهما احتاج إليه ، وإن أخبره عدلان أو عدل واحد ، وبالجملة كل من تقبل روايته لا شهادته، ففي جواز الهجوم على داره بقولهم فيه نظر واحتمال ، والأولى أن يمتنع لأن له حقا في أن لا يتخطى داره بغير إذنه ولا يسقط حق المسلم عما ثبت عليه حقه إلا بشاهدين ، فهذا أولى ما يجعل مردا فيه وقد قيل : إنه كان نقش خاتم لقمان الستر لما عاينت أحسن من إذاعة ما ظننت .

التالي السابق


(الركن الرابع: نفس الاحتساب)

[ ص: 42 ] (وله درجات وآداب ، أما الدرجات فأولها التعرف، ثم التعريف، ثم النهي، ثم الوعظ والنصح، ثم السب والتعنيف، ثم التغيير باليد، ثم التهديد بالضرب، ثم إيقاع الضرب وتحقيقه، ثم شهر السلاح) أي: إبرازه من بيته، (ثم الاستظهار) أي: طلب التقوية (فيه بالأعوان، وجمع الجنود .

أما الدرجة الأولى، وهو التعرف: ونعني به طلب المعرفة بجريان المنكر، وذلك منهي عنه، وهو) بعينه (التجسس الذي ذكرناه؛ فلا ينبغي أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الأوتار) والمزامير والجلاجل، (ولا أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر، ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف شكل المزمار، ولا أن يستخبر من جيرانه) الملاصقين لداره (ليخبروه بما يجري في داره) فكل ذلك تتبع للعورات، (وقد ورد فيه وعيد شديد، كما تقدم في آداب الصحبة) نعم لو أخبره عدلان ابتداء من غير استخبار (بأن فلانا يشرب الخمر، أو في داره خمر أعده للشرب، فله إذ ذاك أن يدخل داره، ولا يلزمه الاستئذان) ففيه شروط، الأول: أن يكون ذلك من غير استخبار .

والثاني: أن يكون المخبر عدلين، لا عدلا واحدا .

والثالث: كون الإخبار وقع على شربه حالا، لا على شربه في الماضي، وإذا أخبر أن الخمر في الدار فشرط فيه أن يكون قد أعده للشرب، فخرج ما إذا لم يكن كذلك، بل كانت أمانة لذمي عنده، فإذا وجدت هذه الشروط فله الدخول من غير استئذان .

(ويكون تخطى ملكه بالدخول؛ للتوصل إلى دفع المنكر، ككسر رأسه بالضرب للمنع مهما احتاج إليه، وإن أخبره عدلان أو عدل واحد، وبالجملة) المراد به (من تقبل روايته دون شهادته، ففي جواز الهجوم على داره -بقولهم فيه- نظر، واحتمال، والأولى أن يمتنع) عن الهجوم؛ (لأن له حقا في ألا يتخطى داره بغير إذنه) وفي تخطيه إسقاط لحقه، (ولا يسقط حق المسلم على ما ثبت عليه حقه) شرعا (إلا بشاهدين، فهذا أولى ما يجعل مردا فيه) أي: يرد عليه، ففي كل منهما إسقاط الحق، (وقد قيل: إنه كان نقش خاتم لقمان) عليه السلام: (الستر لما عاينت) أي: شاهدت بعينك (أحسن من إذاعة) أي: إفشاء (ما ظننت) ففهم منه أن الستر على المسلم فيما عاينه منه أولى بكل حال.



الخدمات العلمية