الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 369 ] باب الدعاوى والبينات فائدة :

واحد الدعاوى : دعوى . قال المصنف ، والشارح : معناها في اللغة : إضافة الإنسان إلى نفسه شيئا : ملكا ، أو استحقاقا أو صفة ، ونحوه . وفي الشرع : إضافته إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره ، أو في ذمته . وقال ابن عقيل : الدعوى : الطلب . { ولهم ما يدعون } زاد ابن أبي الفتح : زاعما ملكه . انتهى . وقيل : هي طلب حق من خصم عند حاكم ، وإخباره باستحقاقه ، وطلبه منه . وقال في الرعاية : قلت : هي إخبار خصم باستحقاق شيء معين أو مجهول كوصية وإقرار عليه ، أو عنده له ، أو لموكله ، أو توكيله ، أو لله حسبة ، يطلبه منه عند حاكم . قوله ( المدعي : من إذا سكت ترك . والمنكر : من إذا سكت لم يترك ) . هذا المذهب . عليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، والمحرر ، والنظم ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع ، وغيرهم . وقيل : المدعي من يدعي خلاف الظاهر ، وعكسه المنكر . وأطلقهما في المستوعب . وقال الشارح : وقيل : المدعي من يلتمس بقوله أخذ شيء من يد غيره . وإثبات حق في ذمته . والمدعى عليه : من ينكر ذلك . [ ص: 370 ] وقدم هو أيضا ، والمصنف : أن المدعى عليه من يضاف إليه استحقاق شيء عليه . وقد يكون كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه . بأن يختلفا في العقد . فيدعي كل واحد منهما : أن الثمن غير الذي ذكره صاحبه . انتهى . وقيل : هو من إذا سكت ترك مع إمكان صدقه . قال الزركشي : ولا بد من هذا القيد . وقيل : المدعي : هو الطالب . والمنكر : هو المطلوب . وقيل : المدعي : من يدعي أمرا باطنا خفيا . والمنكر : من يدعي أمرا ظاهرا جليا . ذكرها في الرعاية . وذكر أقوالا أخر . وأكثرها يعود إلى الأول . ومن فوائد الخلاف : لو قال الزوج " أسلمنا معا . فالنكاح باق " وادعت الزوجة : أنها أسلمت قبله ، فلا نكاح . فالمدعي : هي الزوجة . على المذهب . وعلى القول الثاني : المدعي هو الزوج .

تنبيه : قال بعضهم : الحد الأول فيه نظر . لأن كل ساكت لا يطالب بشيء . فإنه متروك . وهذا أعم من أن يكون مدعيا أو مدعى عليه . فيترك مع قيام الدعوى . فتعريفه بالسكوت وعدمه : ليس بشيء . والأولى أن يقال :المدعي من يطالب غيره بحق يذكر استحقاقه عليه . والمدعى عليه : المطالب . بدليل قوله عليه أفضل الصلاة والسلام { البينة على المدعي } وإنما تكون البينة مع المطالبة ، وأما مع عدمها فلا . انتهى . ويمكن أن يجاب ، بأن يقال : المراد بتعريف " المدعي " و " المدعى عليه " [ ص: 371 ] حال المطالبة . لأنهم ذكروا ذلك ليعرف من عليه البينة ممن عليه اليمين . وإنما يعرف ذلك بعد المطالبة . وقال ابن نصر الله في حواشي الفروع : قولهم " المدعي من إذا سكت ترك " ينبغي أن يقيد ذلك : إن لم تتضمن دعواه شيئا إن لم يثبت ، لزمه حد أو تعزير . كمن ادعى على إنسان أنه زنى بابنته ، أو أنه سرق له شيئا . وأنه قاذف في الأولى ، ثالب لعرضه في الثانية . فإن لم يثبت دعواه لزمه القذف في الأولى ، والتعزير في الثانية . وقد يجاب : بأنه متروك من حيث الدعوى ، مطلوب بما تضمنته . فهو متروك مطابقة . مطلوب تضمنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية