الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 135 ] من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا .

هذا كالتكملة لقوله وأرسلناك للناس رسولا باعتبار ما تضمنه من رد اعتقادهم أن الرسول مصدر السيئات التي تصيبهم ، ثم من قوله ما أصابك من حسنة فمن الله إلخ .

المؤذن بأن بين الخالق وبين المخلوق فرقا في التأثير وأن الرسالة معنى آخر فاحترس بقوله من يطع الرسول فقد أطاع الله عن توهم السامعين التفرقة بين الله ورسوله في أمور التشريع ، فأثبت أن الرسول في تبليغه إنما يبلغ عن الله ، فأمره أمر الله ، ونهيه نهي الله ، وطاعته طاعة الله ، وقد دل على ذلك كله قوله من يطع الرسول فقد أطاع الله لاشتمالها على إثبات كونه رسولا واستلزامها أنه يأمر وينهى ، وأن ذلك تبليغ لمراد الله تعالى ، فمن كان على بينة من ذلك أو كان في غفلة فقد بين الله له اختلاف مقامات الرسول .

ومن تولى أو أعرض واستمر على المكابرة فما أرسلناك عليهم حفيظا ، أي حارسا لهم ومسئولا عن إعراضهم ، وهذا تعريض بهم ، وتهديد لهم بأن صرفه عن الاشتغال بهم ، فيعلم أن الله سيتولى عقابهم .

والتولي حقيقته الانصراف والإدبار ، وقد تقدم في قوله تعالى وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها وفي قوله ما ولاهم عن قبلتهم في سورة البقرة . واستعمل هنا مجازا في العصيان وعدم الإصغاء إلى الدعوة .

" ثم بين أنهم لضعف نفوسهم لا يعرضون جهرا بل يظهرون الطاعة ، فإذا أمرهم الرسول أو نهاهم يقولون له : " طاعة " أي : أمرنا طاعة ، وهي كلمة يدلون بها على الامتثال ، وربما يقال : سمع وطاعة ، وهو مصدر مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، [ ص: 136 ] أي أمرنا أو شأننا طاعة ، كما في قوله فصبر جميل . وليس هو نائبا عن المفعول المطلق الآتي بدلا من الفعل الذي يعدل عن نصبه إلى الرفع للدلالة على الثبات مثل " قال سلام " ، إذ ليس المقصود هنا إحداث الطاعة وإنما المقصود أننا سنطيع ولا يكون منا عصيان .

ومعنى " برزوا " خرجوا ، وأصل معنى البروز : الظهور ، وشاع إطلاقه على الخروج مجازا مرسلا .

و " بيت " هنا بمعنى قدر أمرا في السر وأضمره ، لأن أصل البيات هو فعل شيء في الليل ، والعرب تستعير ذلك إلى معنى الإسرار ، لأن الليل أكتم للسر ، ولذلك يقولون : هذا أمر قضي بليل ، أي لم يطلع عليه أحد ، وقال الحارث بن حلزة :


أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

.

وقال أبو سفيان : هذا أمر قضي بليل . وقال تعالى لنبيتنه وأهله أي : لنقتلنهم ليلا . وقال وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول . وتاء المضارعة في غير الذي تقول للمؤنث الغائب ، وهو الطائفة ، ويجوز أن يراد خطاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، أي غير الذي تقول لهم أنت ، فيجيبون عنه بقولهم : طاعة .

ومعنى والله يكتب ما يبيتون التهديد بإعلامهم أنه لن يفلتهم من عقابه ، فلا يغرنهم تأخر العذاب مدة . وقد دل بصيغة المضارع في قوله " يكتب " على تجدد ذلك ، وأنه لا يضاع منه شيء .

وقوله فأعرض عنهم أمر بعدم الاكتراث بهم ، وأنهم لا يخشى خلافهم ، وأنه يتوكل على الله وكفى بالله وكيلا أي متوكلا عليه ، ولا يتوكل على طاعة هؤلاء ولا يحزنه خلافهم .

وقرأ الجمهور بيت طائفة بإظهار تاء بيت من طاء طائفة . وقرأه أبو عمرو ، وحمزة ، ويعقوب ، وخلف بإدغام التاء في الطاء تخفيفا لقرب مخرجيهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية