الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  125 [ ص: 199 ] - باب قول الله تعالى : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب قول الله تعالى : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وأراد بإيراد هذا الباب المترجم بهذه الآية التنبيه على أن من العلم أشياء لم يطلع الله عليها نبيا ولا غيره .

                                                                                                                                                                                  ووجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على سؤال عن عالم غير أن المسئول قد بين في الأول لكونه مما يحتاج إلى علمه السائل ، ولم يبين في هذا لعدم الحاجة إلى بيانه لكونه مما اختص الله سبحانه فيه ، ولأن في عدم بيانه تصديقا لنبوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، حيث قال الواحدي : قال المفسرون : إن اليهود اجتمعوا فقالوا : نسأل محمدا عن الروح ، وعن فتية فقدوا في أول الزمان ، وعن رجل بلغ مشرق الشمس ومغربها ، فإن أجاب في ذلك كله فليس بنبي ، وإن لم يجب في ذلك كله فليس بنبي ، وإن أجاب عن بعض وأمسك عن بعض فهو نبي ، فسألوه عنها فأنزل الله تعالى في شأن الفتية : أم حسبت أن أصحاب الكهف إلى آخر القصة ، وأنزل في شأن الرجل الذي بلغ مشرق الأرض ومغربها : ويسألونك عن ذي القرنين إلى آخر القصة ، وأنزل في الروح قوله تعالى : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

                                                                                                                                                                                  قوله : وما أوتيتم الخطاب عام ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا : نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه ؟ فقال : " بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا " فقالوا : ما أعجب شأنك ساعة تقول : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وساعة تقول هذا ، فنزلت : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله وليس ما قالوه بلازم ; لأن القلة والكثرة يدوران مع الإضافة ، فيوصف الشيء بالقلة مضافا إلى ما فوقه ، وبالكثرة مضافا إلى ما تحته فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة ، وقيل : هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : قد أوتينا التوراة فيها الحكمة وقد تلوت : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فقيل لهم : إن علم التوراة قليل في جنب علم الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  قوله : إلا قليلا استثناء من العلم أي : إلا علما قليلا أو من الإيتاء أي : إلا إيتاء قليلا أو من الضمير أي : إلا قليلا منكم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية