الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القطب الرابع : العقد نفسه ، وفيه تسعة فصول :

                                                                                                                الفصل الأول : في صيغته ، وفي الجواهر : هي لفظ يقتضي الملك على التأبيد كالنكاح ، والتزويج ، والتمليك ، والبيع ، والهبة ونحوها ، قال القاضي أبو الحسن : ولفظ الصدقة ، وقال الأصحاب : إن قصد بلفظ الإباحة النكاح صح ، ويضمن المهر ، ويكفي قول الزوج : قبلت بعد الإيجاب من الولي ، ولا يشترط قبلت نكاحها ، ولو قال للأب في البكر أو بعد الإذن في الثيب : زوجني ، فقال : فعلت ، أو : زوجتك ، فقال : لا أرضى ، لزمه النكاح لاجتماع جزأي العقد ، فإن السؤال رضا في العادة ، وقال صاحب المقدمات ألا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج دون غيرهما من ألفاظ العقود ، وفي الهبة قولان : المنع ، كمذهب ( ش ) ، والجواز ، كمذهب ( ح ) ; لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية ، فكذلك النكاح ، ويرد عليه أن الهبة لا تنعقد بلفظ النكاح فكذلك العكس ، وأن النكاح مفتقر إلى الصريح ليقع الإشهاد عليه ، قال صاحب الاستذكار : أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة ، فتقاس عليه الهبة ، وقال صاحب القبس : [ ص: 397 ] جوزه ( ح ) بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد ، ومالك بكل لفظ يفهم منه المتناكحان مقصدهما ، وقال صاحب المنتقى : قال عبد الوهاب : ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك المؤبد كالهبة ، والبيع ، وزاد أبو الحسن لفظ الصدقة ، وسواء ذكر الصداق في الهبة والصدقة أم لا ، وقال المغيرة : لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والنكاح ، وقاله ( ش ) ; لأنهما المذكوران في القرآن : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ( النساء : 22 ) ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) ( الأحزاب : 37 ) ، ووافقه ابن حنبل ، وأجابوا عما احتججنا به بما ورد في الحديث ( ملكتكها بما معك من القرآن ) رواه البخاري مع أن الحديث ورد بألفاظ مختلفة ، والقصة واحدة فيستحيل اجتماعها بل الواقع أحدها ، والراوي روى بالمعنى فلا حجة فيه ولم يستثن ( ح ) غير الإجارة ، والوصية ، والإحلال ، وجوزه بالعجمية وإن قدر على العربية ، والجواب بقوله : فعلت .

                                                                                                                قاعدة : كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي ، وإباحة المرأة حكم فله سبب يجب تلقيه من السمع فما لم يسمع من الشرع لا يكون سببا ، وعلى هذه القاعدة اعتمد ( ش ) ، والمغيرة ، وهو ظاهر كلام صاحب المقدمات في النقل عن المذهب .

                                                                                                                قاعدة : الشرع كما ينصب خصوص الشيء سببا كرؤية الهلال ، والزوال ، والقتل العمد العدوان ، فكذلك ينصب مشتركا بين أشياء ويلغي خصوصياتها كألفاظ الطلاق ، فإن المقصود منها : ما دل على [ ص: 398 ] انطلاقها من عصمة النكاح ، وألفاظ القذف المقصود منها : ما دل على النسبة إلى الزنا أو اللواط ، وألفاظ الدخول في الإسلام المقصود منها : ما دل على مقصود الرسالة النبوية . والنكاح عندنا على ما حكاه من تقدم ذكره من هذه القاعدة .

                                                                                                                ويدل على ذلك أنه ورد بألفاظ مختلفة في الكتاب والسنة ، والأصل عدم اعتبار الخصوص فيتعين العموم وهو المطلوب .

                                                                                                                قاعدة : يحتاط الشرع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى التحريم ; لأن التحريم يعتمد المفاسد ، فيتعين الاحتياط له ، فلذلك حرمت المرأة بمجرد عقد الأب ، ولا تحل المبتوتة إلا بالعقد ، والوطء الحلال ، والطلاق ، وانقضاء العدة والعقد الأول ، فلهذه القاعدة أوقعنا الطلاق بالكنايات ، وإن بعدت حتى أوقعناه بالتسبيح والتهليل إذا أريد به الطلاق ; لأنه خروج من الحل فيكفي فيه أدنى سبب ، ولم يجز النكاح بكل لفظ بل بما فيه قرب من مقصود النكاح ; لأنه خروج من الحرمة إلى الحل ، وجوزنا البيع بجملة الصيغ والأفعال الدالة على الرضا بنقل الملك في العوضين ; لأن الأصل في السلع الإباحة حتى تملك بخلاف النساء ، ولعموم الحاجة للبيع ، ولقصوره في الاحتياط عن الفروج ، فإذا أحطت بهذه القواعد ظهر لك اختلاف موارد الشرع في هذه الأحكام ، وسبب اختلاف العلماء ، ونشأت لك الفروق والحكم ، والله تعالى يهدينا سواء السبيل .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية