الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل ( ومن رهن عبدين بألف فقضى حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين ) وحصة كل واحد منهما ما يخصه إذا قسم الدين على قيمتهما ، وهذا ; لأن الرهن محبوس بكل الدين فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين وصار كالمبيع في يد البائع ، فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من [ ص: 169 ] المال الذي رهنه به ، فكذا الجواب في رواية الأصل : وفي الزيادات : له أن يقبضه إذا أدى ما سمى له

وجه الأول أن العقد متحد لا يتفرق التسمية كما في المبيع

وجه الثاني أنه لا حاجة إلى الاتحاد ; لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر ; ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز .

التالي السابق


( فصل )

قال في العناية أخذا من النهاية : وجه الفصل كون الرهن متعددا ، ولا خفاء في تأخر التعدد عن الإفراد انتهى

أقول : لا يذهب عليك أن هذا الوجه إنما يتم بالنظر إلى المسألة الأولى من هذا الفصل دون المسائل الباقية منه ، إذ لا تعدد في الرهن في شيء منها ، وإنما التعدد في المرتهن في بعض منها وفي الراهن في بعض آخر منها

فالأولى أن يقال : وجه الفصل كون الرهن أو المرتهن [ ص: 169 ] أو الراهن متعددا كما أشار إليه في غاية البيان ، فحينئذ ينتظم وجه الفصل جميع المسائل المذكورة في هذا الفصل كما ترى ( قوله ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز ) قال صاحب النهاية والعناية : وحاصله أن الصفقة تتفرق في باب الرهن بتفرق التسمية ، فكأنه رهن كل عبد بعقد على حدة ، بخلاف البيع فإنها لا تتفرق فيه بتفرق التسمية ، بدليل أنه لو باعه عبدين بألف ، كل واحد منهما بخمسمائة فقبل المشتري العقد في أحدهما دون الآخر لم يجز كما في حالة الإجمال ، وهذا ; لأن البيع عقد تمليك ، والهلاك قبل القبض يبطله فبعدما نقد بعض الثمن لو تمكن من قبض بعض المعقود عليه أدى إلى تفريق الصفقة قبل التمام بأن يهلك ما بقي فينفسخ البيع فيه ، بخلاف الرهن فإنه بالهلاك ينتهي حكم الرهن لحصول المقصود ، كما أن بالافتكاك ينتهي حكم الرهن ، فلو تمكن من استرداد البعض عند قضاء بعض الدين لم يؤد ذلك إلى تفريق الصفقة ; لأن أكثر ما فيه أن يهلك ما بقي فينتهي حكم الرهن فيه انتهى

أقول : فيه بحث ، وهو أن حاصل كلامهما الاستدلال على أن الصفقة تتفرق في باب الرهن بتفرق التسمية ، ولا تتفرق في باب البيع بذلك بدليلين :

أحدهما إني وهو أنه لو رهن عبدين بألف وسمى لكل واحد منهما شيئا من الألف فقبل المرتهن الرهن في أحدهما دون الآخر جاز ، وإن باعهما بألف وسمى لكل واحد منهما شيئا من الألف فقبل المشتري العقد في أحدهما دون الآخر لم يجز

وثانيهما لمي وهو ما ذكراه بقولهما ، وهذا ; لأن البيع عقد تمليك إلخ ، والأول منهما سالم والثاني منظور فيه عندي ; إذ لا شك أن المحذور تفريق الصفقة الواحدة دون تفريق الصفقة المتفرقة في الأصل ، وأن الكلام هنا في إثبات أن الصفقة تتفرق بتفرق التسمية في باب الرهن ولا تتفرق بذلك في باب البيع ، فالتأدي إلى تفريق الصفقة في باب البيع على تقدير أن يتمكن المشتري من قبض بعض المعقود عليه بعدما نقد بعض الثمن إنما يكون محذورا عند ثبوت عدم تفرق الصفقة بتفرق التسمية في باب البيع ولم يثبت بعد ، بل هو أول من قصد إثباته ها هنا بقولهما ، وهذا ; لأن البيع عقد تمليك إلخ فابتناء الدليل عليه مصادرة على المطلوب

فالوجه الظاهر في لمية الفرق بين بابي الرهن والبيع في تفرق أحدهما بتفرق التسمية دون الآخر ما ذكره صاحب الكافي حيث قال : وإنما افترقا ; لأن ضم الرديء إلى الجيد متعارف في البيع غير متعارف في الرهن ، فلو تفرق البيع بتفرق التسمية كان للمشتري أن يقبل في أحدهما فيقبل الجيد فيتضرر به البائع ، ولو تفرق الرهن بتفرق التسمية لم يتضرر به الراهن ، ولأن في البيع إذا جمع بينهما لو تفرقت الصفقة تصير الثانية شرطا في الأولى وهو شرط فاسد ، والبيع يفسد به ، أما الرهن فلا [ ص: 170 ] يفسد بالشرط الفاسد ; لأنه تبرع كالهبة انتهى

ثم قال صاحب النهاية والعناية : فإن قيل : هذا في حالة الإجمال موجود

قلنا : نعم ، ولكن حصة كل عبد من الدين فيها غير معلوم بيقين ، وربما كان أحد العبدين أكثر قيمة مثل أن يساوي أحدهما ألفا ، والآخر ألفين ورهنهما بثلاثة آلاف أحدهما بألف ، والآخر بألفين ولم يبين هذا من ذاك وأراد الراهن فكاك الذي قيمته ألفان فأدى ألفا ، وهو يقول هذا الذي رهنه بألف والمرتهن يقول بل هو رهن بألفين فكان ذلك جهالة تفضي إلى المنازعة ، فأما عند التفصيل فحصة كل عبد معلومة بالتسمية لا جهالة هناك تفضي إلى المنازعة فلهذا يمكن فكاك البعض بقضاء بعض الدين انتهى

أقول : في الجواب بحث

أما أولا فلأنه لم لا يجعل قيمة كل واحد من العبدين فيصلا في قطع المنازعة في حالة الإجمال ، ولولا ذلك لما كان في قول المصنف في صدر مسألة الإجمال : وحصة كل واحد ما يخصه إذا قسم الدين على قيمتهما فائدة

وأما ثانيا فلأنه إذا كان العبدان متساويين في القيمة لا يوجد هناك جهالة تفضي إلى المنازعة مع أن جواب مسألة الإجمال تعم هذه الصورة أيضا

فالأولى : في دفع النقض بحالة الإجمال أن يقال : لأن تفرق الصفقة أيما يتصور فيما إذا كان في كلام العاقد ما يتحمله كما في حالة التفصيل فإن تفرق التسمية فيها تتحمل تفرق الصفقة ، بخلاف حالة الإجمال إذا لم يوجد فيه شيء يتحمله ، فإذا تعين الحمل فيها على تفرق الصفقة فيها ، وإن لم يلزم التأدي إلى تفريق الصفقة قبل تمامها في باب الرهن على تقدير أن يحمل عليه في حالة الإجمال أيضا تأمل .




الخدمات العلمية