الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 295 ] 577 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضاب للشعر من كراهة ومن إباحة

قال أبو جعفر : قد ذكرنا فيما تقدم منا من كتابنا هذا حديث عبد الرحمن بن حرملة ، عن عبد الله بن مسعود في العشرة الأشياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهها ، وفيها : تغيير الشيب ، وكان أحسن ما حضرنا في ذلك أنا قد وجدنا عنه صلى الله عليه وسلم .

3672 - ما قد حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سلمة وسليمان بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن النصارى لا يصبغون فخالفوهم .

3673 - وما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ( ح ) ، [ ص: 296 ] وحدثنا بحر ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، أخبره ، ولم يذكر سليمان بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

3674 - وما قد حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة وسليمان بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

3675 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا الحسين بن حريث ، قال : أخبرنا الفضل بن موسى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، ولم يذكر سليمان ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : فخالفوا عليهم فاصبغوا .

[ ص: 297 ]

3676 - وما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأسدي ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة - ولم يذكر سليمان - عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن اليهود والنصارى لا يخضبون فخالفوهم .

3677 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت الأوزاعي ، يقول : حدثني الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

فكان في هذه الآثار إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى [ ص: 298 ] كانوا لا يخضبون ، فعقلنا بذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان في البدء على مثل ما كانوا عليه ; لما قد ذكرناه عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما لم يؤمر فيه بشيء يحب موافقة أهل الكتاب على ما هم عليه منه ، فكان صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى أحدث الله عز وجل له في شريعته ما يخالف ذلك من الخضاب ، فأمر به ، وبخلاف ما عليه اليهود والنصارى من تركه ، وعقلنا بذلك أن جميع ما روي عنه صلى الله عليه وسلم في الأمر باستعمال الخضاب متأخر عن ذلك ، فمن ما روي عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك .

3678 - ما قد حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود .

[ ص: 299 ]

3679 - وما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا أحمد بن جناب المصيصي ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

3680 - وما قد حدثنا علي بن معبد ، وأبو أمية ، قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عثمان بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا الشيب ، ولا تتشبهوا بأهل الكتاب .

[ ص: 300 ] قال أبو جعفر : فاضطرب علينا حديث عروة هذا في إسناده ، فرواه أبو معاوية ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، ورواه عيسى بن يونس ، عن هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، ورواه ابن كناسة ، عن هشام ، عن أخيه عثمان ، عن أبيه ، عن الزبير ، وهذا اضطراب شديد .

ثم رجعنا إلى ما روي عن غيره فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم 8 .

3681 - فوجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن الأجلح ، عن ابن بريدة ، عن أبي الأسود ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 301 ]

3682 - ووجدنا أبا أمية أيضا قد حدثنا ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، عن الأجلح ، عن ابن بريدة ، عن أبي الأسود الديلي ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم .

قال أبو جعفر : فجاء هذا مجيئا صحيحا لا اضطراب فيه .

3683 - ووجدنا بحر بن نصر قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كثغامة بيضاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشيء ، واجتنبوا السواد .

[ ص: 302 ]

3684 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أحمد بن حميد ختن عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء ، قالت : لما كان يوم الفتح أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي قحافة ، وكأن رأسه ولحيته ثغامة ، قال : غيروه ، وجنبوه السواد .

[ ص: 303 ] قال أبو جعفر : فكان هذا أيضا مما جاء مجيئا صحيحا لا اضطراب فيه .

3685 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن هشام بن حسان ، عن محمد - يعني ابن سيرين - ، قال : سئل أنس : هل اختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إنما كان رأى من الشيب شيئا ، وقلله .

3686 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الغفار بن داود الحراني ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، قال : سئل أنس عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا ، ولكن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يخضبان بالحناء والكتم ، قال : وجاء أبو بكر بأبي قحافة يوم فتح مكة إلى [ ص: 304 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه . تكرمة لأبي بكر رضي الله عنه ، قال : ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروها ، وجنبوها السواد .

3687 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا ، قال : حدثنا الوهبي ، قال : حدثنا محمد بن راشد ، عن مكحول ، عن موسى بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، قال : لم يبلغ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيب ما يخضبه ، ولكن أبا بكر رضي الله عنه قد كان يخضب لحيته ورأسه بالحناء والكتم ، حتى يقنو شعره .

فكان هذا أيضا قد جاء مجيئا صحيحا لا اضطراب فيه .

ففي هذه الآثار أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخضاب ، وفي حديث أنس إخباره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن خضب ، فنظرنا : هل روي عنه صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك أم لا . ؟

[ ص: 305 ]

3688 - فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط السدوسي ، قال : حدثني أبي ، عن أبي رمثة ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه ردع من حناء .

3689 - ووجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عن إياد بن لقيط ، عن أبي رمثة ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد علاه الشيب ، فقد غيره بالحناء .

قال أبو جعفر : فكان فيما روينا عن أبي رمثة من هذا ما يخالف ما رويناه فيه عن أنس بن مالك ، ومن أثبت شيئا كان أولى ممن نفاه ، مع أن حديث أنس بن مالك إنما فيه تقليل شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب ، ومنه أيضا .

3690 - ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرني أنس بن عياض ، عن ربيعة [ ص: 306 ] عن أنس ، قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء .

وقد يحتمل أن يكون شيبه صلى الله عليه وسلم هذا عدده ، وقد خضبه خضابا وقف عليه غير أنس ولم يقف عليه أنس ، وقد يحتمل أن يكون منه صلى الله عليه وسلم في ذلك لم يكن خضابا بالحناء ، ولكنه كان يصفره ، ومثل ذلك ما يخفى لا سيما عن من كان في قلبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الإعظام والإجلال والتوقير ما لا يتأمله معه ، فمثله يخفى عليه مثل هذا منه .

3691 - ووجدنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، قال : قلت لأنس : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب ؟ فقال : إنه لم يكن رأى من الشيب إلا قليلا ، ولم يذكر سوى ذلك ، ولكن قد خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم ، فقد روي هذا فيما كان عمر رضي الله عنه [ ص: 307 ] عليه من الخضاب فيه ، وقد روي في أمره خلاف ذلك .

3692 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، ومالك بن عبد الله بن سيف ، وعلي بن عبد الرحمن ، قالوا : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا محمد بن حمير ، قال : حدثنا ثابت بن العجلان ، قال : سمعت أبا عامر الأنصاري ، قال : رأيت أبا بكر رضي الله عنه يغير بالحناء والكتم ، ورأيت عمر رضي الله عنه لا يغير شيبه بشيء ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من شاب شيبة في الإسلام ، فهي له نور يوم القيامة ، فلا أحب أن أغير شيبي . إلا أن علي بن عبد الرحمن قال في حديثه : فلا أحب أن أغير نوري [ ص: 308 ] [ ص: 309 ] قال : ففي هذا عن عمر رضي الله عنه ترك تغيير الشيب للذي حكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وذلك عندنا - والله أعلم - هو الذي كان عليه في البدء ، ثم وقف من بعد على أن ذلك لا يمنع من الخضاب ، فخضب ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية