الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 345 ] مسألة [ الأمر بالأمر بالشيء ] الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء ما لم يدل عليه دليل ، وإلا لزم التخلف في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : { مروهم بالصلاة لسبع } كذا قال القاضي والغزالي والآمدي وغيرهم ، وذلك لأن الأمر كما كان على ضربين : بوسط ، وبغير وسط جعلوا الأمر بوسط ليس أمرا حقيقيا ، ونقل العالمي عن بعضهم أنه أمر ، ونصره العبدري وابن الحاج في كلامهما على المستصفى " وقالا : هو أمر حقيقة لغة وشرعا بدليل { قول الأعرابي : آلله أمرك بهذا فقال : نعم } ففهم الأعرابي الجافي ، من أمر [ ص: 346 ] الله لنبيه أن يأمرهم بذلك أنه مأمور بذلك المأمور به ، وذلك بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ، فبادر إلى الطاعة . قائلا : وأي فرق بين قوله للناس : افعلوا كذا ، وقوله لنبيه : مرهم أن يفعلوا ؟ . واحتج بعضهم أيضا بحديث ابن عمر فإنه قد جاء في رواية : { مره فليراجعها } وفي رواية : { فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها } ، ففي هاتين الروايتين الأمر له وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن قوله في الرواية الأولى : { مره فليراجعها } دالا على أنه مأمور من النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مرويا في الروايتين الأخيرتين بالمعنى ; لأن المعنى يكون مختلفا حينئذ ، وكلام سليم الرازي في التقريب " يقتضي أنه يجب على الثاني الفعل جزما ، وإنما الخلاف في تسميته أمرا أم لا ، فإنه قال : إذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أمته بشيء فإن ذلك الشيء يجب فعله عليهم من حيث المعنى ، وهكذا إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الواحد من أمته أن يأمر غيره بشيء كان دالا على وجوب الفعل عليه ، ويصير ذلك بمنزلة ورود الأمر ابتداء عليه . انتهى .

                                                      وجعل ابن الحاجب في المنتهى " موضع الخلاف نحو مر فلانا بكذا . أما لو قال : قل لفلان : افعل كذا ، فالأول آمر ، والثاني مبلغ قطعا ، ومثله قول بعض الفقهاء : الخلاف في أمر الاستصلاح نحو { مروهم بالصلاة لسبع } فأما ما أريد به التبليغ فلا خلاف أن الثالث مأمور بذلك [ ص: 347 ] الأمر ، ولهذا اتفق الأصحاب على أن من طلق زوجته في الحيض بغير عوض بعد الدخول استحب له أن يراجعها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : { مره فليراجعها } فلو كان للخلاف في هذه الحالة مجال لجرى خلاف في الاستحباب . وفصل بعض المتأخرين فقال : إن قامت قرينة تقتضي أن المراد بالأمر الأول التبليغ كان ذلك أمرا للثاني ، وإلا فلا ، وهو حسن والحق : التفصيل : إن كان للأول بأمر الثالث فالأمر الثاني بالأمر الثالث وإلا فلا . ومعنى هذه المسألة أن الشارع إذا أمر مبلغا بشيء ، فهل هو أمر للمأمور الثاني بذلك كما لو توجه نحوه الأمر من غير واسطة ؟ والجمهور على أنه ليس كذلك ، ونقل فيه خلاف ، ولم يسم قائله . نعم الخلاف بين أصحابنا الفقهاء مشهور في أن الصبي مأمور بأمر الولي فقط أو مأمور بأمر الشارع ، ورجحوا الأول ، وذلك نظر إلى وضع اللفظ فقط ، وجنوح إلى أن الصبي خارج عن حكم الخطاب وهو مقتضى حد الحكم بأنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين ، والأحسن التفصيل المذكور ومثل جماعة منهم الغزالي هذه المسألة بقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } الآية .

                                                      وقالوا : إن ذلك بمجرده لا يقتضي وجوب الإعطاء إلا من جهة وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة وفيه نظر ; لأنه ليس أمرا إلا بطريق التضمن الذي اقتضاه وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هذه الآية ترجع إلى أن ما لا يتم الشيء المأمور به ، وليس من فعل المكلفين هل يكون مأمورا به أم لا ؟ ولا تعلق لذلك بهذه المسألة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية