الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عنن ]

                                                          عنن : عن الشيء يعن ويعن عننا وعنونا : ظهر أمامك ؛ وعن يعن ويعن عنا وعنونا واعتن : اعترض وعرض ؛ ومنه قول امرئ القيس :


                                                          فعن لنا سرب كأن نعاجه

                                                          والاسم العنن والعنان ؛ قال ابن حلزة :


                                                          عننا باطلا وظلما كما تع     تر عن حجرة الربيض الظباء

                                                          وأنشد ثعلب :


                                                          وما بدل من أم عثمان سلفع     من السود ورهاء العنان عروب

                                                          معنى قوله ( ورهاء العنان ) أنها تعتن في كل كلام أي : تعترض . ولا أفعله ما عن في السماء نجم أي : عرض من ذلك . والعنة والعنة : الاعتراض بالفضول . والاعتنان : الاعتراض . والعنن : المعترضون بالفضول ، الواحد عان وعنون ، قال : والعنن جمع العنين وجمع المعنون . يقال : عن الرجل وعنن وعنن وأعنن ، فهو عنين معنون معن معنن ، وأعننت بعنة ما أدري ما هي . أي : تعرضت لشيء لا أعرفه . وفي المثل : معرض لعنن لم يعنه . والعنن : اعتراض الموت ؛ وفي حديث سطيح :


                                                          أم فاز فازلم به شأو العنن

                                                          ورجل معن : يعرض في شيء ويدخل فيما لا يعنيه ، والأنثى بالهاء . ويقال : امرأة معنة إذا كانت مجدولة جدل العنان غير مسترخية البطن . ورجل معن إذا كان عريضا متيحا . وامرأة معنة : تعتن وتعترض في كل شيء ؛ قال الراجز :


                                                          إن لنا لكنه     معنة مفنه
                                                          كالريح حول القنه

                                                          مفنة : تفتن عن الشيء ، وقيل : تعتن وتفتن في كل شيء . والمعن : الخطيب . وفي حديث طهفة : برئنا إليك من الوثن والعنن .

                                                          الوثن : الصنم ، والعنن : الاعتراض ، من عن الشيء أي : اعترض كأنه قال : برئنا إليك من الشرك والظلم ، وقيل : أراد به الخلاف والباطل ؛ ومنه حديث سطيح :


                                                          أم فاز فازلم به شأو العنن

                                                          يريد اعتراض الموت وسبقه . وفي حديث علي رضوان الله عليه : دهمته المنية في عنن جماحه .

                                                          هو ما ليس بقصد .

                                                          ومنه حديثه أيضا يذم الدنيا : ألا وهي المتصدية العنون . أي : التي تتعرض للناس ، وفعول للمبالغة .

                                                          ويقال : عن الرجل يعن عنا وعننا إذا اعترض لك من أحد جانبيك من عن يمينك أو من عن شمالك بمكروه . والعن : المصدر ، والعنن : الاسم ، وهو الموضع الذي يعن فيه العان ؛ ومنه سمي العنان من اللجام عنانا ؛ لأنه يعترضه من ناحيتيه لا يدخل فمه منه شيء .

                                                          ولقيه عين عنة أي : اعتراضا في الساعة من غير أن يطلبه . وأعطاه ذلك عين عنة أي : خاصة من بين أصحابه ، وهو من ذلك . والعنان : المعانة . والمعانة : المعارضة . وعناناك أن تفعل ذاك ، على وزن قصاراك أي : جهدك وغايتك كأنه من المعانة ، وذلك أن تريد أمرا فيعرض دونه عارض يمنعك منه ويحبسك عنه ؛ قال ابن بري : قال الأخفش هو غناماك ، وأنكر على أبي عبيد عناناك . وقال النجيرمي : الصواب قول أبي عبيد . وقال علي بن حمزة : الصواب قول الأخفش ؛ والشاهد عليه بيت ربيعة بن مقروم الضبي :


                                                          وخصم يركب العوصاء طاط     عن المثلى غناماه القذاع

                                                          وهو بمعنى الغنيمة : والقذاع : المقاذعة . ويقال : هو لك بين الأوب والعنن إما أن يئوب إليك ، وإما أن يعرض عليك ؛ قال ابن مقبل :


                                                          تبدي صدودا وتخفي بيننا لطفا     يأتي محارم بين الأوب والعنن

                                                          وقيل : معناه بين الطاعة والعصيان . والعان من السحاب : الذي يعترض في الأفق ؛ قال الأزهري : وأما قوله :


                                                          جرى في عنان الشعريين الأماعز

                                                          فمعناه جرى في عراضهما سراب الأماعز حين يشتد الحر بالسراب ؛ وقال الهذلي :


                                                          كأن ملاءتي على هزف     يعن مع العشية للرئال

                                                          يعن : يعرض ، وهما لغتان : يعن ويعن . والتعنين : الحبس ، وقيل : الحبس في المطبق الطويل . ويقال للمجنون : معنون ومهروع ومخفوع ومعتوه وممتوه وممته إذا كان مجنونا . وفلان عنان عن الخير وخناس وكزام أي : بطيء عنه . والعنين : الذي لا يأتي النساء ولا يريدهن بين العنانة والعنينة والعنينية . وعنن عن امرأته إذا حكم القاضي عليه بذلك أو منع عنها بالسحر ، والاسم منه العنة ، وهو مما تقدم كأنه اعترضه ما يحبسه عن النساء ، وامرأة عنينة كذلك ، لا تريد الرجال ولا تشتهيهم ، وهو فعيل بمعنى مفعول مثل خريج ؛ قال : [ ص: 311 ] وسمي عنينا ؛ لأنه يعن ذكره لقبل المرأة من عن يمينه وشماله فلا يقصده . ويقال : تعنن الرجل إذا ترك النساء من غير أن يكون عنينا لثأر يطلبه ؛ ومنه قول ورقاء بن زهير بن جذيمة قاله في خالد بن جعفر بن كلاب :


                                                          تعننت للموت الذي هو واقع     وأدركت ثأري في نمير وعامر

                                                          ويقال للرجل الشريف العظيم السودد : إنه لطويل العنان . ويقال : إنه ليأخذ في كل فن وعن وسن بمعنى واحد . وعنان اللجام : السير الذي تمسك به الدابة ، والجمع أعنة ، وعنن نادر ، فأما سيبويه فقال : لم يكسر على غير أعنة ؛ لأنهم إن كسروه على بناء الأكثر لزمهم التضعيف وكانوا في هذا أحرى ؛ يريد إذ كانوا قد يقتصرون على أبنية أدنى العدد في غير المعتل ، يعني بالمعتل المدغم ، ولو كسروه على فعل فلزمهم التضعيف لأدغموا ، كما حكى هو أن من العرب من يقول في جمع ذباب ذب . وفرس قصير العنان إذا ذم بقصر عنقه ، فإذا قالوا قصير العذار فهو مدح ؛ لأنه وصف حينئذ بسعة جحفلته . وأعن اللجام : جعل له عنانا ، والتعنين مثله . وعنن الفرس وأعنه : حبسه بعنانه . وفي التهذيب : أعن الفارس إذا مد عنان دابته ليثنيه عن السير ، فهو معن . وعن دابته عنا : جعل له عنانا ، وسمي عنان اللجام عنانا لاعتراض سيريه على صفحتي عنق الدابة من عن يمينه وشماله . ويقال : ملأ فلان عنان دابته إذا أعداه وحمله على الحضر الشديد ؛ وأنشد ابن السكيت :


                                                          حرف بعيد من الحادي إذا ملأت     شمس النهار عنان الأبرق الصخب

                                                          قال : أراد بالأبرق الصخب الجندب ، وعنانه جهده . يقول : يرمض فيستغيث بالطيران فتقع رجلاه في جناحيه فتسمع لهما صوتا وليس صوته من فيه ؛ ولذلك يقال صر الجندب . وللعرب في العنان أمثال سائرة : يقال ذل عنان فلان إذا انقاد ؛ وفلان أبي العنان إذا كان ممتنعا ؛ ويقال : أرخ من عنانه أي : رفه عنه ؛ وهما يجريان في عنان إذا استويا في فضل أو غيره ؛ وقال الطرماح :


                                                          سيعلم كلهم أني مسن إذا     رفعوا عنانا عن عنان

                                                          المعنى : سيعلم الشعراء أني قارح . وجرى الفرس عنانا إذا جرى شوطا ؛ وقول الطرماح :


                                                          إذا رفعوا عنانا عن عنان

                                                          أي : شوطا بعد شوط . ويقال : اثن علي عنانه أي : رده علي . وثنيت على الفرس عنانه إذا ألجمته ؛ قال ابن مقبل يذكر فرسا :


                                                          وحاوطني حتى ثنيت عنانه     على مدبر العلباء ريان كاهله

                                                          حاوطني أي : داورني وعالجني ، ومدبر علبائه : عنقه ، أراد أنه طويل العنق في علبائه إدبار . ابن الأعرابي : رب جواد قد عثر في استنانه وكبا في عنانه وقصر في ميدانه .

                                                          وقال : الفرس يجري بعتقه وعرقه ، فإذا وضع في المقوس جرى بجد صاحبه ؛ كبا أي : عثر ، وهي الكبوة . يقال : لكل جواد كبوة ، ولكل عالم هفوة ، ولكل صارم نبوة ؛ كبا في عنانه أي : عثر في شوطه . والعنان : الحبل ؛ قالرؤبة :


                                                          إلى عناني ضامر لطيف

                                                          عنى بالعنانين هنا المتنين ، والضامر هنا المتن . وعنانا المتن : حبلاه . والعنان والعان : من صفة الحبال التي تعتن من صوبك وتقطع عليك طريقك . يقال : بموضع كذا وكذا عان يستن السابلة . ويقال للرجل : إنه طرف العنان إذا كان خفيفا . وعننت المرأة شعرها : شكلت بعضه ببعض . وشركة عنان وشرك عنان : شركة في شيء خاص دون سائر أموالهما كأنه عن لهما شيء أي : عرض فاشترياه واشتركا فيه ؛ قال النابغة الجعدي :


                                                          وشاركنا قريشا في تقاها     وفي أحسابها شرك العنان
                                                          بما ولدت نساء بني هلال     وما ولدت نساء بني أبان

                                                          وقيل : هو إذا اشتركا في مال مخصوص ، وبان كل واحد منهما بسائر ماله دون صاحبه . قال أبو منصور : الشركة شركتان : شركة العنان ، وشركة المفاوضة ، فأما شركة العنان فهو أن يخرج كل واحد من الشريكين دنانير أو دراهم مثل ما يخرج صاحبه ويخلطاها ، ويأذن كل واحد منهما لصاحبه بأن يتجر فيه ، ولم تختلف الفقهاء في جوازه وأنهما إن ربحا في المالين فبينهما ، وإن وضعا فعلى رأس مال كل واحد منهما ، وأما شركة المفاوضة فأن يشتركا في كل شيء في أيديهما أو يستفيداه من بعد ، وهذه الشركة عند الشافعي باطلة ، وعند النعمان وصاحبيه جائزة ، وقيل : هو أن يعارض الرجل الرجل عند الشراء فيقول له : أشركني معك ، وذلك قبل أن يستوجب العلق ، وقيل : شركة العنان أن يكونا سواء في الغلق وأن يتساوى الشريكان فيما أخرجاه من عين أو ورق ، مأخوذ من عنان الدابة ؛ لأن عنان الدابة طاقتان متساويتان ؛ قال الجعدي يمدح قومه ويفتخر :


                                                          وشاركنا قريشا في تقاها

                                                          . . . . . ( البيتان ) أي : ساويناهم ، ولو كان من الاعتراض لكان هجاء ، وسميت هذه الشركة شركة عنان لمعارضة كل واحد منهما صاحبه بمال مثل ماله ، وعمله فيه مثل عمله بيعا وشراء . يقال : عانه عنانا ومعانة ، كما يقال : عارضه يعارضه معارضة وعراضا . وفلان قصير العنان : قليل الخير ، على المثل . والعنة : الحظيرة من الخشب أو الشجر تجعل للإبل والغنم تحبس فيها ، وقيد في الصحاح فقال : لتتدرأ بها من برد الشمال .

                                                          قال ثعلب : العنة الحظيرة تكون على باب الرجل فيكون فيها إبله وغنمه . ومن كلامهم : لا يجتمع اثنان في عنة ، وجمعها عنن ؛ قال الأعشى :


                                                          ترى اللحم من ذابل قد ذوى     ورطب يرفع فوق العنن



                                                          وعنان أيضا : مثل قبة وقباب .

                                                          وقال البشتي : العنن في بيت الأعشى حبال تشد ويلقى عليها القديد . قال أبو منصور : الصواب في العنة [ ص: 312 ] والعنن ما قاله الخليل وهو الحظيرة وقال : ورأيت حظرات الإبل في البادية يسمونها عننا لاعتنانها في مهب الشمال معترضة لتقيها برد الشمال ، قال : ورأيتهم يشرون اللحم المقدد فوقها إذا أرادوا تجفيفه ؛ قال : ولست أدري عمن أخذ البشتي ما قال في العنة إنه الحبل الذي يمد ، ومد الحبل من فعل الحاضرة ، قال : وأرى قائله رأى فقراء الحرم يمدون الحبال بمنى فيلقون عليها لحوم الأضاحي والهدي التي يعطونها ، ففسر قول الأعشى بما رأى ، ولو شاهد العرب في باديتها لعلم أن العنة هي الحظار من الشجر . وفي المثل : كالمهدر في العنة ؛ يضرب مثلا لمن يتهدد ولا ينفذ . قال ابن بري : والعنة بالضم أيضا خيمة تجعل من ثمام أو أغصان شجر يستظل بها . والعنة : ما يجمعه الرجل من قصب ونبت ليعلفه غنمه . يقال : جاء بعنة عظيمة . والعنة بفتح العين : العطفة ؛ قال الشاعر :


                                                          إذا انصرفت من عنة بعد عنة     وجرس على آثارها كالمؤلب

                                                          والعنة : ما تنصب عليه القدر . وعنة القدر : الدقدان ؛ قال :


                                                          عفت غير أنآء ومنصب عنة     وأورق من تحت الخصاصة هامد

                                                          والعنون من الدواب : التي تباري في سيرها الدواب فتقدمها ، وذلك من حمر الوحش ؛ قال النابغة :


                                                          كأن الرحل شد به خنوف     من الجونات هادية عنون

                                                          ويروى : خذوف ، وهي السمينة من بقر الوحش . ويقال : فلان عنان على آنف القوم إذا كان سباقا لهم .

                                                          وفي حديث طهفة : وذو العنان الركوب . يريد الفرس الذلول ، نسبه إلى العنان والركوب ؛ لأنه يلجم ويركب . والعنان : سير اللجام . وفي حديث عبد الله بن مسعود : كان رجل في أرض له إذ مرت به عنانة ترهيأ .

                                                          العانة والعنانة : السحابة ، وجمعها عنان . وفي الحديث : لو بلغت خطيئته عنان السماء .

                                                          العنان بالفتح : السحاب ، ورواه بعضهم أعنان بالألف فإن كان المحفوظ أعنان فهي النواحي ؛ قاله أبو عبيد ؛ قال يونس بن حبيب : أعنان كل شيء نواحيه ، فأما الذي نحكيه نحن فأعناء السماء نواحيها ؛ قاله أبو عمرو وغيره . وفي الحديث : مرت به سحابة فقال : هل تدرون ما اسم هذه ؟ قالوا : هذه السحاب ، قال : والمزن ، قالوا : والمزن ، قال : والعنان ، قالوا : والعنان .

                                                          وقيل : العنان التي تمسك الماء ، وأعنان السماء نواحيها ، واحدها عنن وعن . وأعنان السماء : صفائحها وما اعترض من أقطارها كأنه جمع عنن . قال يونس : ليس لمنقوص البيان بهاء ولو حك بيافوخه أعنان السماء ، والعامة تقول : عنان السماء ، وقيل : عنان السماء ما عن لك منها إذا نظرت إليها أي : ما بدا لك منها . وأعنان الشجر : أطرافه ونواحيه . وعنان الدار : جانبها الذي يعن لك أي : يعرض . وأما ما جاء في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الإبل فقال : أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية ، ولا تدبر إلا مولية .

                                                          فإنه أراد أنها على أخلاق الشياطين ، وحقيقة الأعنان النواحي ؛ قال ابن الأثير : كأنه قال كأنها لكثرة آفاتها من نواحي الشياطين في أخلاقها وطبائعها . وفي حديث آخر : لا تصلوا في أعطان الإبل ؛ لأنها خلقت من أعنان الشياطين . وعننت الكتاب وأعننته لكذا أي : عرضته له وصرفته إليه . وعن الكتاب يعنه عنا وعننه : كعنونه ، وعنونته وعلونته بمعنى واحد ، مشتق من المعنى . وقال اللحياني : عننت الكتاب تعنينا وعنيته تعنية إذا عنونته ، أبدلوا من إحدى النونات ياء ، وسمي عنوانا ؛ لأنه يعن الكتاب من ناحيتيه ، وأصله عنان ، فلما كثرت النونات قلبت إحداها واوا ، ومن قال علوان الكتاب جعل النون لاما ؛ لأنه أخف وأظهر من النون . ويقال للرجل الذي يعرض ، ولا يصرح : قد جعل كذا وكذا عنوانا لحاجته ؛ وأنشد :


                                                          وتعرف في عنوانها بعض لحنها     وفي جوفها صمعاء تحكي الدواهيا

                                                          قال ابن بري : والعنوان الأثر ؛ قال سوار بن المضرب :


                                                          وحاجة دون أخرى قد سنحت     بها جعلتها للتي أخفيت عنوانا

                                                          قال : وكلما استدللت بشيء تظهره على غيره فهو عنوان له كما قال حسان بن ثابت يرثي عثمان رضي الله تعالى عنه :


                                                          ضحوا بأشمط عنوان السجود به     يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

                                                          قال الليث : العلوان لغة في العنوان غير جيدة ، والعنوان بالضم هي اللغة الفصيحة ؛ وقال أبو دواد الرواسي :


                                                          لمن طلل كعنوان الكتاب     ببطن أواق أو قرن الذهاب

                                                          قال ابن بري : ومثله لأبي الأسود الدؤلي :


                                                          نظرت إلى عنوانه فنبذته     كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا

                                                          وقد يكسر فيقال : عنوان وعنيان . واعتن ما عند القوم أي : أعلم خبرهم . وعنعنة تميم : إبدالهم العين من الهمزة كقولهم عن ، يريدون أن ؛ وأنشد يعقوب :


                                                          فلا تلهك الدنيا عن الدين واعتمل     لآخرة لا بد عن ستصيرها

                                                          وقال ذو الرمة :


                                                          أعن ترسمت من خرقاء منزلة     ماء الصبابة من عينيك مسجوم

                                                          أراد أأن ترسمت ؛ وقال جران العود :


                                                          فما أبن حتى قلن يا ليت عننا     تراب وعن الأرض بالناس تخسف

                                                          قال الفراء : لغة قريش ومن جاورهم أن ، وتميم وقيس وأسد ومن جاورهم يجعلون ألف أن إذا كانت مفتوحة عينا ، يقولون : أشهد عنك رسول الله ، فإذا كسروا رجعوا إلى الألف ؛ وفي حديث قيلة : تحسب عني نائمة .

                                                          أي : تحسب أني نائمة ؛ ومنه حديث حصين بن [ ص: 313 ] مشمت : أخبرنا فلان عن فلانا حدثه . أي : أن فلانا ؛ قال ابن الأثير : كأنهم يفعلونه لبحح في أصواتهم ، والعرب تقول : لأنك ولعنك ، تقول ذاك بمعنى لعلك . ابن الأعرابي : لعنك لبني تميم ، وبنو تيم الله بن ثعلبة يقولون : رعنك ، يريدون لعلك . ومن العرب من يقول : رعنك ولغنك بالغين المعجمة بمعنى لعلك والعرب تقول : كنا في عنة من الكلإ وفنة وثنة وعانكة من الكلإ واحد أي : كنا في كلاء كثير وخصب .

                                                          وعن : معناها ما عدا الشيء ، تقول : رميت عن القوس ؛ لأنه بها قذف سهمه عنها وعداها ، وأطعمته عن جوع ، جعل الجوع منصرفا به تاركا له وقد جاوزه ، وتقع من موقعها ، وهي تكون حرفا واسما بدليل قولهم من عنه ؛ قال القطامي :


                                                          فقلت للركب لما أن علا بهم     من عن يمين الحبيا نظرة قبل

                                                          قال : وإنما بنيت لمضارعتها للحرف ؛ وقد توضع عن موضع بعد كما قال الحارث بن عباد :


                                                          قربا مربط النعامة مني     لقحت حرب وائل عن حيال

                                                          أي : بعد حيال ؛ وقال امرؤ القيس :


                                                          وتضحي فتيت المسك فوق فراشها     نئوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

                                                          وربما وضعت موضع على كما قال ذو الإصبع العدواني :


                                                          لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب     عني ولا أنت دياني فتخزوني

                                                          قال النحويون : عن ساكنة النون حرف وضع لمعنى ما عداك وتراخى عنك . يقال : انصرف عني وتنح عني . وقال أبو زيد : العرب تزيد عنك ، يقال : خذ ذا عنك ، والمعنى : خذ ذا ، وعنك زيادة ؛ قال النابغة الجعدي يخاطب ليلى الأخيلية :


                                                          دعي عنك تشتام الرجال وأقبلي     على أذلعي يملأ استك فيشلا

                                                          أراد يملأ استك فيشله فخرج نصبا على التفسير ، ويجوز حذف النون من عن للشاعر كما يجوز له حذف نون من ، وكأن حذفه إنما هو لالتقاء الساكنين ، إلا أن حذف نون من في الشعر أكثر من حذف نون عن ؛ لأن دخول من في الكلام أكثر من دخول عن . وعني : بمعنى علي أي : لعلي قال القلاخ :


                                                          يا صاحبي عرجا قليلا     عنا نحيي الطلل المحيلا

                                                          وقال الأزهري في ترجمة عنا ، قال : قال المبرد : من وإلى ورب وفي والكاف الزائدة والباء الزائدة واللام الزائدة هي حروف الإضافة التي يضاف بها الأسماء والأفعال إلى ما بعدها ، قال : فأما ما وضعه النحويون نحو على وعن وقبل وبعد وبين وما كان مثل ذلك فإنما هي أسماء ؛ يقال : جئت من عنده ، ومن عليه ، ومن عن يساره ، ومن عن يمينه ؛ وأنشد بيت القطامي :


                                                          من عن يمين الحبيا نظرة قبل

                                                          قال : ومما يقع الفرق فيه بين من وعن أن من يضاف بها ما قرب من الأسماء ، وعن يوصل بها ما تراخى ، كقولك : سمعت من فلان حديثا ، وحدثنا عن فلان حديثا . وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده أي : من عباده . الأصمعي : حدثني فلان من فلان ، يريد عنه . ولهيت من فلان وعنه ، وقال الكسائي : لهيت عنه لا غير ، وقال : اله منه وعنه ، وقال : عنك جاء هذا ، يريد منك ؛ وقال ساعدة بن جؤية :


                                                          أفعنك لا برق كأن وميضه     غاب تسنمه ضرام موقد

                                                          قال : يريد أمنك برق ، ولا صلة ؛ روى جميع ذلك أبو عبيد عنهم ، قال : وقال ابن السكيت تكون عن بمعنى على ؛ وأنشد بيت ذي الإصبع العدواني :


                                                          لا أفضلت في حسب عني

                                                          قال : عني في معنى علي أي : لم تفضل في حسب علي ، قال : وقد جاء عن بمعنى بعد ؛ وأنشد :


                                                          ولقد شبت الحروب فما غم     مرت فيها إذ قلصت عن حيال

                                                          أي : قلصت بعد حيالها ؛ وقال في قول لبيد :


                                                          لورد تقلص الغيطان عنه     يبك مسافة الخمس الكمال

                                                          قال : قوله عنه أي : من أجله . والعرب تقول : سر عنك وانفذ عنك أي : امض وجز ، لا معنى لعنك . وفي حديث عمر رضي الله عنه : أنه طاف بالبيت مع يعلى بن أمية ، فلما انتهى إلى الركن الغربي الذي يلي الأسود قال له : ألا تستلم ؟ فقال له : انفذ عنك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلمه ؛ وفي الحديث : تفسيره أي : دعه . ويقال : جاءنا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فتخفض النون . ويقال : جاءنا من الخير ما أوجب الشكر فتفتح النون ؛ لأن عن كانت في الأصل عني ومن أصلها منا ، فدلت الفتحة على سقوط الألف كما دلت الكسرة في عن على سقوط الياء ؛ وأنشد بعضهم :


                                                          منا أن ذر قرن الشمس حتى     أغاث شريدهم ملث الظلام

                                                          وقال الزجاج : في إعراب من الوقف إلا أنها فتحت مع الأسماء التي تدخلها الألف واللام لالتقاء الساكنين كقولك من الناس ، النون من من ساكنة والنون من الناس ساكنة ، وكان في الأصل أن تكسر لالتقاء الساكنين ، ولكنها فتحت لثقل اجتماع كسرتين لو كان من الناس لثقل ذلك ، وأما إعراب عن الناس فلا يجوز فيه إلا الكسر ؛ لأن أول عن مفتوح ، قال : والقول ما قال الزجاج في الفرق بينهما .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية