الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 239 ] باب القود القود : القصاص . ولعله إنما سمي بذلك ; لأن المقتص منه في الغالب يقاد بشيء يربط فيه أو بيده إلى القتل ، فسمي القتل قودا لذلك ( 6647 ) مسألة : قال : ( ولو شق بطنه ، فأخرج حشوته ، فقطعها ، فأبانها منه ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالقاتل هو الأول . ولو شق بطنه ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالثاني هو القاتل ; لأن الأول لا يعيش مثله ، والثاني قد يعيش مثله ) وجملته أنه إذا جنى عليه اثنان جنايتين ، نظرنا ; فإن كانت الأولى أخرجته من حكم الحياة ، مثل قطع حشوته ، أي ما في بطنه ، وإبانتها منه ، أو ذبحه ، ثم ضرب عنقه الثاني فالأول هو القاتل ; لأنه لا يبقى مع جنايته حياة ، والقود عليه خاصة ، وعلى الثاني التعزير ، كما لو جنى على ميت .

                                                                                                                                            وإن عفا الولي إلى الدية ، فهي على الأول وحده . وإن كان جرح الأول يجوز بقاء الحياة معه ، مثل شق البطن من غير إبانة الحشوة ، أو قطع طرف ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالثاني هو القاتل ; لأنه لم يخرج الأول من حكم الحياة ، فيكون الثاني هو المفوت لها ، فعليه القصاص في النفس ، والدية كاملة وإن عفا عنه . ثم ننظر في جرح الأول ، فإن كان موجبا للقصاص ، كقطع الطرف ، فالولي مخير بين قطع طرفه والعفو عن ديته مطلقا ، وإن كان لا يوجب القصاص ، كالجائفة ونحوها ، فعليه الأرش . وإنما جعلنا عليه القصاص ; لأن فعل الثاني قطع سراية جراحه ، فصار كالمندمل الذي لا يسري . وهذا مذهب الشافعي ، ولا أعلم فيه مخالفا .

                                                                                                                                            ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة ، إلا أنه لا يخرج به من حكم الحياة ، وتبقى معه الحياة المستقرة ، مثل خرق المعى ، أو أم الدماغ ، فضرب الثاني عنقه ، فالقاتل هو الثاني ; لأنه فوت حياة مستقرة . وقيل : هو في حكم الحياة ، بدليل أن عمر ، لما جرح دخل عليه الطبيب فسقاه لبنا ، فخرج يصلد ، فعلم الطبيب أنه ميت ، فقال : اعهد إلى الناس . فعهد إليهم ، وأوصى ، وجعل الخلافة إلى أهل الشورى ، فقبل الصحابة عهده ، وأجمعوا على قبول وصاياه وعهده . فلما كان حكم الحياة باقيا ، كان الثاني مفوتا لها ، فكان هو القاتل ، كما لو قتل عليلا لا يرجى برء علته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية