الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منكرات الضيافة.

فمنها فرش الحرير للرجال فهو حرام وكذلك تبخير البخور في مجمرة فضة أو ذهب أو الشراب أو استعمال ماء الورد في أواني الفضة، أو ما رؤوسها من فضة ومنها إسدال الستور وعليها الصور.

ومنها سماع الأوتار أو سماع القينات .

ومنها اجتماع النساء على السطوح للنظر إلى الرجال مهما كان في الرجال شباب يخاف الفتنة منهم فكل ذلك محظور منكر يجب تغييره .

ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج ومن لم يجز له الجلوس فلا رخصة له في الجلوس في مشاهدة المنكرات .

وأما الصور التي على النمارق والزرابي المفروشة فليس منكرا وكذلك على الأطباق والقصاع لا الأواني المتخذة على شكل الصور فقد تكون رؤوس بعض المجامر على شكل طير فذلك حرام يجب كسر مقدار الصورة منه .

وفي المكحلة الصغيرة من الفضة خلاف وقد خرج أحمد بن حنبل عن الضيافة بسببها .

ومهما كان الطعام حراما أو كان الموضع مغصوبا، أو كانت الثياب المفروشة حراما فهو من أشد المنكرات، فإن كان من فيها من يتعاطى شرب الخمر وحده فلا يجوز الحضور إذ لا يحل حضور مجالس الشرب وإن كان مع ترك الشرب ولا يجوز مجالسة الفاسق في حالة مباشرته للفسق وإنما النظر في مجالسته بعد ذلك وأنه هل يجب بغضه في الله ومقاطعته كما ذكرناه في باب الحب والبغض في الله، وكذلك إن كان فيهم من يلبس الحرير أو خاتم الذهب، فهو فاسق لا يجوز الجلوس معه من غير ضرورة فإن كان الثوب على صبي غير بالغ فهذا في محل النظر .

والصحيح أن ذلك منكر ويجب نزعه عنه إن كان مميزا لعموم قوله عليه السلام : هذان حرام على ذكور أمتي وكما يجب منع الصبي من شرب الخمر لا لكونه مكلفا لكن لأنه يأنس به فإذا بلغ عسر عليه الصبر عنه فكذلك شهوة التزين بالحرير تغلب عليه إذا اعتاده فيكون ذلك بذرا للفساد يبذر في صدره فتنبت منه شجرة من الشهوة راسخة يعسر قلعها بعد البلوغ .

أما الصبي الذي لا يميز فيضعف ، معنى التحريم في حقه ولا يخلو عن احتمال، والعلم عند الله فيه والمجنون في معنى الصبي الذي لا يميز نعم يحل التزين بالذهب والحرير للنساء من غير إسراف .

ولا أرى رخصة في تثقيب أذن الصبية لأجل تعليق حلق الذهب فيها فإن هذا جرح مؤلم ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان والتزين بالحلق غير مهم بل في التقريط بتعليقه على الأذن وفي المخانق والأسورة كفاية عنه .

فهذا وإن كان معتادا فهو حرام والمنع منه واجب والاستئجار عليه غير صحيح والأجرة المأخوذة عليه حرام إلا أن يثبت من جهة النقل فيه رخصة ولم يبلغنا إلى الآن فيه رخصة .

ومنها أن يكون في الضيافة مبتدع يتكلم في بدعته فيجوز الحضور لمن يقدر على الرد عليه على عزم الرد فإن كان لا يقدر عليه لم يجز فإن كان المبتدع لا يتكلم ببدعته فيجوز الحضور مع إظهار الكراهة عليه والإعراض عنه كما ذكرناه في باب البغض في الله وإن كان فيها مضحك بالحكايات وأنواع النوادر فإن كان يضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور ، وعند الحضور يجب الإنكار عليه وإن كان ذلك بمزح لا كذب فيه ولا فحش فهو مباح أعني ما يقل منه فأما اتخاذه صنعة وعادة فليس بمباح .

وكل كذب لا يخفى أنه كذب ولا يقصد به التلبيس فليس من جملة المنكرات كقول الإنسان مثلا طلبتك اليوم مائة مرة وأعدت عليك الكلام ألف مرة ، وما يجري مجراه مما يعلم أنه ليس يقصد به التحقيق فذلك لا يقدح في العدالة ولا ترد الشهادة به .

وسيأتي حد المزاح المباح والكذب المباح في كتاب آفات اللسان من ربع المهلكات .

التالي السابق


(منكرات الضيافة)

(فمنها فرش الحرير للرجال فهو حرام) قال صاحب القوت: حدثت عن أحمد بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو بكر المروزي قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يدعى فيرى فرش ديباج أترى أن يقعد عليه أو يقعد في بيت آخر، قال: يخرج قد خرج أبو أيوب وحذيفة.

وقد روي عن ابن مسعود قلت: فترى أن يأمرهم قال: نعم، فيقول: هذا لا يجوز (وكذلك تبخير البخور في مجمرة فضة أو ذهب أو الشراب) منهما (أو استعمال ماء الورد) منهما (أو مما رأسه منهما وكذلك تعليق الستور وعليها الصور) قال صاحب القوت بسنده المذكور إلى أبي بكر المروزي قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يدعى إلى الوليمة من أي شيء يخرج فقال: خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأى البيت قد ستر، ودعي حذيفة فخرج، وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم، قلت: فإن لم يكن البيت مستورا، ورأى شيئا من فضة، فقال: ما كان يستعمل يعجبني أن يخرج قال قلت لأبي عبد الله فالرجل يدعى ويرى المكحلة رأسها مفضض، قال: هذا يستعمل فاخرج منه إنما رخص في الضبة أو نحوها فهو أسهل، قال وقلت لأبي عبد الله: إن رجلا دعا قوما فجيء بطست فضة أو إبريق فكسره، فأعجب أبا عبد الله كسره .

قال وقلت لأبي عبد الله: الرجل يدعى فيرى عليه التصاوير قال: لا ينظر إليه، قلت فقد نظرت إليه، قال: إن أمكنك خلعه خلعته، (ومنها سماع الأوتار أو سماع القينات) فإنه منكر مسقط لوجوب الدعوة (ومنها اجتماع النساء على السطوح) وفي الرواشن المشرفة على مقاعد الرجال (للنظر إلى الرجال مهما كان في الرجال من شباب يخاف الفتنة بينهم فكل ذلك محظور منكر يجب تغييره) بلسانه ثم بيده (ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج) عن ذلك المجلس (ولم يجز له الجلوس) فيه (فلا رخصة في الجلوس في مشاهدة المنكرات، وأما الصور) المنسوجة (على النمارق والزرابي المفروشة فليس منكرا وكذا على الأطباق والقصاع) وأواني الشرب (لا الأواني المتخذة على شكل الصور فقد تكون رؤوس بعض المجامر على شكل طير فذلك حرام يجب كسر مقدار [ ص: 61 ] الصورة منه وفي المكحلة الصغيرة من الفضة خلاف) بين العلماء (وقد خرج أحمد بن حنبل) رحمه الله تعالى (عن الضيافة بسببها) قال صاحب القوت: حدثت عن أحمد بن عبد الخالق حدثنا أبو بكر المروزي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: دعانا رجل من أصحابنا قبل المحنة، وكنا نختلف إلى عناق، فإذا مكحلة فضة فخرجت، فاتبعني جماعة فنزل بصاحب البيت أمر عظيم، (ومهما كان الطعام) المدعو إليه (حراما فهي من أشد المنكرات، فإن كان فيهم من يتعاطى شرب الخمر وحده فلا يجوز الحضور إذ لا يحل حضور مجالس الشرب) وإن كان (مع ترك الشرب) لأنه في حكم الراضي به، (ولا يجوز مجالسة الفاسق في حال مباشرته للفسق) اتفاقا (وإنما في مجالسته بعده) أي بعد صدور المباشرة منه (وإنه هل يجب بغضه في الله ومقاطعته كما ذكرناه في باب الحب والبغض في الله) فليطلب من هناك، (وكذلك إن كان فيهم من يلبس الحرير أو خاتم الذهب، فهو فاسق لا يجوز الجلوس معه من غير ضرورة) داعية (فإن كان الثوب على صبي غير بالغ فهذا في محل النظر، والصحيح أن ذلك منكر يجب إخراجه منه) ونزعه (إن كان) الصبي (مميزا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: هذان) يعني الحرير والذهب (حرامان على ذكور أمتي) حل لإناثها .

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي، وقد تقدم في الباب الرابع من آداب الأكل .

(وكما يجب منع الصبي من شرب الخمر لا لكونه مكلفا ولكن لأنه يأنس به) ويألفه ويعتاد عليه، (فإذا بلغ عسر عليه الصبر عنه) لأنه يصير طبيعة له فلا يكاد يفارقه، (فكذلك شهوة التزين بالحرير تغلب عليه إذا اعتاده فيكون ذلك بذرا للفساد يبذره في صدره فتنبت من شجرة من الشهوة راسخة يعسر قلعها بعد البلوغ) ، وكذلك سائر المنهيات ينبغي أن يجنب عنها الصبيان نظرا للضراوة والاعتياد (أما الصبي الذي لا يميز، فيصعب معنى التحريم فيه) أي في حقه (ولا يخلو عن احتمال، والعلم فيه عند الله تعالى) ، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه المنع مطلقا سواء كان مميزا أو لا، (والمجنون في معنى الصبي الذي لا يميز) أي فيضعف معنى التحريم فيه، (نعم يحل التزين بالذهب والحرير للنساء من غير إسراف) بل الاقتصار على القدر المحتاج إليه (ولا أرى رخصة في تثقيب أذن الصبية لأجل حلق الذهب) ولا تثقيب الأنف لأجله كما يفعله أهل الحجاز (فإن هذا جرح مؤلم ومثله موجب للقصاص فلا يجوز) التثقيب (إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان) والخفاض (والتزين بالحلق غير مهم) في الشرع (بل في التقريط بتعليقه على الأذن) من فوق (وفي المخانق) وهي القلائد التي تعلق في العنق (وفي الإسورة كفاية عنه فهذا وإن كان معتادا) في النساء، (فهو حرام والمنع منه واجب والاستئجار عليه غير صحيح والأجرة المأخوذة عليه حرام إلا أن يثبت من جهة النقل فيه رخصة ولم يبلغنا إلى الآن فيه رخصة) والمشهور أن السيدة سارة أم إسحاق عليه السلام لما غضبت على هاجر أم إسماعيل عليه السلام حلفت لتقطعن من أطرافها، فثقبت أذنها وأنفها وخفضتها لأجل اليمين فبقي ذلك سنة، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فهذا وجه الرخصة، (ومنها أن يكون في الضيافة مبتدع يتكلم في بدعته) ويحمل الناس عليها، (فيجوز الحضور لمن يقدر على الرد عليه على عزم الرد فإن كان لا يقدر عليه) أي على الرد عليه لضعفه في الاحتجاج (لم يجز) الحضور (وإن كان المبتدع لا يتكلم ببدعته فيجوز الحضور مع إظهار الكراهة عليه والإعراض عنه كما ذكرناه في باب البغض في الله، وإن كان فيها مضحك) يأتي [ ص: 62 ] (بالحكايات في أنواع النوادر) بحسب المناسبات (فإن كان يضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور، وعند الحضور يجب الإنكار) عليه (وإن كان ذلك بمزح لا كذب فيه ولا فحش فهو مباح أعني ما يقل منه) ويندر، (فأما اتخاذه صنعة وعادة فليس بمباح، وكل كذب لا يخفى أنه كذب ولا يقصد منه التلبيس) على الناس، (فليس من جملة المنكرات كقول الإنسان مثلا قد طلبتك اليوم مائة مرة وأعدت الكلام عليك ألف مرة، وما يجري مجراه مما يعلم إنه ليس يقصد به التحقيق) وإنما هو من باب المبالغة الجارية على الألسن، (فذلك لا يقدح في العدالة ولا ترد الشهادة به وسيأتي حد المزاح المباح والكذب المباح في كتاب آفات اللسان من ربع المهلكات) إن شاء الله تعالىز




الخدمات العلمية