الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ فرقنا بكم البحر : بيان لسبب التنجية؛ وتصوير لكيفيتها؛ إثر تذكيرها؛ وبيان عظمها وهولها؛ وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى؛ هي الإنجاء من الغرق؛ أي: "واذكروا إذ فلقناه بسلوككم؛ أو ملتبسا بكم - كقوله (تعالى): تنبت بالدهن -؛ أو بسبب إنجائكم؛ وفصلنا بين بعضه وبعض؛ حتى حصلت مسالك"؛ وقرئ: [ ص: 101 ] بالتشديد؛ للتكثير؛ لأن المسالك كانت اثني عشر؛ بعدد الأسباط.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنجيناكم : أي: من الغرق؛ بإخراجكم إلى الساحل؛ كما يلوح به العدول إلى صيغة الإفعال؛ بعد إيراد التخليص من فرعون بصيغة التفعيل؛ وكذا قوله (تعالى): وأغرقنا آل فرعون ؛ أريد فرعون وقومه؛ وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم؛ وقيل: شخصه؛ كما روي أن الحسن - رضي الله عنه - كان يقول: "اللهم صل على آل محمد"؛ أي: شخصه؛ واستغني بذكره عن ذكر قومه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنتم تنظرون ؛ ذلك؛ أو غرقهم؛ وإطباق البحر عليهم؛ أو انفلاق البحر عن طرق يابسة مذللة؛ أو جثثهم التي قذفها البحر إلى الساحل؛ أو ينظر بعضكم بعضا؛ روي أنه (تعالى) أمر موسى - عليه السلام - أن يسري ببني إسرائيل؛ فخرج بهم؛ فصبحهم فرعون وجنوده؛ وصادفوهم على شاطئ البحر؛ فأوحى الله (تعالى) إليه أن اضرب بعصاك البحر؛ فضربه بها فظهر فيه اثنا عشر طريقا يابسا؛ فسلكوها؛ فقالوا: نخاف أن يغرق بعض أصحابنا؛ فلا نعلم؛ ففتح الله (تعالى) فيها كوى؛ فتراءوا؛ وتسامعوا؛ حتى عبروا البحر؛ فلما وصل إليه فرعون فرآه منفلقا اقتحمه هو وجنوده؛ فغشيهم ما غشيهم. واعلم أن هذه الواقعة - كما أنها لموسى معجزة عظيمة؛ تخر لها أطم الجبال؛ ونعمة عظيمة لأوائل بني إسرائيل؛ موجبة عليهم شكرها؛ كذلك اقتصاصها على ما هي عليه - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معجزة جليلة تطمئن بها القلوب الأبية؛ وتنقاد لها النفوس الغبية؛ موجبة لأعقابهم أن يتلقوها بالإذعان؛ فلا تأثرت أوائلهم بمشاهدتها ورؤيتها؛ ولا تذكرت أواخرهم بتذكيرها وروايتها؛ فيا لها من عصابة ما أعصاها! وطائفة ما أطغاها!

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية