الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الكلام في : استصحاب الحال

استصحاب الحال ضربان : أحدهما : استحباب حال العقل .

والثاني : استصحاب حال الإجماع .


فأما استصحاب حال العقل فهو : الرجوع إلى براءة الذمة في الأصل ، وذلك طريق يفزع المجتهد إليه عند عدم أدلة الشرع ، مثاله : أن يسأل شافعي عن الوتر فيقول : ليس بواجب ، فإذا طولب بدليل يقول : لأن طريق وجوبه الشرع ، وقد طلبت الدليل الموجب من جهة الشرع فلم أجد ، فوجب أن لا يكون واجبا ، وأن تكون ذمته بريئة منه كما كانت قبل ، فإن قال السائل : ما تنكر أن يكون الدليل موجودا ، وأنت مخطئ في الطلب ، وتارك للدليل الموجب ، قال له : لا يجب علي أكثر من الطلب ، وإذا لم أجد لزمني تبقيه الذمة على البراءة كما كانت .

وهذا كلام صحيح ليس يلزمه الانتقال عن استصحاب الحال إلا بدليل شرعي ينقله عنه ، فإن وجد دليلا من أدلة الشرع انتقل عنه سواء كان ذلك الدليل نطقا أو مفهوم نص أو ظاهرا ، لأن هذه الحال إنما استصحبها لعدم دليل شرعي ، فأي دليل ظهر من جهة الشرع حرم عليه استصحاب الحال بعده .

[ ص: 527 ] والضرب الثاني : استصحاب حال الإجماع ، مثل أن يقول الشافعي ، في المتيمم إذا رأى الماء في أثناء صلاته أنه يمضي فيها ، لأنهم أجمعوا قبل رؤية الماء على انعقاد صلاته ، فيجب أن يستصحب هذه الحال ، بعد رؤية الماء ، حتى يقوم دليل ينتقل عنه لأجله .

وقد اختلف أهل العلم في هذا : فمنهم من قال هو دليل كما أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث ، أو تيقن الحدث ثم شك في الطهارة ، أو تيقن النكاح وشك في الطلاق ، أو تيقن الملك وشك في العتق ، أن اليقين لا يزول بالشك ، ويكون حكم السابق مستداما في حال الشك فكذلك هاهنا .

ومنهم من قال : ليس بدليل ، لأن الدليل هو الإجماع ، والإجماع إنما حصل قبل رؤية الماء ، فإذا رأى الماء ، فقد زال الإجماع فلا يجوز أن يستصحب حكم الإجماع ، في موضع الخلاف من غير علة تجمع بينهما .

[ ص: 528 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية