الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عوج ]

                                                          عوج : العوج : الانعطاف فيما كان قائما فمال كالرمح والحائط ؛ والرمح وكل ما كان قائما يقال فيه العوج - بالفتح - ويقال : شجرتك فيها عوج شديد . قال الأزهري : وهذا لا يجوز فيه وفي أمثاله إلا العوج . والعوج - بالتحريك : مصدر قولك عوج الشيء - بالكسر - فهو أعوج ، والاسم العوج - بكسر العين . وعاج يعوج إذا عطف . والعوج في الأرض : أن لا تستوي . وفي التنزيل : لا ترى فيها عوجا ولا أمتا قال ابن الأثير : قد تكرر ذكر العوج في الحديث اسما وفعلا ومصدرا وفاعلا ومفعولا ، وهو - بفتح العين - مختص بكل شخص مرئي كالأجسام - وبالكسر - بما ليس بمرئي كالرأي والقول ، وقيل : الكسر يقال فيهما معا ، والأول أكثر ؛ ومنه الحديث : حتى تقيم به الملة العوجاء ؛ يعني ملة إبراهيم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - التي غيرتها العرب عن استقامتها . والعوج - بكسر العين - في الدين ، تقول : في دينه عوج ؛ وفيما كان التعويج يكثر مثل الأرض والمعاش ، ومثل قولك : عجت إليه أعوج عياجا وعوجا ؛ وأنشد :


                                                          قفا نسأل منازل آل ليلى متى عوج إليها وانثناء



                                                          وفي التنزيل : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما قال الفراء : معناه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ، وفيه تأخير أريد به التقديم . وعوج الطريق وعوجه : زيغه . وعوج الدين والخلق : فساده وميله على المثل ، والفعل من كل ذلك عوج عوجا وعوجا واعوج وانعاج ، وهو أعوج ، لكل مرئي ، والأنثى عوجاء ، والجماعة عوج . الأصمعي : يقال هذا شيء معوج ، وقد اعوج اعوجاجا ، على افعل افعلالا ، ولا يقال : معوج على مفعل إلا لعود أو شيء يركب فيه العاج . قال الأزهري : وغيره يجيز عوجت الشيء تعويجا فتعوج إذا حنيته وهو ضد قومته ، فأما إذا انحنى من ذاته ، فيقال : اعوج اعوجاجا . يقال : عصا معوجة ، ولا تقل معوجة - بكسر الميم - ويقال : عجته فانعاج أي : عطفته فانعطف ؛ ومنه قول رؤبة :


                                                          وانعاج عودي كالشظيف الأخشن



                                                          وعاج الشيء عوجا وعياجا ، وعوجه : عطفه . ويقال : نخيل عوج إذا مالت ؛ قال لبيد يصف عيرا وأتنه وسوقه إياها :


                                                          إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها     وأوردها على عوج طوال



                                                          فقال بعضهم : معناه أوردها على نخيل نابتة على الماء قد مالت فاعوجت لكثرة حملها ؛ كما قال في صفة النخل :


                                                          غلب سواجد لم يدخل بها الحصر



                                                          وقيل : معنى قوله وأوردها على عوج طوال أي : على قوائمها العوج ، ولذلك قيل للخيل عوج ؛ وقوله - تعالى - : يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له قال الزجاج : المعنى لا عوج لهم عن دعائه ، ولا يقدرون أن لا يتبعوه ؛ وقيل : أي : يتبعون صوت الداعي للحشر لا عوج له ، يقول : لا عوج للمدعوين عن الداعي ، فجاز أن يقول له لأن المذهب إلى الداعي وصوته ، وهو كما تقول : دعوتني دعوة لا عوج لك منها أي : لا أعوج لك ولا عنك ؛ قال : وكل قائم يكون العوج فيه خلقة ، فهو عوج ؛ وأنشد ابن الأعرابي للبيد في مثله :


                                                          في نابه عوج يخالف شدقه



                                                          ويقال لقوائم الدابة : عوج ، ويستحب ذلك فيها ؛ قال ابن سيده : والعوج القوائم ، صفة غالبة ، وخيل عوج : مجنبة ، وهو منه . وأعوج : فرس سابق ركب صغيرا فاعوجت قوائمه ، والأعوجية منسوبة إليه . قال الأزهري : والخيل الأعوجية منسوبة إلى فحل كان يقال له أعوج ، يقال : هذا الحصان من بنات أعوج ؛ وفي حديث أم زرع : ركب أعوجيا أي : فرسا منسوبا إلى أعوج ، وهو فحل كريم تنسب الخيل الكرام إليه ؛ وأما قوله :


                                                          أحوى من العوج وقاح الحافر



                                                          فإنه أراد من ولد أعوج وكسر أعوج تكسير الصفات لأن أصله الصفة . وأعوج أيضا : فرس عدي بن أيوب ؛ قال الجوهري : أعوج اسم فرس كان لبني هلال تنسب إليه الأعوجيات وبنات أعوج ؛ قال أبو عبيدة : كان أعوج لكندة ، فأخذته بنو سليم في بعض أيامهم فصار إلى بني هلال ، وليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلا منه ؛ وقال الأصمعي في كتاب الفرس : أعوج كان لبني آكل المرار ثم صار لبني هلال بن عامر . والعوج : عطف رأس البعير بالزمام أو الخطام ؛ تقول : عجت رأسه أعوجه عوجا . قال : والمرأة تعوج رأسها إلى ضجيعها . وعاج عنقه عوجا : عطفه ؛ قال ذو الرمة يصف جواري قد عجن إليه رءوسهن يوم ظعنهن :


                                                          حتى إذا عجن من أعناقهن لنا     عوج الأخشة أعناق العناجيج



                                                          أراد بالعناجيج جياد الركاب هاهنا ، واحدها عنجوج . ويقال لجياد الخيل : عناجيج أيضا ، ويقال : عجته فانعاج لي : عطفته فانعطف لي . وعاج بالمكان وعليه عوجا وعوج وتعوج : عطف . وعجت بالمكان أعوج أي : أقمت به ؛ وفي حديث إسماعيل - عليه السلام : هل أنتم عائجون ؟ أي : مقيمون ؛ يقال عاج بالمكان وعوج أي : أقام . وقيل : عاج به أي : عطف عليه ومال وألم به ومر عليه . وعجت غيري بالمكان أعوجه يتعدى ، ولا يتعدى ؛ ومنه حديث أبي ذر : ثم عاج رأسه إلى المرأة فأمرها بطعام أي : أماله إليها والتفت نحوها . وامرأة عوجاء إذا كان لها ولد تعوج إليه لترضعه ؛ ومنه قول الشاعر :


                                                          إذا المرغث العوجاء بات     يعزها على ثديها ذو دغتين لهوج



                                                          [ ص: 324 ] وانعاج عليه أي : انعطف . والعائج : الواقف ؛ وقال :


                                                          عجنا على ربع سلمى أي تعويج



                                                          وضع التعويج موضع العوج إذا كان معناهما واحدا . وعاج ناقته وعوجها فانعاجت وتعوجت : عطفها ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          عوجوا علي وعوجوا صحبي     عوجا ولا كتعوج النحب



                                                          ( عوجا ) متعلق بعوجوا لا بعوجوا ؛ يقول : عوجوا مشاركين لا متفاذين متكارهين ، كما يتكاره صاحب النحب على قضائه . وما له على أصحابه تعويج ولا تعريج أي : إقامة . ويقال : عاج فلان فرسه إذا عطف رأسه ؛ ومنه قول لبيد :


                                                          فعاجوا عليه من سواهم ضمر



                                                          ويقال : ناقة عوجاء إذا عجفت فاعوج ظهرها . وناقة عائجة : لينة الانعطاف ؛ وعاج مذعان لا نظير لها في سقوط الهاء كانت فعلا أو فاعلا ذهبت عينه ؛ قال الأزهري ؛ ومنه قول الشاعر :


                                                          تقدى بي الموماة عاج كأنها



                                                          والعوجاء : الضامرة من الإبل ؛ قال طرفة :


                                                          بعوجاء مرقال تروح وتغتدي



                                                          وقول ذي الرمة :


                                                          عهدنا بها لو تسعف العوج بالهوى     رقاق الثنايا واضحات المعاصم



                                                          قيل في تفسيره : العوج الأيام ، ويمكن أن يكون من هذا لأنها تعوج وتعطف . وما عجت من كلامه بشيء أي : ما باليت ولا انتفعت ، وقد ذكر عجت في الياء . والعاج : أنياب الفيلة ، ولا يسمى غير الناب عاجا . والعواج : بائع العاج ؛ حكاه سيبويه . وفي الصحاح : والعاج عظم الفيل ، الواحدة عاجة ، ويقال لصاحب العاج : عواج . وقال شمر : يقال للمسك : عاج ؛ قال : وأنشدني ابن الأعرابي :


                                                          وفي العاج والحناء كف بنانها     كشحم القنا لم يعطها الزند قادح



                                                          أراد بشحم القنا دواب يقال لها : الحلك ، ويقال لها : بنات النقا ، يشبه بها بنان الجواري للينها ونعمتها . قال الأزهري : والدليل على صحة ما قال شمر في العاج إنه المسك ما جاء في حديث مرفوع : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لثوبان : اشتر لفاطمة سوارين من عاج ؛ لم يرد بالعاج ما يخرط من أنياب الفيلة لأن أنيابها ميتة ، وإنما العاج الذبل ، وهو ظهر السلحفاة البحرية . وفي الحديث : أنه كان له مشط من العاج ؛ العاج : الذبل ، وقيل : شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية ؛ فأما العاج الذي هو للفيل فنجس عند الشافعي وطاهر عند أبي حنيفة ؛ قال ابن شميل : المسك من الذبل ومن العاج كهيئة السوار تجعله المرأة في يديها فذلك المسك ، قال : والذبل القرن ، فإذا كان من عاج ، فهو مسك وعاج ووقف ، فإذا كان من ذبل ، فهو مسك لا غير ؛ وقال الهذلي :


                                                          فجاءت كخاصي العير لم تحل عاجة     ولا جاجة منها تلوح على وشم



                                                          فالعاجة : الذبلة : والجاجة : خرزة لا تساوي فلسا . وعاج عاج : زجر للناقة ، ينون على التنكير ، ويكسر غير منون على التعريف ؛ قال الأزهري : يقال للناقة في الزجر : عاج ، بلا تنوين ، فإن شئت جزمت ، على توهم الوقوف . يقال : عجعجت بالناقة إذا قلت لها : عاج عاج ؛ قال أبو عبيد : ويقال للناقة عاج وجاه ، بالتنوين ؛ قال الشاعر :


                                                          كأني لم أزجر بعاج نجيبة     ولم ألق عن شحط خليلا مصافيا


                                                          قال الأزهري : قال أبو الهيثم فيما قرأت بخطه : كل صوت تزجر به الإبل فإنه يخرج مجزوما ، إلا أن يقع في قافية فيحرك إلى الخفض ، تقول في زجر البعير : حل حوب ، وفي زجر السبع : هج هج ، وجه جه ، وجاه جاه ؛ قال : فإذا حكيت ذلك قلت للبعير : حوب أو حوب ، وقلت للناقة : حل أو حل ؛ وأنشد :


                                                          أقول للناقة قولي للجمل     أقول حوب ثم أثنيها بحل



                                                          فخفض حوب ونونه عند الحاجة إلى تنوينه ؛ وقال آخر :


                                                          قلت لها حل فلم تحلحل



                                                          وقال آخر :


                                                          وجمل قلت له جاه جاه     يا ويله من جمل ما أشقاه



                                                          وقال آخر :


                                                          سفرت فقلت لها هج فتبرقعت



                                                          وقال شمر : قال زيد بن كثوة من أمثالهم : الأيام عوج رواجع ، يقال ذلك عند الشماتة ، يقولها المشموت به أو تقال عنه ، وقد تقال عند الوعيد والتهدد ؛ قال الأزهري : عوج هاهنا جمع أعوج ويكون جمعا لعوجاء ، كما يقال أصور وصور ، ويجوز أن يكون جمع عائج فكأنه قال : عوج على فعل ، فخففه كما قال الأخطل :


                                                          فهم بالبذل لا بخل ولا جود



                                                          أراد لا بخل ولا جود ؛ وقول بعض السعديين أنشد يعقوب :


                                                          يا دار سلمى بين ذات العوج



                                                          يجوز أن يكون موضعا ، ويجوز أن يكون عنى جمع حقف أعوج أو رملة عوجاء . وعوج : اسم رجل ؛ قال الليث : عوج بن عوق رجل ذكر من عظم خلقه شناعة ، وذكر أنه كان ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى - عليه الصلاة والسلام - وأنه هلك على عدان موسى - صلوات الله على نبينا وعليه - وذكر أن عوج بن عوق كان يكون مع فراعنة مصر ، ويقال : كان صاحب الصخرة أراد أن يلحقها على عسكر - موسى عليه السلام - وهو الذي قتله موسى - صلوات الله على نبينا وعليه - . والعوجاء : اسم امرأة . والعوجاء : أحد أجبل طيئ سمي به لأن هذه المرأة صلبت عليه ، ولها حديث ؛ قال عمرو بن جوين الطائي ، وبعضهم يرويه لامرئ القيس :


                                                          إذا أجأ تلفعت بشعابها     علي وأمست بالعماء مكلله



                                                          [ ص: 325 ]

                                                          وأصبحت العوجاء يهتز جيدها     كجيد عروس أصبحت متبذله



                                                          وقوله أنشده ثعلب :


                                                          إن تأتني وقد ملأت أعوجا     أرسل فيها بازلا سفنجا



                                                          قال : أعوج هنا اسم حوض . والعوجاء : القوس . ورجل أعوج بين العوج أي : سيء الخلق . ابن الأعرابي : فلان ما يعوج عن شيء أي : ما يرجع عنه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية