الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القول في : حكم الأشياء قبل الشرع

اختلف أهل العلم في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع : فمنهم من قال : هي على الحظر ، فلا يحل الانتفاع بها ولا التصرف فيها ، ومنهم من قال : هي على الإباحة ، فمن رأى شيئا جاز له تناوله وتملكه ، ومنهم من قال : إنها على الوقف لا يقضى فيها بحظر ولا إباحة .

فأما من قال هي على الحظر ، فاحتج : بأن جميع المخلوقات ملك لله عز وجل ، لأنه خلقها وأنشأها ، ولا يجوز الانتفاع بملك الغير من غير إذنه ، والذي يدل على ذلك أن أملاك الآدميين لا يجوز لأحد منهم أن ينتفع بملك غيره إلا بإذنه ، فكذلك ملك الله لا يجوز لأحد أن ينتفع به بغير إذنه .

واحتج من قال هي على الإباحة : بأن الله تعالى خلقها وأوجدها ، فلا يخلو من أن يكون خلقها لغرض أو لغير غرض ، فلا يجوز أن يكون لغير غرض ، لأنه يكون عبثا والله لا يجوز أن يكون عابثا في أفعاله ، فوجب أن يكون خلقها لغرض ، ولا يخلو من أن يكون ليضر [ ص: 529 ] بها أو لينفع ، فلا يجوز أن يكون ليضر بها ، لأنه حكيم لا يبتدي بالضرر ، فوجب أن يكون للنفع ، ولا يخلو من أن يكون لنفع نفسه أو لنفع عباده ، فلا يجوز أن يكون لنفع نفسه ، لأنه غني غير محتاج إلى الانتفاع فوجب أن يكون خلقها لينفع بها عباده ، ووجب أن يكون تصرفهم فيها مباحا ، وأن يكون خلقها آذنا لهم في الانتفاع بها .

وأما من قال إنها على الوقف ، وهو القول الصحيح فاحتج بقول الله تعالى : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) ، فأوقع جل ذكره اللائمة على المحلل منهم والمحرم لها ، وسوى بينهما في تحليل ما لم يأذن الله فيه ، وتحريم ما لم ينه الله عنه ، فوجب بذلك المساواة بين الزاعمين ، أنها في الأصل على الإباحة ، وبين القائلين أنها في الأصل على التحريم ؛ ولهذا قال الربيع بن خثيم ما :

التالي السابق


الخدمات العلمية