الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل قال ( ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر ثم صار خلا يساوي عشرة فهو رهن بعشرة ) ; لأن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن ، إذ المحلية بالمالية فيهما ، والخمر وإن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء حتى إن من اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض يبقى العقد إلا أنه يتخير في البيع لتغير وصف المبيع بمنزلة ما إذا [ ص: 197 ] تعيبا

[ ص: 196 ]

التالي السابق


[ ص: 196 ] فصل )

هذا الفصل بمنزلة المسائل المتفرقة المذكورة في أواخر الكتب ، فلذلك أخره استدراكا لما فات فيما سبق ( قوله : لأن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن ; إذ المحلية بالمالية فيهما ، والخمر وإن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء ) أقول : لقائل أن يقول [ ص: 197 ] لو كان مدار مسألتنا المذكورة على هذا القدر من التعليل لما ظهر فائدة قوله ثم صار خلا في وضع المسألة ، بل كان يكفي أن يقال : ومن رهن عصيرا بعشرة فتخمر فهو رهن بعشرة لكفاية التعليل المذكور بعينه في إثبات هذا المعنى العام فتأمل

[ ص: 198 ] قال صاحب العناية : ولقائل أن يقول : ما يرجع إلى المحل فالابتداء والبقاء فيه سواء ، فما بال هذا تخلف عن ذلك الأصل ؟ قال : ويمكن أن يجاب عنه بأنه كذلك فيما يكون المحل باقيا ، وهاهنا يتبدل المحل حكما بتبدل الوصف فلذلك تخلف عن ذلك الأصل انتهى

أقول : في الجواب بحث ; إذ لقائل أن يعود ويقول : لو كان يتبدل المحل ها هنا بتبدل الوصف كان ينبغي أن يبطل العقد فيما إذا اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض ; إذ على تقدير تبدل المحل يلزم أن يكون المبيع هالكا قبل القبض في هاتيك الصورة ، وقد قالوا في المسألة الآتية : إن البيع ينتقض بالهلاك قبل القبض ، وإن المنتقض لا يعود ، مع أنه ذكر في الكتاب أن من اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض يبقى العقد إلا أنه يتخير في البيع

فإن قيل : هذا التبدل ليس بتبدل حقيقي بل هو تبدل حكمي كما صرح به صاحب العناية ، والذي يستلزم كون البيع هالكا إنما هو التبدل الحقيقي دون الحكمي

قلنا : فلقائل أن يقول : ما بال هذا التبدل الحكمي كان له تأثير في التخلف عن ذلك الأصل المقرر ، ولم يكن له تأثير في كون المبيع هالكا ، وما الفارق بينهما

وبالجملة للكلام مجال في كل حال

وأورد بعض الفضلاء على الجواب المزبور بوجه آخر حيث قال : فيه بحث ; لأن مآل ما ذكره أن يكون السالب لقابلية المحلية وهو تبدل وصف العصيرية إلى الخمرية مصححا لها

وقال والأولى أن يجاب بأن الخمر قابل لحكم البيع وهو الملك ابتداء وبقاء ، كما إذا كان لمسلم عصير فتخمر فإنه لا يخرج به عن ملكه ، فإذا مات ورثه قريبه المسلم فيثبت له الملك ابتداء وبقاء ، والعقود شرعت لأحكامها ، وإنما لم يكن محلا للعقد ابتداء للنهي عن الاقتراب والاغترار ، [ ص: 199 ] ولا يوجد ذلك في البقاء فليتأمل انتهى ، إلى هنا كلامه

أقول : جوابه الذي عده أولى ليس بشيء ; لأن مورد السؤال الذي ذكره صاحب العناية بقوله ولقائل أن يقول إلخ إنما هو قولهم في تعليل هذه المسألة : إن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن ، والخمر إن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء حيث ورد عليه أن ما يرجع إلى المحل فالابتداء والبقاء فيه سواء ، فما معنى كون الخمر محلا للبيع في البقاء دون الابتداء

ولا شك أن القول بأن الخمر قابل لحكم البيع وهو الملك ابتداء وبقاء لا يدفع السؤال المزبور المورد على قولهم في التعليل المذكور : إن الخمر إن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء ، بل يكون مآله تغيير تعليلهم المذكور ، إلى أن يقال : إن ما يكون حكما للبيع يكون حكما للرهن ، والخمر قابل لحكم البيع ابتداء وبقاء فكذا في الرهن ، وهذا مع كونه عدولا عن تعليلهم المرضي عندهم ليس بصحيح في نفسه ; إذ لا ريب أن ما يكون حكما للبيع ، وهو ملك العين لا يكون حكما للرهن

فإن حكم الرهن إنما هو ثبوت يد الاستيفاء والحبس للمرتهن لا غير كما تقرر فيما مر




الخدمات العلمية