الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 329 ] 582 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن

3708 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا أحمد بن الحجاج المروزي ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا محمد بن سوقة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية ، فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا مقامي هذا فيكم ، فقال : استوصوا بأصحابي خيرا ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب ، حتى إن الرجل ليبدأ بالشهادة قبل أن يسألها ، وباليمين قبل أن يسألها ، فمن أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ولا يخلون أحدكم بامرأة ; فإن الشيطان ثالثهما ، ومن سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن . هكذا حدثنا محمد بن علي هذا الحديث ، فقال فيه : بحبوحة الجنة . قال : وقال عبد الله ، وقال غيره - كأنه يعني غير محمد بن سوقة - : بحبحة الجنة .

[ ص: 330 ]

3709 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان بمصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا محمد بن سوقة ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : بحبحة الجنة .

3710 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن المختار ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ساءته سيئته ، وسرته حسنته فهو مؤمن .

[ ص: 331 ] قال أبو جعفر : هكذا روى حماد هذا الحديث ، عن عبد الله بن المختار ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن الزبير ، لم يذكر فيه بينهما أحدا .

وقد رواه أبو عوانة كذلك أيضا .

3711 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، ثم ذكر مثله ، إلا أنه قال : استوصوا بأصحابي .

ورواه أيضا كذلك قزعة بن سويد الباهلي .

3712 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، قال : سمعت عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : خطبنا عمر بن الخطاب ، ثم ذكر مثله .

ورواه أيضا كذلك معمر بن راشد .

3713 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن رافع ، [ ص: 332 ] عن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام بالجابية خطيبا ، ثم ذكر مثله .

ورواه كذلك أيضا يونس بن أبي إسحاق ، عن عبد الملك بن عمير .

3714 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم ، وإبراهيم بن الحسن ، قالا : حدثنا حجاج - وهو ابن محمد - ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عمر ، ثم ذكر مثله .

ورواه أيضا كذلك الحسين بن واقد ، عن عبد الملك بن عمير ، وزاد فيه سماع عبد الملك إياه من عبد الله بن الزبير .

3715 - كما حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، قال : حدثنا [ ص: 333 ] عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، ثم ذكر مثله سواء .

وقد رواه أيضا شيبان النحوي ، عن عبد الملك بن عمير ، فأدخل بينه وبين ابن الزبير رجلا لم يسمه .

3716 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا شيبان وهو النحوي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رجل سمع عبد الله بن الزبير ، قال : خطب عمر بن الخطاب بالشام ، ثم ذكر مثله .

غير أنا وجدنا هذا الحديث من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الملك بن عمير بتسمية الرجل الذي بينه وبين ابن الزبير في هذا الحديث ، وأنه مجاهد .

3717 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الحميد بن موسى ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الزبير ، [ ص: 334 ] عن عمر بن الخطاب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : يا أيها الناس ، من أراد بحبحة الجنة ، فليلزم الجماعة ; فإن الشيطان مع الفرد ، وهو من الاثنين أبعد ... ولم يذكر بقية الحديث .

فاحتمل أن يكون الذي كان عند عبد الملك ، عن مجاهد ، عن أبي الزبير ، عن عمر هو ما في الحديث خاصة ، وما عنده من بقية هذا الحديث ، عن مجاهد ، أو عن غيره ، عن ابن الزبير ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك .

ثم وجدنا إسرائيل بن يونس قد روى هذا الحديث عن عبد الملك عن جابر بن سمرة ، لا عن عبد الله بن الزبير .

3718 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، قال : حدثنا جابر بن سمرة ، قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية ، فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم اليوم ، فقال : أحسنوا إلى أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة لا يسألها ، وحتى يحلف الرجل على اليمين لا يستحلف ، فمن سره بحبحة الجنة فليلزم الجماعة ; فإن الشيطان مع الفذ ، وهو من الاثنين أبعد ، لا يخلون رجل بامرأة ; فإن الشيطان ثالثهما ، فمن [ ص: 335 ] سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن .

ورواه كذلك أيضا جرير بن حازم عن عبد الملك .

3719 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ( ح ) ، وكما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا حبان بن هلال ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، قال : حدثنا جابر بن سمرة قال : خطبنا عمر رضي الله عنه ، فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

ثم وجدنا أبا المحياة يحيى بن يعلى التيمي قد روى هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر .

[ ص: 336 ]

3720 - كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر ، قال : خطبنا عمر رضي الله عنه ، ثم ذكر هذا الحديث .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث لنقف على ما فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : من سرته حسنته وساءته سيئته ، فهو مؤمن إن شاء الله ، فكان قوله : من سرته حسنته محتملا أن يكون : من سرته حسنته ; إذ كان يرجو قبول الله عز وجل إياها منه ، وقوله : من ساءته سيئته ; إذ كان يخاف عقوبة الله عز وجل إياه عليها إيمانا ; لأن من رجا من الله عز وجل مثل الذي رجاه ، وخاف منه مثل الذي خافه على الأحوال المحمودة التي وصف الله عز وجل بها أهل الحمد من خلقه بقوله : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه . ومن كان كذلك في الرجاء من الله والخوف منه كان مؤمنا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية