الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب نظر المصلي إلى سجوده والنهي عن رفع البصر في الصلاة

                                                                                                                                            677 - ( عن ابن سيرين { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية : { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فطأطأ رأسه . } رواه أحمد في كتاب الناسخ والمنسوخ وسعيد بن منصور في سننه بنحوه وزاد فيه : { وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه . } وهو حديث مرسل ) .

                                                                                                                                            678 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم } . رواه أحمد ومسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            679 - ( وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن أو لتخطفن أبصارهم } . رواه الجماعة إلا مسلما والترمذي ) .

                                                                                                                                            680 - ( وعن عبد الله بن الزبير قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته } . رواه أحمد والنسائي وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن سيرين مرسل كما قال المصنف لأنه تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجاله ثقات . وأخرجه البيهقي موصولا وقال : المرسل هو المحفوظ . وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة بلفظ { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } فطأطأ رأسه : } قال : وإنه على شرط [ ص: 221 ] الشيخين . وحديث ابن الزبير أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه ، وأصله في مسلم دون قوله ولم يجاوز بصره إشارته . قوله : ( كان يقلب بصره . . . إلخ ) لعل ذلك كان عند إرادته صلى الله عليه وسلم تحويل القبلة كما وصفه الله تعالى في كتابه بقوله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } . قوله : ( أن لا يجاوز بصره مصلاه ) فيه دليل على استحباب النظر إلى المصلى وترك مجاوزة البصر له . قوله : ( لينتهين أقوام ) بتشديد النون وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بمكروه بل إن رأى أو سمع ما يكره عمم " كما قال : { ما بال أقوام يشترطون شروطا لينتهين أقوام عن كذا }

                                                                                                                                            قوله : ( يرفعون أبصارهم ) قال ابن المنير : نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات أو رفع بصر إلى السماء كان ذلك من إصلاح صلاته . وقال ابن بطال : فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة . وقال الشافعي والكوفيون : يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع . ويدل عليه ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت { كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد موضع جبينه ، فتوفي أبو بكر فكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ، فكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا } . لكن في إسناده موسى بن عبد الله بن أبي أمية لم يخرج له من أهل الكتب الستة غير ابن ماجه

                                                                                                                                            قوله : ( أو لتخطفن ) بضم الفوقية وفتح الفاء على البناء للمفعول يعني لا يخلو الحال من أحد الأمرين إما الانتهاء وإما العمى ، وهو وعيد عظيم وتهديد شديد ، وإطلاقه يقضي بأنه لا فرق بين أن يكون عند الدعاء أو عند غيره ، إذا كان ذلك في الصلاة كما وقع به التقييد . والعلة في ذلك أنه إذا رفع بصره إلى السماء خرج عن سمت القبلة وأعرض عنها وعن هيئة الصلاة . والظاهر أن رفع البصر إلى السماء حال الصلاة حرام لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرم ، والمشهور عند الشافعية أنه مكروه ، وبالغ ابن حزم فقال : تبطل الصلاة به . وقيل : المعنى في ذلك أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلي كما في حديث أسيد بن حضير في فضائل القرآن ، وأشار إلى ذلك الداودي ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين . قوله : ( فاشتد قوله في ذلك ) إما بتكرير هذا القول أو غيره مما يفيد المبالغة في الزجر

                                                                                                                                            قوله : ( لينتهن ) في رواية أبي داود " لينتهين " وهو جواب قسم محذوف . وفيه روايتان للبخاري فالأكثرون بفتح أوله وضم الهاء وحذف الياء المثناة وتشديد النون على البناء للفاعل ، والثانية بضم الياء وسكون النون وفتح الفوقية والهاء والياء التحتية وتشديد النون للتأكيد على البناء للمفعول [ ص: 222 ] قوله : ( وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى . . . إلخ ) سيأتي الكلام على هذه الهيئة . قوله : ( ولم يجاوز بصره إشارته ) فيه أنه يستحب للمصلي حال التشهد أن لا يرفع بصره إلى ما يجاوز الأصبع التي يشير بها .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية