الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عيف ]

                                                          عيف : عاف الشيء يعافه عيفا وعيافة وعيافا وعيفانا : كرهه فلم يشربه طعاما أو شرابا . قال ابن سيده : قد غلب على كراهية الطعام ، فهو عائف ؛ قال أنس بن مدركة الخثعمي :


                                                          إني وقتلي كليبا ثم أعقله كالثور يضرب لما عافت البقر



                                                          وذلك أن البقر إذا امتنعت من شروعها في الماء لا تضرب لأنها ذات لبن ، وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب . قال ابن سيده : وقيل العياف المصدر والعيافة الاسم ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          كالثور يضرب أن تعاف نعاجه     وجب العياف ضربت أو لم تضرب



                                                          ورجل عيوف وعيفان : عائف ، واستعاره النجاشي للكلاب فقال يهجو ابن مقبل :


                                                          تعاف الكلاب الضاريات لحومهم     وتأكل من كعب بن عوف ونهشل



                                                          وقوله :


                                                          فإن تعافوا العدل والإيمانا     فإن في أيماننا نيرانا



                                                          فإنه يعني بالنيران سيوفا أي : فإنا نضربكم بسيوفنا ، فاكتفى بذكر السيوف عن ذكر الضرب بها . والعائف : الكاره للشيء المتقذر له ؛ ومنه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم : أنه أتي بضب مشوي فلم يأكله ، وقال : إني لأعافه لأنه ليس من طعام قومي أي : أكرهه . وعاف الماء : تركه وهو عطشان . والعيوف من الإبل : الذي يشم الماء ، وقيل : الذي يشمه وهو صاف فيدعه وهو عطشان . وأعاف القوم إعافة : عافت إبلهم الماء فلم تشربه . وفي حديث ابن عباس وذكره إبراهيم - صلى الله على نبينا وعليه وسلم - وإسكانه ابنه إسماعيل وأمه مكة وأن الله - عز وجل - فجر لهما زمزم قال : فمرت رفقة من جرهم فرأوا طائرا واقعا على جبل فقالوا : إن هذا الطائر لعائف على ماء ؛ قال أبو عبيدة : العائف هنا هو الذي يتردد على الماء ويحوم ولا يمضي . قال ابن الأثير : وفي حديث أم إسماعيل - عليه السلام : ورأوا طيرا عائفا على الماء أي : حائما ليجد فرصة فيشرب . وعافت الطير إذا كانت تحوم على الماء وعلى الجيف تعيف عيفا وتتردد ولا تمضي تريد الوقوع ، فهي عائفة ، والاسم العيفة . أبو عمرو : يقال عافت الطير إذا استدارت على شيء تعوف أشد العوف . قال الأزهري وغيره : يقال عافت تعيف ؛ وقال الطرماح :


                                                          ويصبح لي من بطن نسر مقيله     دوين السماء في نسور عوائف



                                                          وهي التي تعيف على القتلى وتتردد . قال ابن سيده : وعاف الطائر عيفانا حام في السماء ، وعاف عيفا حام حول الماء وغيره ؛ قال أبو زبيد :


                                                          كأن أوب مساحي القوم فوقهم     طير تعيف على جون مزاحيف



                                                          والاسم العيفة ، شبه اختلاف المساحي فوق رءوس الحفارين بأجنحة الطير ، وأراد بالجون المزاحيف إبلا قد أزحفت فالطير تحوم عليها . والعائف : المتكهن . وفي حديث ابن سيرين : أن شريحا كان عائفا ؛ أراد أنه كان صادق الحدس والظن كما يقال للذي يصيب بظنه : ما هو إلا كاهن ، وللبليغ في قوله : ما هو إلا ساحر ، لا أنه كان يفعل فعل الجاهلية في العيافة . وعاف الطائر وغيره من السوانح يعيفه عيافة : زجره ، وهو أن يعتبر بأسمائها ومساقطها وأصواتها ؛ قال ابن سيده : [ ص: 355 ] أصل عفت الطير فعلت عيفت ، ثم نقل من فعل إلى فعل ، ثم قلبت الياء في فعلت ألفا فصار عافت فالتقى ساكنان : العين المعتلة ولام الفعل ، فحذفت العين لالتقائهما فصار التقدير عفت ، ثم نقلت الكسرة إلى الفاء لأن أصلها قبل القلب فعلت ، فصار عفت ، فهذه مراجعة أصل إلا أن ذلك الأصل الأقرب لا الأبعد ، ألا ترى أن أول أحوال هذه العين في صيغة المثال إنما هو فتحة العين التي أبدلت منها الكسرة ؟ وكذلك القول في أشباه هذا من ذوات الياء ؛ قال سيبويه : حملوه على فعالة كراهية الفعول ، وقد تكون العيافة بالحدس وإن لم تر شيئا ؛ قال الأزهري : العيافة زجر الطير وهو أن يرى طائرا أو غرابا فيتطير وإن لم ير شيئا فقال بالحدس كان عيافة أيضا ، وقد عاف الطير يعيفه ؛ قال الأعشى :


                                                          ما تعيف اليوم في الطير الروح     من غراب البين أو تيس برح



                                                          والعائف : الذي يعيف الطير فيزجرها وهي العيافة . وفي الحديث : العيافة والطرق من الجبت ؛ العيافة : زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها ، وهو من عادة العرب كثيرا وهو كثير في أشعارهم . يقال : عاف يعيف عيفا إذا زجر وحدس وظن ، وبنو أسد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها ، قيل عنهم : إن قوما من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم فقالوا : ضلت لنا ناقة فلو أرسلتم معنا من يعيف ، فقالوا لغليم منهم : انطلق معهم ! فاستردفه أحدهم ثم ساروا ، فلقيهم عقاب كاسرة أحد جناحيها ، فاقشعر الغلام وبكى فقالوا : ما لك ؟ فقال : كسرت جناحا ، ورفعت جناحا ، وحلفت بالله صراحا : ما أنت بإنسي ولا تبغي لقاحا . وفي الحديث : أن عبد الله بن عبد المطلب أبا النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة تنظر وتعتاف فدعته إلى أن يستبضع منها فأبى . وقال شمر : عياف والطريدة لعبتان لصبيان الأعراب ؛ وقد ذكر الطرماح جواري شببن عن هذه اللعب فقال :


                                                          قضت من عياف والطريدة حاجة     فهن إلى لهو الحديث خضوع



                                                          وروى إسماعيل بن قيس قال : سمعت المغيرة بن شعبة يقول : لا تحرم العيفة ، قلنا : وما العيفة ؟ قال : المرأة تلد فيحصر لبنها في ثديها فترضعه جارتها المرة والمرتين ؛ قال أبو عبيد : لا نعرف العيفة في الرضاع ولكن نراها العفة ، وهي بقية اللبن في الضرع بعدما يمتك أكثر ما فيه ؛ قال الأزهري : والذي هو أصح عندي أنه العيفة لا العفة ، ومعناه أن جارتها ترضعها المرة والمرتين ليتفتح ما انسد من مخارج اللبن ، سمي عيفة لأنها تعافه أي : تقذره وتكرهه . وأبو العيوف : رجل ؛ قال :


                                                          وكان أبو العيوف أخا وجارا     وذا رحم فقلت له نقاضا



                                                          وابن العيف العبدي : من شعرائهم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية