الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في الكلام على من تجب عليه ومن لا تجب عليه فقال فصل ( إنما تجب الصلاة على كل مسلم ) ولو فيما مضى كما سيأتي ذكره أو غيره ، فلا تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة [ ص: 388 ] بها في الدنيا لعدم صحتها منه وإن وجبت عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة كما تقرر في الأصول لتمكنه من فعلها بالإسلام ( بالغ ) فلا تجب على صغير لعدم تكليفه ( عاقل ) فلا تجب على مجنون لما ذكر ، ولو خلق أعمى أصم أخرس فهو غير مكلف كمن لم تبلغه الدعوة ( طاهر ) فلا تجب على حائض أو نفساء لعدم صحتها منهما ، فمن توفرت فيه هذه الشروط وجبت عليه الصلاة إجماعا .

                                                                                                                            لا يقال : إن حمل عدم الوجوب على أضداد من ذكره على عدم الإثم بالترك وعدم الطلب في الدنيا ورد الكافر أو على الأول ورد أيضا أو على الثاني ورد الصبي . [ ص: 389 ] لأنا نقول بمنعه ، إذ الوجوب حيث أطلق إنما ينصرف لمدلوله الشرعي وهو هنا كذلك ثبوتا وانتفاء غاية ما فيه أن في الكافر تفصيلا والقاعدة أن المفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد فبطل الإيراد على أن دعواه عدم إثم الكافر مبنية على عدم مخاطبته بالفروع ( ولا قضاء على الكافر ) إذا أسلم كغيرها من العبادات ترغيبا له في الإسلام ولقوله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ولأنه لو طلب منه قضاء عبادات زمن كفره وجوبا أو ندبا لكان سببا لتنفيره عن الإسلام لكثرة المشقة فيه خصوصا إذا مضى غالب عمره في الكفر ، فلو قضاها لم تنعقد [ ص: 390 ] ولو أسلم أثيب على ما فعله من القرب التي لا تحتاج إلى نية كصدقة وصلة وعتق قاله في المجموع ( إلا المرتد ) بالجر كما قاله الشارح أي على البدل على مذهب البصريين من أن الأرجح في مثله الاتباع فاقتصاره عليه لكونه الأرجح ، وإلا فيجوز نصبه على الاستثناء أيضا فيلزمه قضاء ما فاته فيها بعد إسلامه تغليظا عليه ، ولأنه التزمها بالإسلام فلا تسقط عنه بالجحود كحق الآدمي ، ولأنه اعتقد وجوبها وقدر على التسبب إلى أدائها فهو كالمحدث .

                                                                                                                            نعم لا تقضي المرتدة زمن الحيض ونحوه ، بخلاف زمن الجنون ، والفرق أن الحائض مخاطبة بترك الصلاة في زمن الحيض فهي مؤدية ما أمرت به ، والمجنون ليس مخاطبا بترك الصلاة في زمن جنونه حتى يقال إنه أدى ما أمر به ، وما وقع في المجموع من قضاء الحائض المرتدة زمن الجنون سبق قلم ( و ) لا على ( الصبي ) الشامل للصبية بعد بلوغه لما مر

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            فصل : إنما تجب الصلاة

                                                                                                                            ( قوله : فصل ) إن قلت التعبير بالفصل لا وجه له لعدم اندراجه تحت باب المواقيت . قلت : يمكن الجواب بأن المواقيت لما لم تكن معرفتها مطلوبة لذاتها بل ليعرف بها وجوب الصلاة على المكلف عند دخولها نزلت معرفة وجوب الصلاة منزلة المسائل المندرجة تحت المواقيت ، على أنه ينبغي تقدير باب المواقيت عقب كتاب الصلاة وبه عبر في المحرر ، فالتعبير بالفصل في محله ، أو أنه عبر بالفصل عن الباب على خلاف الغالب ( قوله : إنما تجب الصلاة ) أي السابقة ا هـ حج .

                                                                                                                            قال سم عليه : أي فأل للعهد ( قوله على كل ) أشار بلفظ كل إلى عموم مسلم لأنه بدونها مطلق محتمل لإرادة الماهية في ضمن بعض الأفراد ( قوله : ولو فيما مضى ) هذا مجاز يحتاج في تناول اللفظ له إلى قرينة ا هـ سم على منهج . قلت : يمكن جعل القرينة قوله فيما يأتي فلا قضاء على كافر أصلي فإنه يخرج المرتد من عدم وجوب القضاء ، وهذا جواب عن المنهج لتقييده الكافر بالأصلي ، وأما الجواب عن الشارح فإن القرينة التي بنى عليها التعميم هي قول المصنف إلا المرتد ( قوله : فلا تجب على كافر إلخ ) ينبغي أن المراد لا يطالب منا وإلا [ ص: 388 ] فهو مطالب شرعا ، إذ لو لم يطالب كذلك فلا معنى للعقاب عليها سم على حج ( قوله : وجوب عقاب عليها ) كسائر الفروع المجمع عليها كما هو ظاهر في الآخرة إلخ حج .

                                                                                                                            وقوله المجمع عليها : أي كالصلاة والزكاة وحرمة الزنا ، بخلاف المختلف فيه كشرب ما لا يسكر من النبيذ والبيع بالتعاطي فلا يعاقب عليه ( قوله : فلا تجب على صغير إلخ ) لا يقال : لا حاجة إلى ذكر هذه المحترزات فإنها تأتي في قول المصنف ولا قضاء على الكافر إلخ .

                                                                                                                            لأنا نقول : ما يأتي في القضاء وعدمه وما هنا في عدم الوجوب وهما مختلفان ( قوله : لما ذكر ) هو قوله لعدم تكليفه ( قوله : ولو خلق أعمى أصم أخرس ) مفهومه أنه لو خلق أعمى أصم ناطقا كان مكلفا ، ولعله غير مراد لأن النطق بمجرده لا يكون طريقا لمعرفة الأحكام الشرعية ، بخلاف البصر والسمع فلعل التقييد به لأنه لازم للصمم الخلقي فليراجع ، وخرج بقوله خلق إلخ ما لو طرأ عليه ذلك بعد التمييز ، فإن كان عرف الأحكام قبل طرو ذلك عليه وجب عليه العمل بمقتضى عدمه بحسب الإمكان فيحرك لسانه ولهاته بالقراءة بحسب الإمكان ، وإذا لم يعرف أوقات الصلوات اجتهد فيها ، فإذا أداه اجتهاده إلى شيء فعل به وإلا وجب عليه القضاء لاستقرارها في ذمته بعدم أدائها في الوقت وقولنا لهاته .

                                                                                                                            قال في المصباح : اللهاة اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى الفم والجمع لهى ولهيات مثل حصاة وحصى وحصيات ولهوات أيضا على الأصل ( قوله : فهو غير مكلف ) أي فلا يأثم بالترك ( قوله : لم تبلغه الدعوة ) لكن لوأسلم من لم تبلغه الدعوة وجب عليه القضاء ، بخلاف من خلق أعمى أصم فإنه إن زال مانعه لا قضاء عليه لعدم تكليفه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقد يتوقف في وجوب القضاء على من لم تبلغه الدعوة فإنه باق على كفره ، غايته أنه غير مهدر كما سيأتي في كتاب الديات ، وتكليفه كتكليف غيره من الكفار بفروع الشريعة ، فأي فرق بينه وبين اليهودي أو النصراني ؟ وقد يفرق بينهما على بعد ، فإن الأعمى الأصم إلخ ليس فيه أهلية الخطاب ، بخلاف من لم تبلغه الدعوة .

                                                                                                                            وقد يفرق بين من لم تبلغه الدعوة وبين غيره من الكفار بأن العلة التي لأجلها أسقطت الصلاة عن الكافر وهي النفرة عن الإسلام منتفية في حق من لم تبلغه الدعوة .

                                                                                                                            وذلك أن الكافر الأصلي كان عنده عناد زال بالإسلام ، وربما عاد بالأمر بالقضاء فينفر عن الإسلام .

                                                                                                                            وأما من لم تبلغه الدعوة فليس عنده عناد يعود بالأمر بالقضاء فينفر عن الإسلام بسببه ، والمانع له عن الإسلام ليس هو العناد كالكافر الأصلي ، بل المانع له هو الجهل بالدعوة فنزل منزلة مسلم نشأ بعيدا عن العلماء ( قوله وعدم الطلب في الدنيا ) أي مجموعهما وهو الطلب في الدنيا والإثم في الآخرة ، وقوله ورد الكافر : أي لأنهما لم يجتمعا فيه ( قوله أو على الأول ) أي عدم الإثم إلخ وقوله [ ص: 389 ] وعلى الثاني : أي عدم الطلب إلخ ( قوله : لأنا نقول بمنعه ) أي الورود ( قوله : لمدلوله الشرعي ) وهو الطلب في الدنيا والإثم في الآخرة ( قوله غاية ما فيه أن في الكافر تفصيلا ) أي وهو أنه تارة يجب عليه القضاء وتارة لا يجب ، فباعتبار وجوب القضاء وعدمه جعله قسمين : الأصلي قسم ، والمرتد قسم وإن كانا مستويين في الوجوب عليهما بناء على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، وبهذا يجاب عما اعترضه به سم على حج حيث قال : وقوله تفصيلا يتأمل ما المراد بذلك التفصيل ؟ فإنه إن أراد به التفصيل بين المرتد وغيره ففيه أمران : أحدهما أنه أدخل المرتد في المسلم حيث قال ولو فيما مضى إلخ فلا يدخل حينئذ في أضداد من ذكر .

                                                                                                                            والثاني أن الوجوب بمدلوله الشرعي وهو الطلب طلبا جازما ثابت في حق المرتد وغيره من الكفار ضرورة أن الجميع مكلفون بفروع الشريعة .

                                                                                                                            وأما المطالبة منا لهم بذلك أو عدمها فأمر آخر خارج عن معنى الوجوب ، وإن أراد التفصيل بين العقاب والمطالبة في الدنيا بمعنى أن الأول ثابت في حق الكافر دون الثاني ، ففيه أن كلا منهما خارج عن مدلول الوجوب شرعا الثابت في حق الكافر لما تقرر ، وإن أريد التفصيل في الإثم لم يصح لأنه إثم مطلقا دائما ( قوله : على أن دعواه عدم إثم إلخ ) يتأمل ما ذكر فإن المعترض لم يدع عدم إثم الكافر بل قوله أو على الأول ورد أيضا إلخ صريح في أنه قائل بإثمه ، وفي قوله على أنه إلخ إشارة إلى حاصل ما قاله سم على حج ( قوله : فلو قضاها إلخ ) أي عالما وعامدا وإلا وقعت له نفلا مطلقا .

                                                                                                                            [ فرع ] لنا شخص مسلم بالغ عاقل قادر لا يؤمر بالصلاة إذا تركها ، وصورته : أن يشتبه صغيران مسلم وكافر ثم يبلغا ويستمر الاشتباه ، فإن المسلم منهما بالغ عاقل قادر ولا يؤمر لأنه لم يعلم عينه م ر ا هـ سم على منهج . قلت : فلو أسلما أو أحدهما فهل يجب عليه قضاء ما فاته من البلوغ إلى الإسلام لاحتمال كونه مسلما في الأصل أو لا لعدم تحقق إسلامه ؟ فيه نظر ، والظاهر عدم الوجوب أخذا مما قالوه فيما لو شك بعد خروج وقت الصلاة هل هي عليه أو لا من عدم وجوب القضاء للشك في استجماع شروطها بل هذا فرد من ذاك ، إلا أن يقال : محله فيمن شك إذا استمر شكه ، فإن زال تبينا الوجوب عليه وهذا منه ، والأول أقرب لأنا لم نتبين عين المسلم منهما في الأصل وإنما حكمنا بإسلامهم من وقت التلفظ بالشهادتين ، وغايته أنا نحكم الآن بإسلامهما مع اعتقادنا أن أحدهما كان كافرا قبل ، وينبغي أن يسن لهما القضاء ، وبقي ما لو ماتا هل يصلى عليهما أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يصلي عليهما ويعلق النية سواء ماتا معه أو مرتبا ، ويفرق بين ذلك وبين صغر المماليك حيث قلنا بعدم صحة الصلاة عليهم بتحقق إسلام أحدهما وذلك يوجب الصلاة عليه ولكنه لما لم يتعين أشبه ما لو اختلط مسلم بكافر ( قوله : لم تنعقد ) خلافا للجلال السيوطي فإنه قال بانعقادها كالصوم والزكاة سم على حج .

                                                                                                                            ونقل سم عن [ ص: 390 ] الشارح أن قضاءه لا يطلب وجوبا ولا ندبا لأنه ينفر ، والأصل فيما لم يطلب أن لا ينعقد ا هـ .

                                                                                                                            لكن قد يشكل ذلك بانعقادها من الحائض إذا قضت فإن الفعل غير مطلوب منها للكراهة .

                                                                                                                            وقد يفرق بينهما بأن الحائض لما كانت من أهل العبادة في الجملة صح منها القضاء ، بخلاف الكافر فإنه ليس من أهل العبادة أصلا كما تقدم في باب الحيض هذا وانظر حكم الصوم والزكاة هل يصح قضاؤهما أو لا ، فإن قال بالصحة التي قال بها السيوطي احتيج للفرق بينهما وبين الصلاة .

                                                                                                                            وقد يقال في الفرق بين الصلاة والزكاة إن المقصود من الزكاة مواساة الفقراء ونحوهم وتعلق حقهم بالمال وبحولان الحول فالتحقت بحقوق الآدميين التي لا تسقط بالإسلام فاعتد بدفعها منه بعد الإسلام لأربابها قوله بالمال وبحولان الحول : أي كليهما ، والمراد بالمال النصاب ، وذلك لأن الأشياء إنما تتعلق بأسبابها وشروطها والنصاب سبب ، وحولان الحول شرط فيما يتعلق به وجوب الزكاة ( قوله : ولو أسلم أثيب إلخ ) مفهومه أنه لو لم يسلم لا يثاب على شيء منها في الآخرة ، ولكن يجوز أن الله يعوضه عنها في الدنيا مالا أو ولدا وغيرهما ، وقوله على ما فعله : أي في الكفر ( قوله : إلا المرتد ) . [ فرع ] لو انتقل النصراني إلى التهود مثلا ثم أسلم فالظاهر أنه لا قضاء في مدة التهود أيضا بر بخطه ا هـ سم على منهج ، وما ذكره يفيده قصر الاستثناء على المرتد فإن الاستثناء معيار العموم ، وأيضا فتعليلهم للقضاء على المرتد بأنه التزمها بالإسلام إلخ يفيد نفي القضاء عن المتنقل المذكور ( قوله : من أن الأرجح ) وهو منقول عن خط المصنف ا هـ حج ( قوله : ونحوه ) وهو النفاس ( قوله : بخلاف زمن الجنون ) أي الخالي من الحيض ونحوه ( قوله : ما أمرت به ) أي وهو الترك ، والمراد بالتأدية فعله وبالترك كف النفس لا عدم الفعل ، إذ العدم المحض لا يكون مناطا للتكليف أصلا ( قوله : سبق قلم ) يمكن حمله على أن المراد بالحائض البالغ كما في حديث { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } فإنه يدل على أن المراد بالحائض البالغ ، أو أن المراد بقضاء الحائض زمن الجنون : أي في غير زمن الحيض والنفاس ا هـ كذا بهامش .

                                                                                                                            أقول : وكلا الجوابين بعيد ( قوله لما مر ) أي من عدم تكليفه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 387 ] قوله : وجوب مطالبة ) أي منا وإلا ، فهو مطالب من جهة الشرع ولهذا عوقب [ ص: 388 ] قوله : ورد الكافر ) أي ; لأنه أثم بالترك فوروده هنا بالنظر للشق الأول ( قوله : ورد غيره ) قال الشهاب ابن حجر : هو سهو والصواب ورد الصبي انتهى : أي ; لأنها مطلوبة منه ولو بواسطة وليه ، قال سم : بخلاف المجنون ، والحائض والنفساء ، فإنها غير مطلوبة منهم بل ممنوعة على الأخيرين .

                                                                                                                            وفي نسخة من الشرح ورد الصبي وهي تصرف من عبارة المعترض ; لأن المعترض إنما قال ورد غيره ومن ثم اعترضه الشهاب ابن حجر كما مر [ ص: 389 ] قوله : ; لأنا نقول بمنعه إلخ ) قال سم في حواشي التحفة : لعل الأوجه في جواب هذا القيل أن المصنف أراد بالوجوب معناه الشرعي الذي هو الطلب الجازم مع أثره الذي هو توجه المطالبة في الدنيا وحينئذ يتضح انتفاؤه عن الأضداد بانتفاء جزأيه أو أحدهما انتهت ( قوله : إنما ينصرف لمدلوله الشرعي ) أي الطلب الجازم ( قوله : إن في الكافر تفصيلا ) صوابه أن في المفهوم تفصيلا ( قوله : على أن دعواه عدم إثم الكافر ) يتأمل ، فإنه إنما ادعى إثمه حتى أورده




                                                                                                                            الخدمات العلمية