الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا [66]

                                                                                                                                                                                                                                      ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم قال الرازي : اعلم أن هذه الآية متصلة بما تقدم من أمر المنافقين وترغيبهم في الإخلاص وترك النفاق، والمعنى: إنا لو شددنا التكليف على الناس نحو أن نأمرهم بالقتل والخروج عن الأوطان لصعب ذلك عليهم، ولما فعله إلا الأقلون، وحينئذ يظهر كفرهم وعنادهم، [ ص: 1383 ] فلما لم نفعل ذلك؛ رحمة منا على عبادنا، بل اكتفينا بتكليفهم في الأمور السهلة، فليقبلوها بالإخلاص، وليتركوا التمرد والعناد، حتى ينالوا خير الدارين. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ونقله فيما بعد عن ابن عباس ، وعليه فمرجع الضمير في (عليهم) إلى المنافقين، وثمة وجه آخر، وهو عوده إلى الناس كافة، ويكون المراد بـ(القليل) المؤمنين، وأما الضمير في قوله: ولو أنهم فعلوا فهو مختص بالمنافقين، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا، قرره الرازي .

                                                                                                                                                                                                                                      روى ابن جريج بسنده إلى أبي إسحاق السبيعي قال: لما نزلت: ولو أنا كتبنا عليهم الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ورواه ابن أبي حاتم نحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأسند عن السدي قال: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت : والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا، فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وأسند أيضا عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأسند أيضا عن شريح بن عبيد قال: لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية