الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا .

هؤلاء فريق آخر لا سعي لهم إلا في خويصتهم ، ولا يعبأون بغيرهم ، فهم يظهرون المودة للمسلمين ليأمنوا غزوهم ، ويظهرون الود لقومهم ليأمنوا غائلتهم ، وما هم بمخلصين الود لأحد الفريقين ، ولذلك وصفوا بإرادة أن يأمنوا من المؤمنين ومن قومهم ، فلا هم لهم إلا حظوظ أنفسهم ، يلتحقون بالمسلمين في قضاء لبانات [ ص: 155 ] لهم فيظهرون الإيمان ، ثم يرجعون إلى قومهم فيرتدون إلى الكفر .

وهو معنى قوله كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها . وقد مر بيان معنى أركسوا قريبا . وهؤلاء هم غطفان وبنو أسد ممن كانوا حول المدينة قبل أن يخلص إسلامهم ، وبنو عبد الدار من أهل مكة . كانوا يأتون المدينة فيظهرون الإسلام ويرجعون إلى مكة فيعبدون الأصنام .

وأمر الله المؤمنين في معاملة هؤلاء ومعاملة الفريق المتقدم في قوله إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أمر واحد ، وهو تركهم إذا تركوا المؤمنين وسالموهم ، وقتالهم إذا ناصبوهم العداء .

إلا أن الله تعالى جعل الشرط المفروض بالنسبة إلى الأولين : أنهم يعتزلون المسلمين ، ويلقون إليهم السلم ، ولا يقاتلونهم ، وجعل الشرط المفروض بالنسبة إلى هؤلاء أنهم لا يعتزلون المسلمين ، ولا يلقون إليهم السلم ، ولا يكفون أيديهم عنهم ، نظرا إلى الحالة المترقبة من كل فريق من المذكورين .

وهو افتنان بديع لم يبق معه اختلاف في الحكم ولكن صرح باختلاف الحالين ، وبوصف ما في ضمير الفريقين .

والوجدان في قوله ستجدون آخرين بمعنى العثور والاطلاع ، أي ستطلعون على قوم آخرين ، وهو من استعمال وجد ، ويتعدى إلى مفعول واحد ، فقوله " يريدون " جملة في موضع الحال ، وسيأتي بيان تصاريف استعمال الوجدان في كلامهم عند قوله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا في سورة المائدة .

وجيء باسم الإشارة في قوله وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا لزيادة تمييزهم .

" والسلطان المبين " هو الحجة الواضحة الدالة على نفاقهم ، فلا يخشى أن ينسب المسلمون في قتالهم إلى اعتداء وتفريق الجامعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية