الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 366 ] 587 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوادي الذي مروا به في غزوة تبوك أنه واد ملعون

3746 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، وفهد بن سليمان جميعا ، قالا : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا علي بن زيد ، قال : قال لي الحسن : سل عبد الله بن قدامة بن صخر العقيلي عن هذا الحديث ، قال : فلقيته عند باب الإمارة ، فذكرت ذلك له ، فقال : زعم أبو ذر أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فأتوا على واد ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس ، إنكم بواد ملعون ، فركب فرسه ، فدفع ، ودفع الناس ، ثم قال : من كان قد اعتجن عجينة فليظفرها بعيره ، ومن كان طبخ قدرا فليكفأها .

[ ص: 367 ]

3747 - وحدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، ثم ذكر مثل حديث محمد وفهد ، عن مسلم ، عن حماد بإسناده ومتنه .

3748 - وحدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، قال : سمعت الحسن يقول : حدثني عبد الله بن قدامة السعدي - قال : وكان السعدي امرأ صدق - ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على مساكن ثمود ، فقال : اخرجوا اخرجوا ، فإنه واد ملعون ; خشية أن لا تخرجوا حتى يصيبكم كذا وكذا .

3749 - وحدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عفان ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وقد روي عن سبرة الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره الناس [ ص: 368 ] فيما كانوا عجنوا من ماء ذلك الوادي ، مثل الذي روي عنه في حديث أبي ذر الذي روينا .

3750 - كما حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثني حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ، قال لأصحابه : من عمل من هذا الماء طعاما فليلقه ، فمنهم من عجن عجينا ، ومنهم من حاس الحيس ، وألقوه .

3751 - وكما قد حدثنا ابن أبي داود ، وفهد بن سليمان ، قالا : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن الربيع بن سبرة الجهني ، قال : سمعت أبي يحدث عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل الحجر ، قال لمن كان معه : من كان منكم عجن عجينا ، أو حاس حيسا من هذا الماء فليلقه .

[ ص: 369 ]

3752 - وكما حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن معبد بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة ، قال : حدثني إبراهيم بن سبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة ، قال : حدثني عمي حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ، قال لأصحابه : من عمل من هذا الماء طعاما ، فليلقه ، فمنهم من عجن العجين ، ومنهم من حاس الحيس ، فألقوه .

قال أبو جعفر : فكان ذلك عندنا - والله أعلم - محتملا أن يكون الله عز وجل لما غضب على أهل ذلك الوادي كان من عقوبته إياهم أن جعل ماءهم ما يضرهم ويضر أمثالهم من المتعبدين ; عقوبة لهم على الأشياء التي غضب على أهل ذلك الوادي من أجلها ، وخوفا على من سواهم أن يكون ذلك عقوبة لهم على ذنوبهم التي قد سلفت منهم ; لأنهم جميعا ذوو ذنوب ، وإن كانت ذنوبهم مختلفة ، والعقوبات عليها مختلفة ، فأمرهم صلى الله عليه وسلم فيما عجنوه بذلك الماء أن لا يأكلوه ، وأباحهم أن يطعموه إبلهم التي لا تعبد عليها ولا ذنوب لها ، [ ص: 370 ] ثم تأملنا سرعته في ذلك الوادي حتى جاوزه ، فكان ذلك عندنا - والله أعلم - ليقتدوا به ، فيسرعوا لسرعته حتى يخرجوا من ذلك الوادي ; خوفا منه عليهم أن يؤخذوا بذنوبهم هناك ، كما أخذ من تقدمهم من أهل ذلك الوادي بذنوبهم هناك .

ثم تأملنا ما في الحديث من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي باللعن ، فكان ذلك عندنا - والله أعلم - على إرادته بذلك أهل الوادي الذين كان منهم ما غضب عز وجل عليهم من أجله ، فلعنهم لذلك .

وذكر الوادي بتلك اللعنة ، والمراد أهله دونه ، كما قال عز وجل : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . لأن القرية ما كانت تصنع شيئا ، وإنما أهلها هم الذين كانوا يصنعون ما أهلكوا به ، ثم أعقب ذلك عز وجل بما دل على مراده إياهم بذلك ، لا قريتهم بقوله عز وجل : ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه . يعني بذلك : رسوله إليهم صلى الله عليه وسلم ، وكما قال عز وجل حكاية عن قائليه : واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها . يريد : أهل القرية ، وأهل العير ، فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الوادي : هذا واد ملعون هو على أهله لا على الوادي نفسه ، والله أعلم ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية