الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خبر سواد بن قارب:

وكان يتكهن في الجاهلية، وكان شاعرا ثم أسلم:


قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن وثاب الصوري بالزعيزعية بمرج دمشق، [ ص: 151 ] قلت له: أخبركم الشيخان المؤيد هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادي نزيل أصبهان وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة؟ قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قراءة عليه ونحن نسمع بأصبهان، قال: أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن المقرئ، قال: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، قال: حدثنا يحيى بن حجر بن النعمان السامي، قال: حدثنا علي بن منصور الأنباري ، عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالسا إذ مر به رجل، فقيل: يا أمير المؤمنين! أتعرف هذا المار؟ قال: ومن هذا؟ قالوا: هذا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأرسل إليه عمر رضي الله عنه، فقال له: أنت سواد بن قارب؟ قال: نعم. قال: أنت الذي أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ قال: فغضب، وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين. فقال عمر: سبحان الله! ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم يا أمير المؤمنين! بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، إذ أتاني رئيي فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:


عجبت للجن وتطلابها وشدها العيس بأقتابها


تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما صادق الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم     ليس قداماها كأذنابها

قال: قلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعسا، فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته ثم أنشأ يقول:

[ ص: 152 ]

عجبت للجن وتخبارها     وشدها العيس بأكوراها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما مؤمن الجن ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم     بين روابيها وأحجارها

قال: قلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعسا، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:


عجبت للجن وتجساسها     وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم     واسم بعينك إلى راسها

فقمت فقلت: قد امتحن الله قلبي، فرحلت ناقتي، ثم أتيت المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه حوله، فدنوت فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله. قال: هات. فأنشأت أقول:


أتاني نجيي بعد هدء ورقدة     ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة     أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت من ذيلي الإزار ووسطت     بي الذعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن الله لا رب غيره     وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة     إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل     وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة     سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال: ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمقالتي فرحا شديدا حتى رؤي الفرح في وجوههم.

قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالتزمه وقال: قد كنت أشتهي [ ص: 153 ] أن أسمع هذا الحديث منك، فهل يأتيك رئيك اليوم؟ قال: أما منذ قرأت القرآن فلا، ونعم العوض كتاب الله من الجن، ثم أنشأ عمر يقول: كنا يوما في حي من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا لهم، والجزار يعالجه، إذ سمعنا صوتا من جوف العجل ولا نرى شيئا: يا آل ذريح، أمر نجيح، صائح يصيح بلسان فصيح، يشهد أن لا إله إلا الله.


وقد روينا خبر سواد هذا من طريق البخاري ، حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، حدثني عمر أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر فذكر الخبر أخصر مما سقناه وفي الألفاظ اختلاف.

قال السهيلي: ولسواد بن قارب هذا مقام حميد في دوس حين بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: ومن هذا الباب خبر سوداء بنت زهرة بن كلاب، وذلك أنها حين ولدت ورآها أبوها زرقاء شيماء أمر بوأدها، وكانوا يئدون من البنات ما كانت على هذه الصفة، فأرسلها إلى الحجون لتدفن هناك، فلما حفر لها الحافر وأراد دفنها، سمع هاتفا يقول: لا تئد الصبية، وخلها في البرية. فالتفت فلم ير شيئا، فعاد لدفنها، فسمع الهاتف يسجع [ ص: 154 ] بسجع آخر في المعنى، فرجع إلى أبيها وأخبره بما سمع. فقال: إن لها شأنا وتركها، فكانت كاهنة قريش، فقالت يوما لبني زهرة، إن فيكم نذيرة أو: تلد نذيرا، فاعرضوا علي بناتكم، فعرضن عليها، فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين، حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت: هذه النذيرة أو ستلد نذيرا. وهو خبر طويل ذكر الزبير يسيرا منه، وذكره بطوله أبو بكر النقاش، رحمه الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية