الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
3- الإفراد والجمع :

بعض ألفاظ القرآن يكون إفراده لمعنى خاص ، وجمعه لإشارة معينة ، أو يؤثر جمعه على إفراده أو العكس .

فمن ذلك أننا نرى بعض الألفاظ لم يأت في القرآن إلا مجموعا ، وعند الاحتياج إلى صيغة المفرد ، يستعمل مرادفه كلفظة " اللب " فإنها لم ترد إلا مجموعة كقوله : إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ، ولم يجئ في القرآن مفرده ، بل جاء مكانه " القلب " كقوله : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، ولفظة " الكوب " لم تأت مفردة وقد أتى الجمع : وأكواب موضوعة .

وعكس هذا النوع ألفاظ لم تأت إلا مفردة في كل موضع من مواضع القرآن . ولما أريد جمعها جمعت في صورة من الروعة ليس لها مثال ، كقوله تعالى : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، ولم يقل سبحانه : " وسبع أرضين " لما في ذلك من الخشونة واختلال النظم .

ومن ذلك لفظة " السماء " ذكرت تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة الإفراد ، لنكت مناسبة ، فحيث أريد العدد ، أتي بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة والكثرة ، كقوله : سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ، وحيث أريد الجهة أتي بصيغة الإفراد كقوله : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض .

[ ص: 193 ] ومن ذلك " الريح " ذكرت مجموعة ومفردة ، فتذكر مجموعة في سياق الرحمة وتفرد في سياق العذاب ، وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمنافع ، ويقابل بعضها الآخر أحيانا . لينشأ ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات . فكانت في الرحمة رياحا . وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ، ولا معارض لها ولا دافع ، وقد أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي بن كعب قال : كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة ، وكل شيء من الريح فهو عذاب . ولهذا ورد في الحديث : " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وما عرج عن ذلك فهو لنكتة أخرى .

ومن ذلك إفراد " النور " وجمع " الظلمات " ، وإفراد " سبيل الحق " وجمع " سبل الباطل " لأن طريق الحق واحدة ، وطرق الباطل متشعبة متعددة . ولهذا وحد " ولي المؤمنين " وجمع " أولياء الكافرين " لتعددهم كما في قوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، وقوله : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .

ومن ذلك " المشرق والمغرب " بالإفراد والتثنية والجمع . فالإفراد باعتبار الجهة والإشارة إلى ناحيتي الشرق والغرب كقوله : رب المشرق والمغرب ، والتثنية باعتبار مطلعي ومغربي الشتاء والصيف كقوله : رب المشرقين ورب المغربين . والجمع باعتبار مطلع كل يوم ومغربه ، أو مطلع كل فصل ومغربه كقوله : فلا أقسم برب المشارق والمغارب .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية