الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير

[ ص: 246 ] مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا والكفار والمهاجرين بعد الحديبية، وذكر نسب بعضهم من بعض، فقدم أولا ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام، وانظر تقديم عمر رضي الله عنه لهم في الاستشارة، وهاجر: معناه: هجر أهله وقرابته وهجروه، و ( جاهدوا ) معناه: أجهدوا أنفسهم في حرب من أجهد نفسه في حربهم. والذين آووا ونصروا هم الأنصار، وآوى معناه: هيأ مأوى وهو الملجأ والحرز، فحكم الله على هاتين الطائفتين بأن بعضهم أولياء بعض، فقال كثير من المفسرين: هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي، وعليه فسر الطبري الآية، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة ، ومجاهد ، وكثير منهم: إن هذه الموالاة هي في الميراث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانت بين الأنصار أخوة النسب، وكانت أيضا بين بعض المهاجرين، فكان المهاجري إذا مات ولم يكن له بالمدينة مهاجري ورثه أخوه الأنصاري، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري فلا يرثه. قال ابن زيد : واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة ، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية، ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال، لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبهم حازب لا يجد الآخر ولا ينتفع به، فعلى هذه الجهة نفي الولاية، وعلى التأويلين ففي الآية حض للأعراب على الهجرة، قاله الحسن بن أبي الحسن ، ومن رأى الولاية في الموارثة فهو حكم من الله ينفي الولاية في الموارثة، قالوا: ونسخ ذلك قوله تبارك وتعالى: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية.

وقرأ جمهور السبعة والناس: "ولايتهم" بفتح الواو، و"الولاية" أيضا بفتح الواو [ ص: 247 ] وقرأ الكسائي : "ولايتهم" بفتح الواو، و"الولاية" بكسر الواو، وقرأ الأعمش ، وابن وثاب : "ولايتهم" و"الولاية" بكسر الواو، وهي قراءة حمزة ، قال أبو علي : والفتح أجود لأنها في الدين، قال أبو الحسن الأخفش : "والكسر فيها لغة"، وليست بذلك، ولحن الأصمعي الأعمش ، وأخطأ عليه لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

لا سيما ولا يظن به إلا أنه رواها، قال أبو عبيدة : الولاية بالكسر هي من وليت الأمر إليه فهي في السلطان، والولاية هي في المولى، يقال: مولى بين الولاية بفتح الواو.

وقوله تعالى: وإن استنصروكم يعني: إن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم على قوم من الكفرة فواجب عليكم نصرهم، إلا إن استنصروكم على قوم كفار قد عاهدتموهم أنتم وواثقتموهم على ترك الحرب فلا تنصروهم عليهم، لأن ذلك غدر ونقض للميثاق وترك لحفظ العهد والوفاء به، والقراءة: "فعليكم النصر" برفع الراء، ويجوز "فعليكم النصر" على الإغراء، ولا أحفظه قراءة.

وقرأ جمهور الناس: "والله بما تعملون" على مخاطبة المؤمنين، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والأعرج : "بما يعملون" بالياء على ذكر الغائب.

التالي السابق


الخدمات العلمية