قال المصنف رحمه الله تعالى وأما العرايا وهو فإنه يجوز للفقراء ، فيخرص ما على النخل من الرطب وما يجيء منه من التمر إذا جف ، ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه [ إليه ] قبل التفرق ، والدليل عليه ما روى بيع الرطب على النخل بالتمر على الأرض خرصا قال : { محمود بن لبيد : ما عراياكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من لزيد بن ثابت الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس ، وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم ، يأكلونها رطبا } . قلت
باب بيع العرايا
- بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق
- بيع الثمر المنزوع النوى بما لم ينزع نواه
- بيع الحب بدقيقه متفاضلا
- مسألة بيع الخبز بالحنطة
- فرع بيع الحنطة وما يتخذ منها من المطعومات بالنخالة
- بيع خبز القمح بعضه ببعض
- باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن
- فرع بيع الشاة التي فيها لبن ببقرة فيها لبن
- بيع الزبد بالزبد
- بيع الجبن أو الأقط أوالمصل أو اللبأ بعضه ببعض
التالي
السابق
( الشرح ) حديث في العرايا ثابت في صحيحي زيد بن ثابت البخاري وغيرهما ، ولفظ ومسلم البخاري { ومسلم } ، وألفاظ أخر غير ذلك ( وأما ) ما ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 333 ] رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا المصنف من رواية فلم أرها إلا في كلام محمود بن لبيد رضي الله عنه فيها فيما ذكر الشافعي قال : " { محمود بن لبيد عن عراياهم هذه التي يحلونها فقال : فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا ورق يشترون بها وعندهم فضل عن قوت سنتهم ، فأرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا زيد بن ثابت } . وقال سألت أيضا في كتاب البيوع من الأم : " قيل الشافعي ، أو قال لمحمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما محمود بن لبيد وإما غيره : ما عراياكم هذه ؟ قال : فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من زيد بن ثابت الأنصار " وذكر معنى ما تقدم ، ونقله في المعرفة عن البيهقي كذلك معلقا ، ولم يذكر له إسنادا يتصل به ، وأشار الشافعي إلى تضعيفه بقوله : إن ابن حزم ذكر فيه حديثا لا يدري أحد منشأه ولا مبدأه ولا طريقه ، وذكره أيضا بغير إسناد ، فبطل أن يكون فيه حجة ، يعني في اختصاصها بالفقراء وهذا سيأتي الكلام فيه ، والمقصود هنا أنها تجوز للفقراء ، وذلك لا نزاع فيه ، وقد ذكر الشافعي الترمذي هذا المعنى من غير تعيين رواية ، قال : لما ذكر حديث العرايا في جامعه : " ومعنى هذا عند بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد التوسعة عليهم في هذا لأنهم شكوا إليه وقالوا : لا نجد ما نشتري من التمر إلا بالتمر ، فرخص لهم فيما دون خمسة أوسق أن يشتروها فيأكلوها رطبا " . لكن يحتمل أن يكون مراد الترمذي ببعض العلماء وقال الشافعي الماوردي : ولم يسنده لأنه نقله من السير . الشافعي
وجعلت أولاد الصحابة الذين ولدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدود أيضا [ منهم ] من الصحابة على الصحيح ، فهو صحابي ابن صحابي من كبار العلماء وقوله : ما عراياكم هذه ؟ لأن زيدا كان أكبر منه وأعلم بسنن [ ص: 334 ] النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبينها له وقد رأيت في الوافي في شرح المهذب كلاما لولا تفرق النسخ لكنت أزلته غيرة . قال : سمعت فقيها يقول : إن ساعتئذ كان يهوديا فلذلك قال هذا الكلام ، وكان الواجب أن يمحى هذا من الكتاب لولا تفرق النسخ ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، نعوذ بالله أن نقول ما لا نعلم ولولا خشية أن يطالعه بعض الضعفة فيعتقد صحته وينقله ما تعرضت له ولا نقلته لكن نبهت عليه خوفا من أن يغتر به فيوقع بسببه في نسبة هذا الرجل العظيم إلى مثل هذا فنسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل بمنه وكرمه . محمود بن لبيد
والعرايا جمع عرية وهي تفرد صاحبها للأكل ووزن العرية فعيلة ، واختلف في اشتقاقها على قولين ، قيل بمعنى فاعلة ، وهو قول الأزهري وابن فارس ، ويكون من عري يعرى كأنها عريت من جملة النخيل فعريت أي خلت وخرجت كما يقال عري الرجل إذا تجرد من ثيابه وعلى هذا تكون لام الكلمة ياء كهدية ، وجمعه فعائل كصحيفة وصحائف ، كذلك عرية وعرائي - بهمزة بعد المد مكسورة وبعدها ياء - ثم فتحت هذه الهمزة العارضة في الجمع فصار عرائيا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار عراءا ثم إنهم كرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة مفتوحة لأن الهمزة كأنها ألف فكأنه اجتمع ثلاث ألفات فأبدلوا من الهمزة ياء فقالوا : عرايا فليس وزنها فعالى ، لأن هذه الياء ليست أصلية ، وإنما وزنه فعايل وهذا الإبدال والعمل واجب ، وكل هذه القواعد محكمة في علم التصريف ومثل هدية وهدايا - وقد قالوا في جمعه أيضا : هداوا - فأكثر النحويين جعلوا ذلك شاذا والأخفش قاس عليه ، وردوا عليه بأنه لم ينقل منه إلا هذه اللفظة ، أعني هداوا فلم يأت مثل عداوى وشبهه ، وإنما كتب بالياء كحنية وحنايا ، ومنية ومنايا ، قال شيخنا الأستاذ أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي [ ص: 335 ] فسح الله في مدته : لو ذهب ذاهب إلى أن وزن هذا الجمع كله فعالى لكان مذهبا حسنا بعيدا من التكلف ، وإنما دعا النحويين إلى تلك التقديرات حملهم جمع المعتل على الصحيح ، فأجروا ذلك مجرى صحيفة ، وقد تكون أحكام للمعتل لا للصحيح ، وأحكام للصحيح لا للمعتل ، ويقال : هو عرو من هذا الأمر أي خلو منه ويقال لساحل البحر : العراء لأنه خلو من النبات قال الله تعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } وقيل : بمعنى مفعوله من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه ، لأن صاحبها يتردد إليها ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها يعروها .
قال : كما يقال : طلب إلي فأطلبته ، وهذا قول الخطابي أبي عبيد الهروي وجوز أيضا أن يكون بمعنى فاعله كما تقدم ، فعلى القول الثاني تكون لامها واوا ، أصلها عريوه اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ثم أدغمت إحداهما في الأخرى ثم فعل بجمعه كما فعل به من غير فرق إلا أنه على هذا القول يكون كمطية لا كهدية ، وهذا الوزن متى كانت لامه واوا اعتلت في المفرد كان حكمه ما لامه ياء . بخلاف الذي لامه واو صحت في المفرد فله حكم آخر والله أعلم .
وأما المراد بها هنا فعندنا هو ، والعرايا نوع من المزابنة رخص فيه ، قال أهل اللغة بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض الأزهري والهروي وغيرهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم { } وهو أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له : بعني من حائطك ثلاث نخلات بأعيانها بخرصها من التمر ، فيبيعه إياها ويقبض الثمن ، ويسلم إليه النخلات يأكلها ويتمرها . نهى عن المزابنة وهي بيع التمر في رءوس النخل بالتمر ، رخص من جملة المزابنة فيما دون خمسة أوسق ،
[ ص: 336 ] قال رضي الله عنه في الأم في كتاب البيوع في باب بيع العرايا بعد ما ذكر أحكام العرايا بالتفسير المشهور : والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا أحدها ، وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ، ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملة من واحد . والصنف الثاني أن يخص رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر ، هدية يأكلها ، وهذه في معنى المنحة من الغنم ، يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين وأكثر ليشرب لبنها وينتفع به ، وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله ، لأنه قد ملكه . والصنف الثالث أن يعري الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من البيع منه جملة ، وقد روي أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ، ولا يخرجه لتؤخذ زكاته ، وقيل قياسا على ذلك أن يدع ما أعرى المساكين منها فلا يخرصه ، وهذا بتعبيره في كتاب الخرص انتهى كلام الشافعي رحمه الله تعالى . الشافعي
وهذا الذي ذكره من كونه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله ، نقله الأصحاب في كتاب الزكاة قولا قديما ، ونقله الشافعي النووي هناك عن نصه في البويطي في البيوع والقديم ، قال : العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها ، فرخص لرب النخل أن يبتاع ثمر تلك النخلة من المعرى بتمر لدفع حاجته ، قال : وقال بعضهم : بل هو الرجل يكون له النخلة في وسط نخل كثير لرجل آخر ، فيدخل رب النخلة إلى نخلته ، وربما كان مع صاحب النخل الكثير أهله في النخل ، فيؤذيه بدخوله ، فرخص لصاحب النخل الكثير أن يشتري ثمر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجذه ، بتمر لئلا يتأذى به ، قال أبو عبيد القاسم بن سلام أبو عبيد : والتفسير الأول أجود ، لأن هذا ليس فيه إعراء إنما هي نخلة يملكها ربها ، فكيف تسمى عرية ، ومما يعين ذلك قول شاعر الأنصار يصف النخل :
( قلت ) : وقد ورد في حديث في معجم زيد بن ثابت بسند صحيح : { الطبراني } لكن ليس في ذلك تخصيص أن الذي يبتاعها هو الواهب ولا أن ذلك لدفع حاجته ، فهذا أولى ما يعتمد في تفسيرها ، وهو مخالف للقولين اللذين قالهما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا ، النخلة والنخلتين توهبان للرجل ، فيبيعها بخرصها تمرا أبو عبيد قال الماوردي : ( مواساة ) وهي ما يعطى للمساكين وذلك ، سنة ( ومحاباة ) وهي ما يتركها الخارص لمن يخرص نخله ليأكلها ، علما أنه سيتصدق منها بأكثر من عشرها ، فذلك جائز لقوله صلى الله عليه وسلم : " { العرايا ثلاثة } . وإذا خرصتم فدعوا لهم الثلث ، فدعوا الربع
وجعلت أولاد الصحابة الذين ولدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدود أيضا [ منهم ] من الصحابة على الصحيح ، فهو صحابي ابن صحابي من كبار العلماء وقوله : ما عراياكم هذه ؟ لأن زيدا كان أكبر منه وأعلم بسنن [ ص: 334 ] النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبينها له وقد رأيت في الوافي في شرح المهذب كلاما لولا تفرق النسخ لكنت أزلته غيرة . قال : سمعت فقيها يقول : إن ساعتئذ كان يهوديا فلذلك قال هذا الكلام ، وكان الواجب أن يمحى هذا من الكتاب لولا تفرق النسخ ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، نعوذ بالله أن نقول ما لا نعلم ولولا خشية أن يطالعه بعض الضعفة فيعتقد صحته وينقله ما تعرضت له ولا نقلته لكن نبهت عليه خوفا من أن يغتر به فيوقع بسببه في نسبة هذا الرجل العظيم إلى مثل هذا فنسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل بمنه وكرمه . محمود بن لبيد
والعرايا جمع عرية وهي تفرد صاحبها للأكل ووزن العرية فعيلة ، واختلف في اشتقاقها على قولين ، قيل بمعنى فاعلة ، وهو قول الأزهري وابن فارس ، ويكون من عري يعرى كأنها عريت من جملة النخيل فعريت أي خلت وخرجت كما يقال عري الرجل إذا تجرد من ثيابه وعلى هذا تكون لام الكلمة ياء كهدية ، وجمعه فعائل كصحيفة وصحائف ، كذلك عرية وعرائي - بهمزة بعد المد مكسورة وبعدها ياء - ثم فتحت هذه الهمزة العارضة في الجمع فصار عرائيا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار عراءا ثم إنهم كرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة مفتوحة لأن الهمزة كأنها ألف فكأنه اجتمع ثلاث ألفات فأبدلوا من الهمزة ياء فقالوا : عرايا فليس وزنها فعالى ، لأن هذه الياء ليست أصلية ، وإنما وزنه فعايل وهذا الإبدال والعمل واجب ، وكل هذه القواعد محكمة في علم التصريف ومثل هدية وهدايا - وقد قالوا في جمعه أيضا : هداوا - فأكثر النحويين جعلوا ذلك شاذا والأخفش قاس عليه ، وردوا عليه بأنه لم ينقل منه إلا هذه اللفظة ، أعني هداوا فلم يأت مثل عداوى وشبهه ، وإنما كتب بالياء كحنية وحنايا ، ومنية ومنايا ، قال شيخنا الأستاذ أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي [ ص: 335 ] فسح الله في مدته : لو ذهب ذاهب إلى أن وزن هذا الجمع كله فعالى لكان مذهبا حسنا بعيدا من التكلف ، وإنما دعا النحويين إلى تلك التقديرات حملهم جمع المعتل على الصحيح ، فأجروا ذلك مجرى صحيفة ، وقد تكون أحكام للمعتل لا للصحيح ، وأحكام للصحيح لا للمعتل ، ويقال : هو عرو من هذا الأمر أي خلو منه ويقال لساحل البحر : العراء لأنه خلو من النبات قال الله تعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } وقيل : بمعنى مفعوله من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه ، لأن صاحبها يتردد إليها ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها يعروها .
قال : كما يقال : طلب إلي فأطلبته ، وهذا قول الخطابي أبي عبيد الهروي وجوز أيضا أن يكون بمعنى فاعله كما تقدم ، فعلى القول الثاني تكون لامها واوا ، أصلها عريوه اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ثم أدغمت إحداهما في الأخرى ثم فعل بجمعه كما فعل به من غير فرق إلا أنه على هذا القول يكون كمطية لا كهدية ، وهذا الوزن متى كانت لامه واوا اعتلت في المفرد كان حكمه ما لامه ياء . بخلاف الذي لامه واو صحت في المفرد فله حكم آخر والله أعلم .
وأما المراد بها هنا فعندنا هو ، والعرايا نوع من المزابنة رخص فيه ، قال أهل اللغة بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض الأزهري والهروي وغيرهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم { } وهو أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له : بعني من حائطك ثلاث نخلات بأعيانها بخرصها من التمر ، فيبيعه إياها ويقبض الثمن ، ويسلم إليه النخلات يأكلها ويتمرها . نهى عن المزابنة وهي بيع التمر في رءوس النخل بالتمر ، رخص من جملة المزابنة فيما دون خمسة أوسق ،
[ ص: 336 ] قال رضي الله عنه في الأم في كتاب البيوع في باب بيع العرايا بعد ما ذكر أحكام العرايا بالتفسير المشهور : والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا أحدها ، وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ، ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملة من واحد . والصنف الثاني أن يخص رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر ، هدية يأكلها ، وهذه في معنى المنحة من الغنم ، يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين وأكثر ليشرب لبنها وينتفع به ، وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله ، لأنه قد ملكه . والصنف الثالث أن يعري الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من البيع منه جملة ، وقد روي أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ، ولا يخرجه لتؤخذ زكاته ، وقيل قياسا على ذلك أن يدع ما أعرى المساكين منها فلا يخرصه ، وهذا بتعبيره في كتاب الخرص انتهى كلام الشافعي رحمه الله تعالى . الشافعي
وهذا الذي ذكره من كونه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله ، نقله الأصحاب في كتاب الزكاة قولا قديما ، ونقله الشافعي النووي هناك عن نصه في البويطي في البيوع والقديم ، قال : العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها ، فرخص لرب النخل أن يبتاع ثمر تلك النخلة من المعرى بتمر لدفع حاجته ، قال : وقال بعضهم : بل هو الرجل يكون له النخلة في وسط نخل كثير لرجل آخر ، فيدخل رب النخلة إلى نخلته ، وربما كان مع صاحب النخل الكثير أهله في النخل ، فيؤذيه بدخوله ، فرخص لصاحب النخل الكثير أن يشتري ثمر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجذه ، بتمر لئلا يتأذى به ، قال أبو عبيد القاسم بن سلام أبو عبيد : والتفسير الأول أجود ، لأن هذا ليس فيه إعراء إنما هي نخلة يملكها ربها ، فكيف تسمى عرية ، ومما يعين ذلك قول شاعر الأنصار يصف النخل :
ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح
[ ص: 337 ] يقول : إنا نعيرها الناس ، والسنهاء الخفيفة الحمل ، والرجبية الثقيلة الحمل ، التي قد انحنت من ثقل حملها ، قاله ابن الصباغ ، وروى أبو عبيد عن مكحول قال : { } . كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال : خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية( قلت ) : وقد ورد في حديث في معجم زيد بن ثابت بسند صحيح : { الطبراني } لكن ليس في ذلك تخصيص أن الذي يبتاعها هو الواهب ولا أن ذلك لدفع حاجته ، فهذا أولى ما يعتمد في تفسيرها ، وهو مخالف للقولين اللذين قالهما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا ، النخلة والنخلتين توهبان للرجل ، فيبيعها بخرصها تمرا أبو عبيد قال الماوردي : ( مواساة ) وهي ما يعطى للمساكين وذلك ، سنة ( ومحاباة ) وهي ما يتركها الخارص لمن يخرص نخله ليأكلها ، علما أنه سيتصدق منها بأكثر من عشرها ، فذلك جائز لقوله صلى الله عليه وسلم : " { العرايا ثلاثة } . وإذا خرصتم فدعوا لهم الثلث ، فدعوا الربع
( فقال والمراضاة ) اختلف الفقهاء فيها رضي الله عنه : ( بيع الرطب خرصا على النخل بمكيله تمرا على الأرض في خمسة أوسق فأقل ، مع تعجيل القبض ) ، وذكر مذهب الشافعي ، مالك رضي الله عنهما وسنذكرهما إن شاء الله تعالى . والرخصة إثبات الحكم على خلاف الدليل ; وقد ذكروا في حدها عبارات مختلفة أحسنها : الإطلاق مع قيام المقتضي للمنع لغرض التوسيع ، فقولنا : الإطلاق نريد به إباحة الأقدام التي تشتمل الواجب والمندوب والمباح ، وقولنا : مع قيام المقتضي للمنع احتراز من قتل قاطع الطريق وشبهه ، فإنه قد يقال : إنه شرع مع الإسلام المقتضي للمنع مما ليس كذلك ، فلا يسمى ، رخصة ، وزاد بعضهم : في حال حريته ، احتراز من القصاص فإنه قاعدة كلية لكن يرد عليه السلم والإجارة ، وما أشبههما . ثم الرخصة قد يكون سببها الضرورة كأكل المضطر الميتة ، وقد يكون سببها الحاجة كالعرايا ، فلما كان الدليل قائما على تحريم بيع الرطب بالتمر . وأبي حنيفة
[ ص: 338 ] ووردت العرايا على خلافه ، سمي ذلك رخصة ، والخرص بكسر الخاء نص عليه ابن فارس والمراد منه المخروص وأما الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحزر يقال خرص العبد يخرصه ويخرصه بضم الراء وكسرها في المضارع خرصا وخرصا بالفتح والكسر حزره قاله ابن سيده ثم قال : وقيل : الخرص المصدر والخرص الاسم ، والخراص الحزار . وأما حكم المسألة فذلك مما لا خلاف فيه في المذهب ، وهو مذهب أكثر أهل العلم منهم وأهل المدينة مالك والأوزاعي وأهل الشام وأحمد وإسحاق وأبو عبيدة ومن تبعهم من أهل العلم ، كلهم ذهبوا إلى أن ذلك جائز ، وجعلوه مستثنى من جهة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر وعن بيع الرطب بالتمر ، كذلك قال وداود ، وخالف في ذلك ابن المنذر وأصحابه ، أبو حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك بعض مخالفة سأذكرها إن شاء الله تعالى . قال ولمالك رحمه الله تعالى في كتاب اختلاف الحديث وهو في الجزء السادس عشر من الأم : " خالفونا معا في العرايا فقالوا : لا نجيز بيعها وقالوا : نرد إجازة بيعها بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ونهيه عن الرطب بالتمر ، وهي داخلة في المعنيين قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقيل لبعض من قال هذا منهم : فإن أجاز إنسان الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز بيع المزابنة بالعرايا قال : ليس ذلك له ، قلنا : هل الحجة عليه إلا كهي عليكم في أن يطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحل ما أحل ويحرم ما حرم " وبحث بيع العرايا رحمه الله تعالى في ذلك إلى أن قال : قال : " فكيف تقول ؟ الشافعي قلت : أحل ما أحل من بيع العرايا وأحرم ما حرم من بيع المزابنة ، وبيع الرطب بالتمر عن العرايا ، وأزعم أن لم يرد بما [ ص: 339 ] حرم ما أحل ولا بما أحل ما حرم فأطيعه في الأمرين ، وما علمتك إلا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى النهي عن المزابنة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم هاهنا موضع ، فنقول : الحديثان مختلفان " انتهى كلام رحمه الله تعالى . الشافعي
وقال في الإملاء : " فلا موضع للتوهم في أن يكون أحد الأمرين قبل الآخر فيقال : أحدهما ناسخ يعني لأن رواة أحدهما هم رواة الآخر " . وقال في كتاب البيوع من الأم ما ملخصه : " إن العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر والمزابنة ، وذلك منهي عنه ، وخارجة منه منفردة ، بخلاف حكمه ، إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه " وكأن رحمه الله تعالى أشار بهذا التأويل في كلامه إلى النهي عن الشافعي ، وعن المزابنة هل هو عام مخصوص ؟ أو عام أريد به الخصوص ؟ والله أعلم والفرق بينهما : أن الذي أريد به الخصوص ويكون المراد فيه متقدما على اللفظ ، ويكون ما ليس بمراد متأخرا . والعام المخصوص يكون متأخرا عن اللفظ أو مقارنا ، ويكون المراد باللفظ أكثر مما ليس بمراد ، ذكر ذلك بيع الرطب بالتمر الماوردي ، وأطلق على العام المخصوص : أنه أريد به العموم ، ولا يرد عليه أنه متى أريد عمومه كان الإخراج بعد ذلك نسخا لأن المراد إرادة العموم باللفظ ، ثم الإخراج منه ، كما يقول : له علي عشرة إلا ثلاثة ، فإن العشرة مرادة ، وليس كقولك سبعة على المشهور والله أعلم .
وأشار الجوري إلى أن قول لم يقصد بالنهي قصدها أنها ليست داخلة في المزابنة يعني ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ما قاله الشافعي فإنه صرح مع ذلك أنها داخلة ، وقال في باب آخر من الأم أيضا : [ ص: 340 ] إنها - يعني المزابنة - جملة عامة المخرج أريد به الخصوص ، ويحتمل أن يكون التردد المذكور في كلام الشافعي في أن الرخصة هل وردت مع النهي عن المزابنة على سبيل الاستثناء ؟ ووردت وحدها بغير ذلك كما سنذكر في ذلك احتمالين للأصحاب ، وعلى ذلك حمله الشافعي ابن الرفعة ، وعلى ذلك يدل كلامه في الرسالة ، فإنه قال : إن أولى الوجهين عنده أن يكون أراد به ما سوى العرايا وأنه يحتمل أن يكون رخص فيما بعد دخولها في جملة النهي ، وإن كان مراد ذلك فلعله لم يبلغه حديث الشافعي زيد الثابت في أن الرخصة كانت بعد ذلك . وقد قال مسلم : إن أولى الوجهين عنده أن يكون ما نهى عنه جملة أراد به ما سوى العرايا ، وحديث الشافعي زيد يقتضي أن يكون الثاني هو الأولى ، بل المتعين وعلى ما حملته عليه لا يدفعه حديث زيد ، لأنه تكون الرخصة بعد ذلك مبينة للعام المتقدم ، وقد أعاد الكلام في ذلك في اختلاف الحديث ، وهو في الجزء السادس عشر من الأم في باب بيع الرطب من الطعام باليابس ، وجزم القول بأن المزابنة من العام الذي يراد به الخاص ، والعرايا لم تدخل في نهيه ، يعني لم تدخل في الإرادة ، وجزم هناك بأنه لا يجوز إلا أقل من خمسة أوسق وأن الزائد منعه من مفهوم الحديث والتوقيت فيه ، قال : ولو قال قائل : هو داخل في المزابنة لكان مذهبا يصح عندنا . الشافعي
واعتلت الحنفية بأمور ( منها ) حمل العرية على الهبة كما هو التفسير الثاني الذي يدل عليه شعر شاعر الأنصار ، قالوا : فكأنه رخص لمن ، وسماه بيعا لأن ما دفع إليه من التمر كالعوض عما وهب به ، فتحمل العرية على الحقيقة والبيع على المجاز ، واختلفوا على هذا في الرخصة ، فقيل : إنها عائدة إلى المعري لأنه وعد فأخلف قال وهب ثمر نخلة لرجل ولم يقبض أن يعطيه عوض ذلك تمرا ، ويرجع فيها الدينيني الحنفي : يعزى ذلك إلى ، وقيل : إنها عائدة إلى المعرى ، لأنه أخذ العوض عما لم يملكه ، قالوا : وأنتم تحملون البيع على الحقيقة والعرية على المجاز ، وهذا ممنوع لأنه تقدم أن للعرية تفسيرين ، فلا مجاز ، ولو سلم لوجب حمله على ما قلناه كما دل عليه كلام عيسى بن أبان وقاله الشافعي المصنف في النكت لوجوه : [ ص: 341 ] أحدها ) أن المنهي عنه في أول الجزء البيع فيجب أن يكون المستثنى أيضا بيعا .
( والثاني ) أن الرخصة لا تكون إلا عن حظر والحظر في البيع لا في الرجوع في الهبة ( والثالث ) أنه قدر بخمسة أوسق وما قالوه لا يختص ( والرابع ) ما تقدم من حديث ، واعتلوا أيضا بأنه إذا لم يجز البيع بالخرص وهو على الأرض فعلى النخل أولى ، لأنه أقرب إلى الغرر . محمود بن لبيد
( وأجاب ) المصنف في النكت بأنه مما تدعو الحاجة إليه وفي الأرض لا تدعو الحاجة إليه لأنه لا يمكنه أن يأكل الرطب مع الناس ، وقد يجوز مع كثرة الغرر للحاجة إليه وما لا يجوز مع قلة الغرر لعدم الحاجة ، كما قال في السلم المؤجل : يجوز مع كثرة الغرر ، ولا يجوز الحال مع قلة الغرر ، وقال الشيخ : " ولأن في الأرض لم يجعل الخرص طريقا لمعرفة المقدار ، وفي الشجر جعل الخرص طريقة لمعرفة المقدار ، ويعرف منها التساوي في حال الادخار " وهذا الجواب من المصنف يقتضي أنه قائل بأنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر في الأرض فيما دون خمسة أوسق ، وهو الصحيح من المذهب ، وفيه خلاف تقدم عن صاحب التتمة ، وسأذكره إن شاء الله تعالى ، واعتلوا أيضا بأن ذلك كان قبل تحريم الربا ، ويبطله استثناؤها من المزابنة ، وهذا يدل على أنه بعد تحريم الربا ، ولأنه لو كان كذلك لم يحتج إلى الخرص واعتلوا أيضا بأمور أخر لا متعلق لهم بها . " وأما رحمه الله تعالى فهو - وإن وافق على مقتضى الحديث - يفسر العرايا بتفسير أخص مما يقوله مالك : وهو أن يهب الرجل الرجل تمر نخلة أو نخلات ثم يتضرر بمداخلة الموهوب له ، فيشتريها بخرصها تمرا ، وهذه الصورة عندنا من جملة العرايا ، لكن الخلاف معه في قصرها على ذلك فقال : إنه لا يجوز بيعها من غير صاحب البستان إلا بعرض أو نقد ، ونحن نقول : يجوز ، وقال : إنه يجوز ذلك نسيئة وزاد حتى قال : لا يجوز نقدا على ما حكي عنه ، وعلى هذا لا تبقى صورة في العرايا يحصل فيها اتفاق [ ص: 342 ] بيننا وبينه لأن ما دون خمسة أوسق نجيزه نحن نقدا ولا نجيزه نسيئا ، وهو لا يجيزه ويجيزه نسئا في بعض الصور ، وجوز شراءها لمعريها ولورثته ، وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نخلة أصلها لغيره في حائطه ، قال : وليس بقياس ولكنه موضع تخفيف ونقل الشافعي الماوردي عنه أنه يجوز ذلك جبرا ، ويجريه مجرى الشفعة خوفا من سوء المشاركة .
واختلفت المالكية في علة الجواب في منعها من المعرى فقيل : لوجهين ، إما لدفع ضرر دخوله وخروجه أو لمرفق في الكفاية وقال بعض كبار أصحاب رحمه الله : لا يجوز إلا لدفع الضرر خاصة ، وأنه إذا أعرى خمسة أوسق أو دونها لم يجز أن يشتري بعض عريته لأن الضرر الذي أرخص به قائم ، قاله في تهذيبهم ، قال مالك في اختلاف الحديث : ووافقنا بعض أصحابنا في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال : لا تباع إلا من صاحبها الذي أعراها إذا تأذى بدخول الرجل عليه بتمر إلى الجذاذ ، قال الشافعي رضي الله عنه : كما عليه أجلها فتحل لكل مشتر ولا أحرمها فنقول قول من حرمها ، وزاد فقال : تباع بتمر نسيئة ، والنسيئة عنده في الطعام حرام ، وزاد أن أجلها إلى الجذاذ فجعل الطعام بالطعام إلى أجل وإلى أجل مجهول لأن الجذاذ مجهول . واحتج المنتصرون الشافعي رحمه الله في تفسير العرية بذلك بقول لمالك : " كانت العرايا أن يعري الرجل في ماله النخلة والنخلتين " رواه ابن عمر تعليقا عن البخاري وقال محمد بن إسحاق : وقال البخاري يزيد عن العرايا : نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها ، رخص لهم أن يبيعوا بما شاءوا من التمر ، وبشعر شاعر سفيان بن حسين الأنصار المتقدم ( قلت ) وقد وجدت لهم ما هو أولى بأن يتعلقوا به فمن ذلك الحديث الذي تقدم قريبا عن معجم عن الطبراني قال : " { زيد بن ثابت } وليس فيه دليل لأنه لم يخص أن الواهب هو الذي يبتاع كما تقدم وكما سنذكره إن شاء الله تعالى ، قال الإمام رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمراأبو الفتح بن دقيق العيد : [ ص: 343 ] ويشهد لتأويل أمران ( أحدهما ) أن العرية مشهورة بين أهل المدينة متداولة بينهم وقد نقلها مالك هكذا ( والثاني ) قوله : " رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها " فإنه يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره ، وهي الهبة الواقعة . مالك
( قلت ) أما الأول فإنه معارض بقول الأنصاري أحد شيوخ يحيى بن سعيد ، وهو أيضا مدني عالم . ففي صحيح مالك عن مسلم أنه قال : العرية أن يشتري الرجل تمر النخلات بطعام أهله رطبا بخرصها تمرا ، وهذا هو قولنا ، وأما الثاني فإن الهبة هي التي يتميز بها عن غيره مختصة بمشتري العرية لا ببائعها ، فلو كان كذلك لقال : رخص لصاحب العرية أن يشتريها ، والحديث إنما قال أن يبيعها وأما قول يحيى بن سعيد وحديث ابن عمر الذي ذكرته له فليس فيه ما يدفع قولنا ، ونحن نسلم أن العرية كانت تطلق على ذلك لأن الاشتقاق حاصل فيها وهو كونها مفردة وأكثر ما كان يقع الإفراد بذلك السبب ، ولذلك جاءت الرخصة لأصحاب العرايا على ما هو الغالب ، ولكنه لم يقل أن يبيعها من معريها بل أطلق فيبقى على إطلاقه ، وله أن يبيعها ممن شاء ولهذا في حديث زيد بن ثابت سهل بن أبي حثمة الذي في صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم { مسلم } " فقوله : أهل البيت مطلق ، وليس في شيء من الأحاديث الواردة في ذلك أن ذلك يختص ببيعها من المعري ، فيتعين أن يكون جواز البيع مطلقا من كل أحد ولا يضرنا أن نسلم أن أصحاب العرايا هم الذين وهبت لهم النخلات ووردت الرخصة لهم في البيع . أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا
( فإن قلت ) فعلى هذا لا تكون الرخصة للبائع ، والظاهر من حديث زيد وغيره أن الرخصة للمشتري الذي لا نقد بيده ، رخص له أن يشتري الرطب لحاجته إليه بالتمر ( قلت ) : الرخصة لكل منهما رخص للمشتري أن يشتري كذلك ، ورخص للبائع أن يبيع ، لأنه كان ممنوعا قبل ذلك من بيع الرطب بالتمر ، وسبب الرخصة في حقه أمران : [ ص: 344 ] أحدهما ) حاجة المشتري إليه وهو الذي لا رطب عنده أعني الذي تقتضي العادة أنه يطلب شراء الرطب ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " يأكلونها رطبا " .
( والثاني ) أن أصحاب العرايا هم المساكين الذين وهبت منهم ، وظاهر حالهم الحاجة ، وقد لا تصبر النفس على أكل الرطب دائما ، وتطلب التمر الذي هو القوت المعتاد عندهم ، ولا كذلك أصحاب النخيل الذين ليسوا من المساكين ، فإنهم مستغنون عن البيع في الحال جملة وظاهر حالهم الغنى عن شراء الرطب والتمر معا ، فلذلك - والله أعلم - وردت الرخصة في حق أصحاب العرايا لأنهم مظنة البيع ، لا لأن فيهم معنى مصححا للبيع ليس في غيرهم ، فأصحاب العرايا هم البائعون . والمشترى لم يرد في شيء من الأحاديث فيه تقييد إلا في حديث عن محمود بن لبيد زيد من ذكر المحاويج ، وليس أولئك بمقصودين بأصحاب العرايا والله أعلم .
ومما يبعد ما ذهبت إليه المالكية أنه لو كان الرخصة في ذلك لأجل ضرر المداخلة لم تفترق الحال بين خمسة أوسق وما فوقها ، وقد سلمت المالكية اختصاصها بالخمسة الأوسق كما في الحديث ، والله أعلم واشترط من الحنبلية كون العرية موهوبة من بائعها ، كما قاله الخرقي ، والظاهر عندهم خلافه والله أعلم وقد جمع مالك الماوردي مرجحات المذهب في خمسة أوجه : استثناؤها عن المزابنة ، وإثباتها بلفظ الرخصة المشعر بتقدم الحظر ، وبلفظ البيع المقتضي عوضها ، واعتبار المساواة بالخرص ، وتقديرها بقدر مخصوص ، وبسط ذلك معلوم مما تقدم . قال : والمسألة مبنية على السنة ولا قياس فيها يتعول عليه ، وقد أفاد كلام القاضي أبو الطيب المصنف في التصوير شروطا كلها موجودة في مختصر : ( أحدها ) أن يخرص ما على النخيل من الرطب ، أي رطبا ، ويخرص ما يجيء منه إذا جف فيأتي المتبايعان إلى النخل ويحزرانها ويقولان : فيها [ ص: 345 ] الآن وهي رطب ستة أوسق مثلا ، وإذا يبست وجفت صارت أربعة أوسق ، فتباع بأربعة أوسق تمرا فإن زاده على الأربعة مدا أو نقصه مدا لم يجز لظهور التفاضل ، ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق . فأما خرصه رطبا فلا بد منه ، وإن خرص ما يجيء منه جافا فسيأتي فيه شيء عن المزني في الشرط الثالث مما نحن نتكلم فيه إن شاء الله تعالى في كيفية الخرص مستوفى من باب زكاة النبات . أحمد
( الثاني ) أن يكون الثمن الذي يباع به معلوما بالكيل ، لقوله : ثم يبيع ذاك بقدره وهذا لا خلاف فيه عند القائلين بإباحة بيع العرايا ، ومستنده حديث رضي الله عنه " { زيد بن ثابت } " هذا لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا البخاري جميعا ، قال ومسلم : " وقال البخاري ابن إدريس : لا يكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد ، لا يكون بالجزاف ، ومما يقويه قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة " هذا لفظ ، يريد بذلك أن الأوسق لا تكون إلا كيلا ، ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين ، سقط في أحدهما للتعذر ، فيجب في الآخر على الأصل ، وإن ترك الكيل من الطرفين بكثرة الغرر ، وفي تركه من أحدهما تقليل الغرر ، ولا حاجة إلى التطويل في ذلك فإنه لا خلاف فيه ، فلا يجوز بيع تمر جزافا ، وقد صرح بذلك البخاري في الأم ، الشافعي والروياني في البحر . وابن إدريس الذي نقل عنه هو البخاري ، وعلى ذهني أن بعضهم قال : إنه عبد الله بن إدريس الأودي ، ولم يحضرني موضعه الآن ، والمشهور الأول . الشافعي
( الثالث ) أن يكون البيع بقدر ما يجيء منه تمرا ، ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق كما تقدم تمثيله ، وهذا هو المشهور عند القائلين بالعرايا ، ونقل عن حنبل أنه قال بخرصها رطبا ، ويعطى تمرا خرصه قال أحمد منهم : وهذا يحتمل الأول ، أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها ، لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه ، فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ، ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال ، وأن لا يباع الرطب بالتمر ، خولف [ ص: 346 ] الأصل في بيع الرطب بالتمر ، فبقي ما عداه على قصة الدليل ، والصحيح عندهم خلاف هذا ، والجواب عن الدليلين المذكورين لا يخفى ، وعلى الاحتمال الآخر يكون خرصها تمرا لا حاجة إليه عندهم ، قال ابن قدامة والأول أصح لأنه مبني على خرص الثمار في العشر والصحيح ثم - خرصه تمرا . القاضي
( الرابع ) أن يتقابضا فمتى تفرقا قبل التقابض فسد العقد ، نص عليه رحمه الله تعالى والأصحاب من غير خلاف فيه ، والتقابض في التمر ظاهر بالكيل والنقل ( وأما ) في الرطب الذي على النخل فبالتخلية بين المشترى وبين النخلة ، هكذا نص الشافعي رحمه الله تعالى في الأم : وهذا المراد بقوله : وليسلم إليه قبل التفرق ، قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم : ولا يجوز البيع فيها حتى تقبض النخلة بثمرها ، ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله . ولا خلاف عندنا وعند الحنابلة في ذلك ، وقد تقدم من حكاية الشافعي وعن الشافعي جواز ذلك إلى الجذاذ وبحثه في ذلك كاف . واستشكل مالك ابن الرفعة الاكتفاء بالتخلية إذا قلنا بالقديم ، وهو أن الثمرة تكون من ضمان البائع إلى أن [ يحين ] القطع ، ولا يشترط حضور التمر عند تمر النخيل ، بل لو تبايعا بعد رؤية التمر والثمرة ثم خلي بينه وبين الثمرة ، ثم مشيا إلى التمر فسلمه جاز ، قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي والبغوي ، قال الرافعي : ويشترط في هذه المدة أن لا يفترقا ، قال الماوردي : فإذا افترقا لزمت العرية ، ولا خيار ، ثم للمشتري بعد ذلك أن يجتني ثمرة النخلة حالا بعد حال عند إدراكها .
[ ص: 338 ] ووردت العرايا على خلافه ، سمي ذلك رخصة ، والخرص بكسر الخاء نص عليه ابن فارس والمراد منه المخروص وأما الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحزر يقال خرص العبد يخرصه ويخرصه بضم الراء وكسرها في المضارع خرصا وخرصا بالفتح والكسر حزره قاله ابن سيده ثم قال : وقيل : الخرص المصدر والخرص الاسم ، والخراص الحزار . وأما حكم المسألة فذلك مما لا خلاف فيه في المذهب ، وهو مذهب أكثر أهل العلم منهم وأهل المدينة مالك والأوزاعي وأهل الشام وأحمد وإسحاق وأبو عبيدة ومن تبعهم من أهل العلم ، كلهم ذهبوا إلى أن ذلك جائز ، وجعلوه مستثنى من جهة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر وعن بيع الرطب بالتمر ، كذلك قال وداود ، وخالف في ذلك ابن المنذر وأصحابه ، أبو حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك بعض مخالفة سأذكرها إن شاء الله تعالى . قال ولمالك رحمه الله تعالى في كتاب اختلاف الحديث وهو في الجزء السادس عشر من الأم : " خالفونا معا في العرايا فقالوا : لا نجيز بيعها وقالوا : نرد إجازة بيعها بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ونهيه عن الرطب بالتمر ، وهي داخلة في المعنيين قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقيل لبعض من قال هذا منهم : فإن أجاز إنسان الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز بيع المزابنة بالعرايا قال : ليس ذلك له ، قلنا : هل الحجة عليه إلا كهي عليكم في أن يطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحل ما أحل ويحرم ما حرم " وبحث بيع العرايا رحمه الله تعالى في ذلك إلى أن قال : قال : " فكيف تقول ؟ الشافعي قلت : أحل ما أحل من بيع العرايا وأحرم ما حرم من بيع المزابنة ، وبيع الرطب بالتمر عن العرايا ، وأزعم أن لم يرد بما [ ص: 339 ] حرم ما أحل ولا بما أحل ما حرم فأطيعه في الأمرين ، وما علمتك إلا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى النهي عن المزابنة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم هاهنا موضع ، فنقول : الحديثان مختلفان " انتهى كلام رحمه الله تعالى . الشافعي
وقال في الإملاء : " فلا موضع للتوهم في أن يكون أحد الأمرين قبل الآخر فيقال : أحدهما ناسخ يعني لأن رواة أحدهما هم رواة الآخر " . وقال في كتاب البيوع من الأم ما ملخصه : " إن العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر والمزابنة ، وذلك منهي عنه ، وخارجة منه منفردة ، بخلاف حكمه ، إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه " وكأن رحمه الله تعالى أشار بهذا التأويل في كلامه إلى النهي عن الشافعي ، وعن المزابنة هل هو عام مخصوص ؟ أو عام أريد به الخصوص ؟ والله أعلم والفرق بينهما : أن الذي أريد به الخصوص ويكون المراد فيه متقدما على اللفظ ، ويكون ما ليس بمراد متأخرا . والعام المخصوص يكون متأخرا عن اللفظ أو مقارنا ، ويكون المراد باللفظ أكثر مما ليس بمراد ، ذكر ذلك بيع الرطب بالتمر الماوردي ، وأطلق على العام المخصوص : أنه أريد به العموم ، ولا يرد عليه أنه متى أريد عمومه كان الإخراج بعد ذلك نسخا لأن المراد إرادة العموم باللفظ ، ثم الإخراج منه ، كما يقول : له علي عشرة إلا ثلاثة ، فإن العشرة مرادة ، وليس كقولك سبعة على المشهور والله أعلم .
وأشار الجوري إلى أن قول لم يقصد بالنهي قصدها أنها ليست داخلة في المزابنة يعني ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ما قاله الشافعي فإنه صرح مع ذلك أنها داخلة ، وقال في باب آخر من الأم أيضا : [ ص: 340 ] إنها - يعني المزابنة - جملة عامة المخرج أريد به الخصوص ، ويحتمل أن يكون التردد المذكور في كلام الشافعي في أن الرخصة هل وردت مع النهي عن المزابنة على سبيل الاستثناء ؟ ووردت وحدها بغير ذلك كما سنذكر في ذلك احتمالين للأصحاب ، وعلى ذلك حمله الشافعي ابن الرفعة ، وعلى ذلك يدل كلامه في الرسالة ، فإنه قال : إن أولى الوجهين عنده أن يكون أراد به ما سوى العرايا وأنه يحتمل أن يكون رخص فيما بعد دخولها في جملة النهي ، وإن كان مراد ذلك فلعله لم يبلغه حديث الشافعي زيد الثابت في أن الرخصة كانت بعد ذلك . وقد قال مسلم : إن أولى الوجهين عنده أن يكون ما نهى عنه جملة أراد به ما سوى العرايا ، وحديث الشافعي زيد يقتضي أن يكون الثاني هو الأولى ، بل المتعين وعلى ما حملته عليه لا يدفعه حديث زيد ، لأنه تكون الرخصة بعد ذلك مبينة للعام المتقدم ، وقد أعاد الكلام في ذلك في اختلاف الحديث ، وهو في الجزء السادس عشر من الأم في باب بيع الرطب من الطعام باليابس ، وجزم القول بأن المزابنة من العام الذي يراد به الخاص ، والعرايا لم تدخل في نهيه ، يعني لم تدخل في الإرادة ، وجزم هناك بأنه لا يجوز إلا أقل من خمسة أوسق وأن الزائد منعه من مفهوم الحديث والتوقيت فيه ، قال : ولو قال قائل : هو داخل في المزابنة لكان مذهبا يصح عندنا . الشافعي
واعتلت الحنفية بأمور ( منها ) حمل العرية على الهبة كما هو التفسير الثاني الذي يدل عليه شعر شاعر الأنصار ، قالوا : فكأنه رخص لمن ، وسماه بيعا لأن ما دفع إليه من التمر كالعوض عما وهب به ، فتحمل العرية على الحقيقة والبيع على المجاز ، واختلفوا على هذا في الرخصة ، فقيل : إنها عائدة إلى المعري لأنه وعد فأخلف قال وهب ثمر نخلة لرجل ولم يقبض أن يعطيه عوض ذلك تمرا ، ويرجع فيها الدينيني الحنفي : يعزى ذلك إلى ، وقيل : إنها عائدة إلى المعرى ، لأنه أخذ العوض عما لم يملكه ، قالوا : وأنتم تحملون البيع على الحقيقة والعرية على المجاز ، وهذا ممنوع لأنه تقدم أن للعرية تفسيرين ، فلا مجاز ، ولو سلم لوجب حمله على ما قلناه كما دل عليه كلام عيسى بن أبان وقاله الشافعي المصنف في النكت لوجوه : [ ص: 341 ] أحدها ) أن المنهي عنه في أول الجزء البيع فيجب أن يكون المستثنى أيضا بيعا .
( والثاني ) أن الرخصة لا تكون إلا عن حظر والحظر في البيع لا في الرجوع في الهبة ( والثالث ) أنه قدر بخمسة أوسق وما قالوه لا يختص ( والرابع ) ما تقدم من حديث ، واعتلوا أيضا بأنه إذا لم يجز البيع بالخرص وهو على الأرض فعلى النخل أولى ، لأنه أقرب إلى الغرر . محمود بن لبيد
( وأجاب ) المصنف في النكت بأنه مما تدعو الحاجة إليه وفي الأرض لا تدعو الحاجة إليه لأنه لا يمكنه أن يأكل الرطب مع الناس ، وقد يجوز مع كثرة الغرر للحاجة إليه وما لا يجوز مع قلة الغرر لعدم الحاجة ، كما قال في السلم المؤجل : يجوز مع كثرة الغرر ، ولا يجوز الحال مع قلة الغرر ، وقال الشيخ : " ولأن في الأرض لم يجعل الخرص طريقا لمعرفة المقدار ، وفي الشجر جعل الخرص طريقة لمعرفة المقدار ، ويعرف منها التساوي في حال الادخار " وهذا الجواب من المصنف يقتضي أنه قائل بأنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر في الأرض فيما دون خمسة أوسق ، وهو الصحيح من المذهب ، وفيه خلاف تقدم عن صاحب التتمة ، وسأذكره إن شاء الله تعالى ، واعتلوا أيضا بأن ذلك كان قبل تحريم الربا ، ويبطله استثناؤها من المزابنة ، وهذا يدل على أنه بعد تحريم الربا ، ولأنه لو كان كذلك لم يحتج إلى الخرص واعتلوا أيضا بأمور أخر لا متعلق لهم بها . " وأما رحمه الله تعالى فهو - وإن وافق على مقتضى الحديث - يفسر العرايا بتفسير أخص مما يقوله مالك : وهو أن يهب الرجل الرجل تمر نخلة أو نخلات ثم يتضرر بمداخلة الموهوب له ، فيشتريها بخرصها تمرا ، وهذه الصورة عندنا من جملة العرايا ، لكن الخلاف معه في قصرها على ذلك فقال : إنه لا يجوز بيعها من غير صاحب البستان إلا بعرض أو نقد ، ونحن نقول : يجوز ، وقال : إنه يجوز ذلك نسيئة وزاد حتى قال : لا يجوز نقدا على ما حكي عنه ، وعلى هذا لا تبقى صورة في العرايا يحصل فيها اتفاق [ ص: 342 ] بيننا وبينه لأن ما دون خمسة أوسق نجيزه نحن نقدا ولا نجيزه نسيئا ، وهو لا يجيزه ويجيزه نسئا في بعض الصور ، وجوز شراءها لمعريها ولورثته ، وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نخلة أصلها لغيره في حائطه ، قال : وليس بقياس ولكنه موضع تخفيف ونقل الشافعي الماوردي عنه أنه يجوز ذلك جبرا ، ويجريه مجرى الشفعة خوفا من سوء المشاركة .
واختلفت المالكية في علة الجواب في منعها من المعرى فقيل : لوجهين ، إما لدفع ضرر دخوله وخروجه أو لمرفق في الكفاية وقال بعض كبار أصحاب رحمه الله : لا يجوز إلا لدفع الضرر خاصة ، وأنه إذا أعرى خمسة أوسق أو دونها لم يجز أن يشتري بعض عريته لأن الضرر الذي أرخص به قائم ، قاله في تهذيبهم ، قال مالك في اختلاف الحديث : ووافقنا بعض أصحابنا في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال : لا تباع إلا من صاحبها الذي أعراها إذا تأذى بدخول الرجل عليه بتمر إلى الجذاذ ، قال الشافعي رضي الله عنه : كما عليه أجلها فتحل لكل مشتر ولا أحرمها فنقول قول من حرمها ، وزاد فقال : تباع بتمر نسيئة ، والنسيئة عنده في الطعام حرام ، وزاد أن أجلها إلى الجذاذ فجعل الطعام بالطعام إلى أجل وإلى أجل مجهول لأن الجذاذ مجهول . واحتج المنتصرون الشافعي رحمه الله في تفسير العرية بذلك بقول لمالك : " كانت العرايا أن يعري الرجل في ماله النخلة والنخلتين " رواه ابن عمر تعليقا عن البخاري وقال محمد بن إسحاق : وقال البخاري يزيد عن العرايا : نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها ، رخص لهم أن يبيعوا بما شاءوا من التمر ، وبشعر شاعر سفيان بن حسين الأنصار المتقدم ( قلت ) وقد وجدت لهم ما هو أولى بأن يتعلقوا به فمن ذلك الحديث الذي تقدم قريبا عن معجم عن الطبراني قال : " { زيد بن ثابت } وليس فيه دليل لأنه لم يخص أن الواهب هو الذي يبتاع كما تقدم وكما سنذكره إن شاء الله تعالى ، قال الإمام رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمراأبو الفتح بن دقيق العيد : [ ص: 343 ] ويشهد لتأويل أمران ( أحدهما ) أن العرية مشهورة بين أهل المدينة متداولة بينهم وقد نقلها مالك هكذا ( والثاني ) قوله : " رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها " فإنه يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره ، وهي الهبة الواقعة . مالك
( قلت ) أما الأول فإنه معارض بقول الأنصاري أحد شيوخ يحيى بن سعيد ، وهو أيضا مدني عالم . ففي صحيح مالك عن مسلم أنه قال : العرية أن يشتري الرجل تمر النخلات بطعام أهله رطبا بخرصها تمرا ، وهذا هو قولنا ، وأما الثاني فإن الهبة هي التي يتميز بها عن غيره مختصة بمشتري العرية لا ببائعها ، فلو كان كذلك لقال : رخص لصاحب العرية أن يشتريها ، والحديث إنما قال أن يبيعها وأما قول يحيى بن سعيد وحديث ابن عمر الذي ذكرته له فليس فيه ما يدفع قولنا ، ونحن نسلم أن العرية كانت تطلق على ذلك لأن الاشتقاق حاصل فيها وهو كونها مفردة وأكثر ما كان يقع الإفراد بذلك السبب ، ولذلك جاءت الرخصة لأصحاب العرايا على ما هو الغالب ، ولكنه لم يقل أن يبيعها من معريها بل أطلق فيبقى على إطلاقه ، وله أن يبيعها ممن شاء ولهذا في حديث زيد بن ثابت سهل بن أبي حثمة الذي في صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم { مسلم } " فقوله : أهل البيت مطلق ، وليس في شيء من الأحاديث الواردة في ذلك أن ذلك يختص ببيعها من المعري ، فيتعين أن يكون جواز البيع مطلقا من كل أحد ولا يضرنا أن نسلم أن أصحاب العرايا هم الذين وهبت لهم النخلات ووردت الرخصة لهم في البيع . أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا
( فإن قلت ) فعلى هذا لا تكون الرخصة للبائع ، والظاهر من حديث زيد وغيره أن الرخصة للمشتري الذي لا نقد بيده ، رخص له أن يشتري الرطب لحاجته إليه بالتمر ( قلت ) : الرخصة لكل منهما رخص للمشتري أن يشتري كذلك ، ورخص للبائع أن يبيع ، لأنه كان ممنوعا قبل ذلك من بيع الرطب بالتمر ، وسبب الرخصة في حقه أمران : [ ص: 344 ] أحدهما ) حاجة المشتري إليه وهو الذي لا رطب عنده أعني الذي تقتضي العادة أنه يطلب شراء الرطب ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " يأكلونها رطبا " .
( والثاني ) أن أصحاب العرايا هم المساكين الذين وهبت منهم ، وظاهر حالهم الحاجة ، وقد لا تصبر النفس على أكل الرطب دائما ، وتطلب التمر الذي هو القوت المعتاد عندهم ، ولا كذلك أصحاب النخيل الذين ليسوا من المساكين ، فإنهم مستغنون عن البيع في الحال جملة وظاهر حالهم الغنى عن شراء الرطب والتمر معا ، فلذلك - والله أعلم - وردت الرخصة في حق أصحاب العرايا لأنهم مظنة البيع ، لا لأن فيهم معنى مصححا للبيع ليس في غيرهم ، فأصحاب العرايا هم البائعون . والمشترى لم يرد في شيء من الأحاديث فيه تقييد إلا في حديث عن محمود بن لبيد زيد من ذكر المحاويج ، وليس أولئك بمقصودين بأصحاب العرايا والله أعلم .
ومما يبعد ما ذهبت إليه المالكية أنه لو كان الرخصة في ذلك لأجل ضرر المداخلة لم تفترق الحال بين خمسة أوسق وما فوقها ، وقد سلمت المالكية اختصاصها بالخمسة الأوسق كما في الحديث ، والله أعلم واشترط من الحنبلية كون العرية موهوبة من بائعها ، كما قاله الخرقي ، والظاهر عندهم خلافه والله أعلم وقد جمع مالك الماوردي مرجحات المذهب في خمسة أوجه : استثناؤها عن المزابنة ، وإثباتها بلفظ الرخصة المشعر بتقدم الحظر ، وبلفظ البيع المقتضي عوضها ، واعتبار المساواة بالخرص ، وتقديرها بقدر مخصوص ، وبسط ذلك معلوم مما تقدم . قال : والمسألة مبنية على السنة ولا قياس فيها يتعول عليه ، وقد أفاد كلام القاضي أبو الطيب المصنف في التصوير شروطا كلها موجودة في مختصر : ( أحدها ) أن يخرص ما على النخيل من الرطب ، أي رطبا ، ويخرص ما يجيء منه إذا جف فيأتي المتبايعان إلى النخل ويحزرانها ويقولان : فيها [ ص: 345 ] الآن وهي رطب ستة أوسق مثلا ، وإذا يبست وجفت صارت أربعة أوسق ، فتباع بأربعة أوسق تمرا فإن زاده على الأربعة مدا أو نقصه مدا لم يجز لظهور التفاضل ، ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق . فأما خرصه رطبا فلا بد منه ، وإن خرص ما يجيء منه جافا فسيأتي فيه شيء عن المزني في الشرط الثالث مما نحن نتكلم فيه إن شاء الله تعالى في كيفية الخرص مستوفى من باب زكاة النبات . أحمد
( الثاني ) أن يكون الثمن الذي يباع به معلوما بالكيل ، لقوله : ثم يبيع ذاك بقدره وهذا لا خلاف فيه عند القائلين بإباحة بيع العرايا ، ومستنده حديث رضي الله عنه " { زيد بن ثابت } " هذا لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا البخاري جميعا ، قال ومسلم : " وقال البخاري ابن إدريس : لا يكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد ، لا يكون بالجزاف ، ومما يقويه قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة " هذا لفظ ، يريد بذلك أن الأوسق لا تكون إلا كيلا ، ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين ، سقط في أحدهما للتعذر ، فيجب في الآخر على الأصل ، وإن ترك الكيل من الطرفين بكثرة الغرر ، وفي تركه من أحدهما تقليل الغرر ، ولا حاجة إلى التطويل في ذلك فإنه لا خلاف فيه ، فلا يجوز بيع تمر جزافا ، وقد صرح بذلك البخاري في الأم ، الشافعي والروياني في البحر . وابن إدريس الذي نقل عنه هو البخاري ، وعلى ذهني أن بعضهم قال : إنه عبد الله بن إدريس الأودي ، ولم يحضرني موضعه الآن ، والمشهور الأول . الشافعي
( الثالث ) أن يكون البيع بقدر ما يجيء منه تمرا ، ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق كما تقدم تمثيله ، وهذا هو المشهور عند القائلين بالعرايا ، ونقل عن حنبل أنه قال بخرصها رطبا ، ويعطى تمرا خرصه قال أحمد منهم : وهذا يحتمل الأول ، أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها ، لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه ، فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ، ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال ، وأن لا يباع الرطب بالتمر ، خولف [ ص: 346 ] الأصل في بيع الرطب بالتمر ، فبقي ما عداه على قصة الدليل ، والصحيح عندهم خلاف هذا ، والجواب عن الدليلين المذكورين لا يخفى ، وعلى الاحتمال الآخر يكون خرصها تمرا لا حاجة إليه عندهم ، قال ابن قدامة والأول أصح لأنه مبني على خرص الثمار في العشر والصحيح ثم - خرصه تمرا . القاضي
( الرابع ) أن يتقابضا فمتى تفرقا قبل التقابض فسد العقد ، نص عليه رحمه الله تعالى والأصحاب من غير خلاف فيه ، والتقابض في التمر ظاهر بالكيل والنقل ( وأما ) في الرطب الذي على النخل فبالتخلية بين المشترى وبين النخلة ، هكذا نص الشافعي رحمه الله تعالى في الأم : وهذا المراد بقوله : وليسلم إليه قبل التفرق ، قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم : ولا يجوز البيع فيها حتى تقبض النخلة بثمرها ، ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله . ولا خلاف عندنا وعند الحنابلة في ذلك ، وقد تقدم من حكاية الشافعي وعن الشافعي جواز ذلك إلى الجذاذ وبحثه في ذلك كاف . واستشكل مالك ابن الرفعة الاكتفاء بالتخلية إذا قلنا بالقديم ، وهو أن الثمرة تكون من ضمان البائع إلى أن [ يحين ] القطع ، ولا يشترط حضور التمر عند تمر النخيل ، بل لو تبايعا بعد رؤية التمر والثمرة ثم خلي بينه وبين الثمرة ، ثم مشيا إلى التمر فسلمه جاز ، قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي والبغوي ، قال الرافعي : ويشترط في هذه المدة أن لا يفترقا ، قال الماوردي : فإذا افترقا لزمت العرية ، ولا خيار ، ثم للمشتري بعد ذلك أن يجتني ثمرة النخلة حالا بعد حال عند إدراكها .
( فرع ) لو ؟ قال باع الرطب على الأرض بالتمر ، هل يجري حكم العرايا فيه فيصح في خمسة أوسق أو دونها المحاملي : لا خلاف على المذهب أنه لا يجوز ، لأن معنى العرايا لا يوجد فيه ، وبذلك جزم كثيرون ، وقد حكي في طريق المراوزة وجهان حكاهما الفوراني والمتولي والإمام ، وأما الزائد على الخمسة فلا يصح جزما ، وقد تقدم التنبيه على ذلك .
( فرع ) قال صاحب التتمة : إذا ، فإن أكل الرطب ولم يجففه فالعقد ماض على الصحة ، وإن جففه فكان بقدر التمر ، أو كان التفاوت بقدر ما بين الكيلين فالعقد نافذ ، وإن ظهر بينهما تفاوت ظاهر يحكم ببطلان العقد لظهور ما يوجب الفساد ، جزم بذلك اشترى الرطب بالتمر يعني في [ ص: 347 ] العرايا المتولي ولم يحك فيه خلافا ، وذكره صاحب البحر عن بعض أصحابنا كما في التتمة ، واقتصر عليه ، وكذلك في تعليق أنه قاله بعد السؤال في الدرس ، وفيه وجه أنه يصح من الكثير بقدر القليل ، ولمشتري الكثير الخيار ، حكاه القاضي حسين البغوي والرافعي .
( فروع ) ، فيقول : بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر ويصفه ، ويجوز أن يقع على معين ، فيكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول : بعتك هذا بهذا ، فإن باعه بمعين فقبضه بنقله ، وإن باعه بموصوف فقبضه باكتياله ، وأن لا يتفرقا قبل القبض ، قاله يجوز أن يقع العقد على الذمة المحاملي ، وهو مذهب أيضا . أحمد
( فرع ) قال رحمه الله تعالى : والجائحة في العرايا والبيع وغيرهما سواء . الشافعي
( فرع ) قال الماوردي والروياني : فنبه بذلك على اشتراط بدو - الصلاح وعلى أن حكم البسر حكم الرطب ، وقل من نبه عليه من الأصحاب ، وعلل لا تجوز العرية إلا فيما بدا صلاحه بسرا كان أو رطبا الروياني الأول بأنه وقت الحاجة ( وأما ) الثاني فلأن الحاجة إلى البسر كالرطب والله أعلم وقد تقدم عن الماوردي الخلاف في بيع الطلع بالتمر ، وذلك في غير العرايا ، فهذا الكلام من هنا يجب أن يكون تفريعا على القول بالمنع هناك ، ومتى جاز في غير العرايا جاز فيها بطريق أولى .
( فروع ) ، فيقول : بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر ويصفه ، ويجوز أن يقع على معين ، فيكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول : بعتك هذا بهذا ، فإن باعه بمعين فقبضه بنقله ، وإن باعه بموصوف فقبضه باكتياله ، وأن لا يتفرقا قبل القبض ، قاله يجوز أن يقع العقد على الذمة المحاملي ، وهو مذهب أيضا . أحمد
( فرع ) قال رحمه الله تعالى : والجائحة في العرايا والبيع وغيرهما سواء . الشافعي
( فرع ) قال الماوردي والروياني : فنبه بذلك على اشتراط بدو - الصلاح وعلى أن حكم البسر حكم الرطب ، وقل من نبه عليه من الأصحاب ، وعلل لا تجوز العرية إلا فيما بدا صلاحه بسرا كان أو رطبا الروياني الأول بأنه وقت الحاجة ( وأما ) الثاني فلأن الحاجة إلى البسر كالرطب والله أعلم وقد تقدم عن الماوردي الخلاف في بيع الطلع بالتمر ، وذلك في غير العرايا ، فهذا الكلام من هنا يجب أن يكون تفريعا على القول بالمنع هناك ، ومتى جاز في غير العرايا جاز فيها بطريق أولى .