الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أم لهم نصيب من الملك شروع في تفصيل بعض آخر من قبائحهم، و(أم) منقطعة فتقدر بـ(بل) والهمزة أي: بل آلهم، والمراد إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، وجحد لما تدعيه اليهود من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الجبائي أن المراد بالملك ها هنا النبوة، أي: ليس لهم نصيب من النبوة حتى يلزم الناس اتباعهم وإطاعتهم، والأول أظهر؛ لقوله تعالى شأنه: فإذا لا يؤتون الناس أي: أحدا، أو الفقراء، أو محمدا - صلى الله تعالى عليه وسلم – وأتباعه، كما روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - نقيرا أي: شيئا قليلا، وأصله ما أشرنا إليه آنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير، من طريق أبي العالية، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: هذا النقير، فوضع طرف الإبهام على باطن السبابة ثم نقرها، وحاصل المعنى على ما قيل: إنهم لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيبا منه لما أعطوا الناس أقل قليل منه، ومن حق من أوتي الملك الإيتاء، وهم ليسوا كذلك، فالفاء في (فإذا) للسببية والجزائية لشرط محذوف، هو: إن حصل لهم نصيب لا، لو كان لهم نصيب - كما قدره الزمخشري - لأن الفاء لا تقع في جواب لو، سيما مع إذا والمضارع، ويجوز أن تكون الفاء عاطفة، والهمزة لإنكار المجموع من المعطوف والمعطوف عليه، بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون هذا الذي [ ص: 57 ] وقع، وهو أنهم قد أوتوا نصيبا من الملك، حيث كانت لهم أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك، ويعقبه منهم البخل بأقل قليل، وفائدة (إذا) زيادة الإنكار والتوبيخ، حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب الإعطاء سببا للمنع، والفرق بين الوجهين أن الإنكار في الأول متوجه إلى الجملة الأولى وهو بمعنى إنكار الوقوع، وفي الثاني متوجه لمجموع الأمرين، وهو بمعنى إنكار الواقع، و(إذا) في الوجهين ملغاة ويجوز إعمالها؛ لأنه قد شرط في إعمالها الصدارة، فإذا نظر إلى كونها في صدر جملتها أعملت، وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت، ولذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم -: (فإذا لا يؤتوا الناس) بالنصب على الإعمال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية