الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 251 ] بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة التوبة

هذه السورة مدنية إلا آيتين: لقد جاءكم رسول إلى آخرها، وتسمى سورة التوبة، قاله حذيفة وغيره، وتسمى الفاضحة، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وتسمى الحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين، قال ابن عباس رضي الله عنهما: مازال ينزل: "ومنهم، ومنهم" حتى ظن أنه لا يبقى أحد، وقال حذيفة : هي سورة العذاب، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا ندعوها المقشقشة، قال الحارث بن يزيد: كانت تدعى المبعثرة، ويقال لها المثيرة، ويقال لها البحوث.

وقال أبو مالك الغفاري: أول آية نزلت من براءة انفروا خفافا وثقالا ، وقال سعيد بن جبير : كانت براءة مثل سورة البقرة في الطول.

واختلف -لم سقط سطر ( بسم الله الرحمن الرحيم ) من أولها- فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: أشبهت معانيها معاني الأنفال، وكانت تدعى القرينتين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك قرنت بينهما، ولم أكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ووضعتها في السبع الطول، وقال علي بن أبي طالب لابن عباس رضي الله عنهما: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أمان وبشارة، و"براءة" نزلت بالسيف ونبذ العهود، فلذلك لم تبدأ بالأمان.

[ ص: 252 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ويعزى هذا القول للمبرد وهو لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا كما يبدأ المخاطب الغاضب: "أما بعد"، دون تقريظ ولا استفتاح بتبجيل، وروي أن كتبة المصحف في مدة عثمان رضي الله عنه اختلفوا في الأنفال وبراءة، هل هي سورة واحدة أو هما سورتان؟ فتركوا فصلا بينهما مراعاة لقول من قال: هما سورتان، ولم يكتبوا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) مراعاة لقول من قال منهم: هما واحدة، فرضي جميعهم بذلك.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا القول يضعفه النظر أن يختلف في كتاب الله هكذا، وروي عن أبي بن كعب أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بوضع ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في أول كل سورة، ولم يأمرنا في هذا بشيء، فلذلك لم نضعه نحن، وروي عن مالك أنه قال: بلغنا أنها كانت نحو سورة البقرة ثم نسخ ورفع كثير منها وفيه البسملة، فلم يروا بعد أن يضعوه في غير موضعه.

وسورة براءة من آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى عمران بن جدير أن أعرابيا سمع سورة براءة فقال: أظن هذه من آخر ما أنزل الله على رسوله، فقيل له: لم تقول ذلك؟ فقال: أرى أشياء تنقض وعهودا تنبذ.

قوله عز وجل:

براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم

[ ص: 253 ] "براءة" رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره: هذه الآيات براءة، ويصح أن ترتفع بالابتداء والخبر في قوله: إلى الذين وجاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة فتعرفت تعريفا ما، وجاز الإخبار عنها، وقرأ عيسى بن عمر : "براءة" بالنصب على تقدير: الزموا براءة، ففيها معنى الإغراء. و براءة معناها: تخلص وتبرؤ من العهود التي بينكم وبين الكفار البادئين بالنقض، تقول: برئت إليك من كذا، فبرئ الله تعالى ورسوله بهذه الآية إلى الكفار من تلك العهود التي كانت ونقضها الكفار، وقرأ أهل نجران: "من الله" بكسر النون.

وهذه الآية حكم من الله عز وجل بنقض العهود والموادعات التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين طوائف المشركين الذين ظهر منهم أو تحسس من جهتهم نقض، ولما كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لازما لأمته حسن أن يقول: "عاهدتم" قال ابن إسحاق وغيره من العلماء: كانت العرب قد واثقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا عاما على أن لا يصد أحد عن البيت الحرام، ونحو ذلك من الموادعات، فنقض ذلك بهذه الآية، وأجل لجميعهم أربعة، فمن كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة الأشهر بلغ به تمامها، ومن كان أمده أكثر من أربعة أشهر أتم له عهده، إلا إن كان ممن تحسس منه نقض فإنه قصر على أربعة أشهر، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة الأشهر يسيح فيها في الأرض، أي يذهب مسرحا آمنا كالسيح من الماء وهو الجاري المنبسط، ومنه قول طرفة بن العبد:


لو خفت هذا منك ما نلتني ... حتى نرى خيلا أمامي تسيح



وهذا ينبئ عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشعر من الكفار نقضا وتربصا به إلا من الطائفة المستثناة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أول الأشهر الأربعة شوال وحينئذ نزلت الآية، وانقضاؤها عند انسلاخ الأشهر الحرم، وهو انقضاء المحرم بعد يوم الأذان [ ص: 254 ] بخمسين يوما، فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم نزول الآية، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

اعترض هذا بأن الأجل لا يلزم إلا من يوم سمع، ويحتمل أن البراءة قد كانت سمعت من أول شوال، ثم كرر إشهارها مع الأذان يوم الحج الأكبر، وقال السدي وغيره: بل أولها يوم الأذان وآخرها العشرون من ربيع الآخر، وهي الحرم، استعير لها الاسم بهذه الحرمة والأمن الخاص الذي رسمه الله وألزمه فيها، وهي أجل الجميع ممن له عهد وتحسس منه نقض، وممن لا عهد له.

وقال الضحاك وغيره من العلماء: "كان من العرب من لا عهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة، وكان منهم من بينه وبينهم عهد وتحسس منهم النقض، وكان منهم من بينه وبينهم عهد ولم ينقضوا، فقوله تعالى: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر هو أجل ضربه لمن كان بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقضه، وأول هذا الأجل يوم الأذان، وآخره انقضاء العشر الأول من ربيع الآخر، وقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين هو حكم مباين للأول حكم به في المشركين الذين لا عهد لهم البتة، فجاء أجل تأمينهم خمسين يوما، أولها يوم الأذان وآخرها انقضاء المحرم، وقوله: إلى الذين عاهدتم يريد به الذين لهم عهد ولم ينقضوا ولا تحسس منهم نقض، وهم -فيما روي- بنو ضمرة من كنانة ، عاهد لهم المحسر بن خويلد، وكان بقي من عهدهم يوم الأذان تسعة أشهر.

وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: إنما أجل الله أربعة أشهر من كان عهده ينصرم عند انقضائها أو قبله، والمعنى: فقل لهم يا محمد: سيحوا، وأما من كان له عهد يتمادى بعد الأربعة الأشهر، فهم الذين أمر الله لهم بالوفاء.

وقوله تعالى: واعلموا أنكم غير معجزي الله ، معناه: واعلموا أنكم لا تغلبون الله [ ص: 255 ] ولا تعجزونه هربا من عقابه، ثم أعلمهم بحكمه بخزي الكافرين، وذلك حتم إما في الدنيا وإما في الآخرة.

وقوله تعالى: وأذان من الله ورسوله إلى الناس الآية. و ( أذان ) معناه: إعلام وإشهار، و ( الناس ) هاهنا: عام في جميع الخلق، و ( يوم ) منصوب على الظرف، والعامل فيه ( أذان ) وإن كان قد وصف فإن رائحة الفعل باقية، وهي عاملة في الظرف، وقيل: لا يجوز ذلك إذ قد وصف المصدر فزالت عنه قوة الفعل، ويصح أن يعمل فيه فعل مضمر تقتضيه الألفاظ، وقيل: العامل فيه صفة الأذان، وقيل: العامل فيه "مخزي".

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا بعيد.

"ويوم الحج الأكبر" قال عمر ، وابن عمر ، وابن المسيب ، وغيرهم: هو يوم عرفة، وقال به علي رضي الله عنه ، وروي عنه أيضا أنه يوم النحر، وروي ذلك عن أبي هريرة وجماعة، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال منذر بن سعيد وغيره: كان الناس يوم عرفة مفترقين إذ كانت الحمس تقف بالمزدلفة. وكان الجمع يوم النحر بمنى، فلذلك كانوا يسمونه "الحج الأكبر" أي: من الأصغر الذي هم فيه مفترقون.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا زال في حجة أبي بكر رضي الله عنه لأنه لم يقف أحد بالمزدلفة، وقد ذكر المهدوي أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر رضي الله عنه، والذي تظاهرت به الأحاديث في هذا المعنى أن عليا رضي الله عنه أذن بتلك الآية يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر ، ثم رأى أنه لم يعلم الناس بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر، وفي ذلك اليوم بعث معه أبو بكر من يعينه بالأذان بها كأبي هريرة رضي الله عنه وغيره، وتتبعوا بها أيضا أسواق العرب كذي المجاز وغيره، فمن هنا يترجح قول سفيان : إن "يوم" في هذه الآية بمعنى أيام، بسبب ذلك قالت طائفة: يوم الحج الأكبر: عرفة حيث وقع أول الأذان، وقالت طائفة أخرى: هو يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان، واحتجوا أيضا بأنه من فاته الوقوف يوم عرفة فإنه يجزيه الوقوف ليلة النحر، فليس يوم عرفة -على هذا- يوم الحج الأكبر.

[ ص: 256 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ولا حجة في هذا، وقال سفيان بن عيينة : المراد أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل يريد جميع أيامه، وقال مجاهد يوم الحج الأكبر أيام منى كلها، ومجامع المشركين حيث كانوا بذي المجاز وعكاظ حين نودي فيهم ألا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا كما قال عثمان لعمر حين عرض عليه زواج حفصة : إني قد رأيت ألا أتزوج يومي هذا، وكما ذكر سيبويه : تقول لرجل: ما شغلك اليوم؟ وأنت تريد في أيامك هذه، واختلف لم وصف بالأكبر؟ فقال الحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن الحارث بن نوفل لأنه حج ذلك العام المسلمون والمشركون وصادف أيضا عيد اليهود والنصارى.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا ضعيف أن يصفه الله في كتابه بالكبر لهذا، وقال الحسن أيضا: إنما سمي أكبر لأنه حج فيه أبو بكر ونبذت فيه العهود.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا هو القول الذي يشبه نظر الحسن، وبيانه أن ذلك اليوم كان المفتتح بالحق وإمارة الإسلام بتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبذت فيه العهود، وعز فيه الدين وذل الشرك، ولم يكن ذلك في عام ثمان حين ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عتاب بن أسيد، [ ص: 257 ] بل كان أمر العرب على أوله، فكل حج بعد حج أبي بكر رضي الله عنه فمتركب عليه، فحقه لهذا أن يسمى أكبر.

وقال عطاء بن أبي رباح ، وغيره: الحج أكبر بالإضافة إلى الحج الأصغر وهي العمرة، وقال الشعبي : بالإضافة إلى العمرة في رمضان فإنها الحج الأصغر، وقال مجاهد : الحج الأكبر: القران، والأصغر: الإفراد، وهذا ليس من الآية في شيء، وقد تقدم ما ذكره منذر بن سعيد ، ويتجه أن يوصف بالأكبر على جهة المدح لا بالإضافة إلى أصغر معين، بل يكون المعنى: الأكبر من سائر الأيام، فتأمله.

واختصار ما تحتاج إليه هذه الآية على ما ذكر مجاهد وغيره من صورة تلك الحال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح مكة سنة ثمان، فاستعمل عليها عتاب بن أسيد، وقضى أمر حنين والطائف وانصرف إلى المدينة، فأقام بها حتى خرج إلى تبوك، ثم انصرف من تبوك في رمضان سنة تسع، فأراد الحج، ثم نظر في أن المشركين يحجون في تلك السنة ويطوفون عراة فقال: لا أريد أن أرى ذلك، فأمر أبا بكر رضي الله عنه على الحج بالناس وأنفذه، ثم أتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته العضباء، وأمره أن يؤذن في الناس بأربعة أشياء، وهي: "لا يحج بعد العام مشرك، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة -وفي بعض الروايات: ولا يدخل الجنة كافر- ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته"، وفي بعض الروايات: ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله أربعة أشهر يسيح فيها، فإذا انقضت فإن الله بريء من المشركين ورسوله.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وأقول: إنهم كانوا ينادون بهذا كله، فهذا للذين لهم عهد وتحسس منهم نقضه، والإبقاء إلى المدة لمن لم يخبر منه نقض.

وذكر الطبري أن العرب قالت يومئذ: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من [ ص: 258 ] الطعن والضرب، فلام بعضهم بعضا وقالوا: ما تصنعون وقد أسلمت قريش؟ فأسلموا كلهم ولم يسح أحد.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وحينئذ دخل الناس في دين الله أفواجا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر عليا أن يقرأ على الناس الأربعين آية صدر سورة براءة، وقيل: ثلاثين، وقيل: عشرين، وفي بعض الروايات: عشر آيات، وفي بعضها: تسع آيات، ذكرها النقاش ، وقال سليمان بن موسى الشامي: ذلك ثمان وعشرون آية، فلحق علي أبا بكر رضي الله عنهما في الطريق، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أمير أو مأمور؟ فقال: بل مأمور، فنهضا حتى بلغا الموسم، فلما خطب أبو بكر رضي الله عنه بعرفة: قال: قم يا علي فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام علي رضي الله عنه ففعل، قال: ثم وقع في نفسي أن جميع الناس لم يشاهدوا خطبة أبي بكر ، فجعلت أتتبع الفساطيط يوم النحر.

وقرأ جمهور الناس: "أن الله بريء" بفتح الألف على تقدير: بأن الله، وقرأ الحسن، والأعرج : "إن الله" بكسر الألف على القطع، إذ الأذان في معنى القول. وقرأ جمهور الناس: "ورسوله" بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، وتقديره: ورسوله بريء منهم ، هذا هو عند شيخنا الفقيه الأستاذ أبي الحسن بن الباذش رحمه الله معنى العطف على الموضع، أي تؤنس بالجملة الأولى التي هي من ابتداء وخبر فعطفت عليها هذه الجملة، وقيل: هو معطوف على موضع المكتوبة قبل دخول "أن" التي لا تغير معنى الابتداء بل تؤكده و"إذ" قد قرئت بالكسر، لأنه لا يعطف على موضع [ ص: 259 ] "أن" بالفتح، وانظره فإنه مختلف في جوازه، لأن حكم "أن" رفع حكم الابتداء إلا في هذا الموضع وما أشبهه، وهذا قول أبي العباس ، وأبي علي رحمهما الله، ومذهب الأستاذ على مقتضى كلام سيبويه ألا موضع لما دخلت عليه "أن" إذ هو معرب قد ظهر فيه عمل العامل، ولأنه لا فرق بين "أن" و"ليت" و"لعل"، والإجماع ألا موضع لما دخلت عليه هذه، :وقيل عطف على الضمير المرفوع الذي في "بريء" ، وحسن ذلك أن المجرور قام مقام التوكيد، كما قامت "ولا" في قوله تعالى: ما أشركنا ولا آباؤنا . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر : "رسوله" بالنصب عطفا على لفظ المكتوبة، وبهذه الآية امتحن معاوية أبا الأسود حتى وضع النحو إذ جعل قارئا يقرأ بخفض "ورسوله" . والمعنى في هذه الآية: بريء من عهودهم وأديانهم براءة عامة تقتضي المحارجة وإعمال السيف.

وقوله تعالى: فإن تبتم أي: عن الكفر، ووعدهم مع شرط التوبة، وتوعدهم مع شرط التولي، وجاز أن تدخل البشارة في المكروه لما جاء مصرحا به مرفوع الإشكال.

التالي السابق


الخدمات العلمية