الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6809 ) مسألة ; قال : ( وإذا جنى العبد ، فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه ، فإن كانت الجناية أكثر من قيمته ، لم يكن على سيده أكثر من قيمته ) . هذا في الجناية التي تودى بالمال ، إما لكونها لا توجب إلا المال ، وإما لكونها موجبة للقصاص ، فعفا عنها إلى المال ، فإن ، جناية العبد تتعلق برقبته إذ لا يخلو من أن تتعلق برقبته ، أو ذمته ، أو ذمة سيده ، أو لا يجب شيء ، ولا يمكن إلغاؤها ; لأنها جناية آدمي ، فيجب اعتبارها كجناية الحر ، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة ، مع عذره ، وعدم تكليفه ، فجناية العبد أولى ، ولا يمكن تعلقها بذمته ; لأنه يفضي إلي إلغائها ، أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية ، ولا بذمة السيد ; لأنه لم يجن ، فتعين تعلقها برقبة العبد ، ولأن الضمان موجب جنايته ، فتتعلق برقبته ، كالقصاص .

                                                                                                                                            ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون ، أو أكثر ; فإن كان بقدرها فما دون ، فالسيد مخير بين أن يفديه بأرش جنايته ، أو يسلمه إلى الجناية فيملكه . وبهذا قال الثوري ، ومحمد بن الحسن ، وإسحاق . وروي ذلك عن الشعبي ، وعطاء ، ومجاهد ، وعروة ، والحسن ، والزهري ، وحماد ; لأنه إن دفع أرش الجناية ، فهو الذي وجب للمجني عليه ، فلم يملك المطالبة بأكثر منه ، وإن سلم العبد ، فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به ، ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها . وإن طالب المجني عليه بتسليمه إليه ، وأبى ذلك سيده ، لم يجبر عليه ; لما ذكرنا . وإن دفع السيد عبده ، فأبى الجاني قبوله ، وقال : بعه ، وادفع إلي ثمنه . فهل يلزم السيد ذلك ؟ على روايتين .

                                                                                                                                            وأما إن كانت الجناية أكثر من قيمته ، ففيه روايتان ; إحداهما : أن سيده مخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته ، وبين أن يسلمه ; لأنه إذا أدى قيمته ، فقد أدى قدر الواجب عليه ، فإن حق المجني عليه لا يزيد على العبد ، فإذا أدى قيمته ، فقد أدى الواجب عليه ، فلم يلزمه أكثر من ذلك ، كما لو كانت الجناية بقدر قيمته . والرواية الثانية ، يلزمه تسليمه ، إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت .

                                                                                                                                            وهذا قول مالك ; لأنه ربما إذا عرض للبيع رغب فيه راغب بأكثر من قيمته ، فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه . وللشافعي قولان ، كالروايتين . ووجه الرواية الأولى ، أن الشرع قد جعل له فداءه ، فكان له فداؤه ، فكان الواجب قدر قيمته ، كسائر المتلفات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية