الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 422 ] 594 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : من أنظر معسرا ووضع عنه ، أظله الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله

3812 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، أنه كان يطلب رجلا بحق ، فاختبأ منه ، فقال : ما حملك على ذلك ؟ قال : العسرة ، فاستحلفه على ذلك ، فحلف ، فدعا بصكه ، فأعطاه إياه ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنسأ معسرا ، أو وضع عنه ، أنجاه الله من كرب يوم القيامة .

[ ص: 423 ]

3813 - وحدثناه يونس مرة أخرى عن ابن وهب ، قال : حدثني جرير بن حازم ، عن يحيى بن أبي كثير ولم يذكر أيوب فيه .

3814 - وقد حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد ، قال : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، أن أباه طلب غريما له ، فتوارى عنه ، ثم وجده ، فقال : إني معسر ، قال : آلله ؟ قال : آلله . فقال أبو قتادة : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سره أن ينجيه الله عز وجل من كرب يوم القيامة ، فلينظر معسرا ، أو ليضع له .

3815 - وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا يعقوب بن مجاهد المديني أبو حزرة ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبي اليسر - قال أبو جعفر : وأبو اليسر كعب بن عمرو - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنظر معسرا أو وضع له ، أظله الله عز وجل في ظله .

[ ص: 424 ]

3816 - وحدثنا الحسين بن نصر ، وسعيد بن بشر الأزدي ، قالا : حدثنا مهدي بن جعفر ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3817 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي اليسر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .

[ ص: 425 ]

3818 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن سهل بن حنيف ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أعان مجاهدا في سبيل الله ، أو غارما في عسرته ، أو مكاتبا في رقبته ، أظله الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله .



3819 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قاضي كرمان ، قال : حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن سهل بن حنيف ، أن سهلا حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

[ ص: 426 ]

3820 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني يزيد بن الهاد ، عن معتب مولى أسماء ابنة أبي بكر الصديق ، أنه سمع أبا قتادة السلمي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنظر معسرا ، أو وضع له ، أظله الله في ظل عرشه .

3821 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن حنظلة بن قيس ، عن أبي اليسر البدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يظله الله عز وجل في ظله - وأشار بيده فوق حاجبيه - فلينظر معسرا أو يضع له .

[ ص: 427 ]

3822 - حدثنا مالك بن يحيى الهمداني ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا جرير بن حازم ، عن قيس بن سعد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يتقاضى رجلا ، فتوارى عنه ، فناداه : أتحبسني وتوارى عني ؟ فقال : ما فعلت ذلك إلا أني لا أجد ما أقضيك ، قال : آلله ؟ قال : آلله . فأخذ صكه فمحاه ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أظل الله عز وجل رجلا يوم لا ظل إلا ظله أنسأ معسرا إلى ميسرته أو محا عنه .

3823 - وحدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب ، أن عبيد الله بن عبد الله حدثه ، أنه سمع أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلا كان يداين الناس ، فكان يقول لفتاه : إذا أتيت على معسر فتجاوز عنه ، لعل الله عز وجل أن يتجاوز عنا ، فلقي الله عز وجل فتجاوز عنه .

[ ص: 428 ]

3824 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا الزهري ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3825 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو مسهر ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، قال : حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال أبو جعفر : فكان الظل المذكور في هذه الآثار محتملا أن يكون أريد به ما يظل من الأشياء التي يتأذى بنو آدم من أمثالها في الدنيا كالشمس ، فيظل من أمثالها يوم القيامة بما يظله الله عز وجل به من ظله الذي لا ظل يومئذ سواه ، ويحتمل قوله في ظله ; أي : [ ص: 429 ] في كنفه أو في ستره ، ومن كان في كنف الله أو في ستره وقي من الأشياء المكروهة . ومثل ما يقال في الدنيا : فلان في ظل فلان ; أي : في كنفه ، وفي كفايته إياه الأشياء التي يطلبها غيره بالنصب والتعب والتصرف فيها .

فقال قائل : وأي ثواب لمن أنظر معسرا ، إنما لو طالبه به لم يصل إليه منه ، وإنما يكون الثواب لمن ترك ما يقدر على أخذه ، فأما ما عجز عن أخذه فمعقول أن لا ثواب له في تركه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الإعسار قد يكون على العدم الذي لا يوصل معه إلى شيء ، وقد يكون على القلة التي يوصل معها ما إذا أخذ ممن عليه الدين فدحه وكشفه وأضر به ، والعسرة تجمعهما جميعا غير أنهما يختلفان فيها ، فيكون أحدهما بها معدما ، ولا يكون الآخر منهما بها معدما ، وكل معدم معسر ، وليس كل معسر معدما ، فقد يحتمل أن يكون المعسر المقصود بما في هذه الآثار إليه هو المعسر الذي يجد ما إن أخذ منه فدحه وكشفه وأضر به ، فمن أنظر من هذه حاله بما له عليه ، فقد آثره على نفسه ، واستحق ما للمؤثرين على أنفسهم ، وكان من أهل الوعد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار ، فبان بحمد الله عز وجل أن لا استحالة في شيء مما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية