الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بغا ]

                                                          بغا : بغى الشيء بغوا : نظر إليه كيف هو . والبغو : ما يخرج من زهرة القتاد الأعظم الحجازي ، وكذلك ما يخرج من زهرة العرفط والسلم . والبغوة : الطلعة حين تنشق فتخرج بيضاء رطبة . والبغوة : الثمرة قبل أن تنضج ، وفي التهذيب : قبل أن يستحكم يبسها ، والجمع بغو ، وخص أبو حنيفة بالبغو مرة البسر إذا كبر شيئا ، وقيل : البغوة التمرة التي اسود جوفها وهي مرطبة . والبغوة : ثمرة العضاه ، وكذلك البرمة . قال ابن بري : البغو والبغوة كل شجر غض ثمره أخضر صغير لم يبلغ . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه مر برجل يقطع سمرا بالبادية فقال : رعيت بغوتها وبرمتها وحبلتها وبلتها وفتلتها ثم تقطعها ، قال ابن الأثير : قال القتيبي يرويه أصحاب الحديث معوتها ، قال : وذلك غلط لأن المعوة البسرة التي جرى فيها الإرطاب ، قال : والصواب بغوتها ، وهي ثمرة السمر أول ما تخرج ، ثم تصير بعد ذلك برمة ثم بلة ثم فتلة . والبغة : ما بين الربع والهبع ، وقال قطرب : هو البعة ، بالعين المشددة ، وغلطوه في ذلك . وبغى الشيء ما كان خيرا أو شرا يبغيه بغاء وبغى ، الأخيرة عن اللحياني والأولى أعرف : طلبه ، وأنشد غيره :


                                                          فلا أحبسنكم عن بغى الخير ، إنني سقطت على ضرغامة ، وهو آكلي .



                                                          وبغى ضالته - وكذلك كل طلبة - بغاء ، بالضم والمد ; وأنشد الجوهري :


                                                          لا يمنعنك من بغا [ ص: 121 ]     ء الخير تعقاد التمائم .



                                                          وبغاية أيضا . يقال : فرقوا لهذه الإبل بغيانا يضبون لها أي يتفرقون في طلبها . وفي حديث سراقة والهجرة : انطلقوا بغيانا أي ناشدين وطالبين ، جمع باغ كراع ورعيان . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - وفي الهجرة : لقيهما رجل بكراع الغميم فقال : من أنتم ؟ فقال أبو بكر : باغ وهاد ، عرض ببغاء الإبل وهداية الطريق ، وهو يريد طلب الدين والهداية من الضلالة . وابتغاه وتبغاه واستبغاه ، كل ذلك : طلبه ، قال ساعدة بن جؤية الهذلي :


                                                          ولكنما أهلي بواد ، أنيسه     سباع تبغى الناس مثنى وموحدا .



                                                          وقال :


                                                          ألا من بين الأخوي     ن ، أمهما هي الثكلى
                                                          تسائل من رأى ابنيها     وتستبغي فما تبغى .



                                                          جاء بهما بعد حرف اللين المعوض مما حذف ، وبين بمعنى تبين ، والاسم البغية والبغية . وقال ثعلب : بغى الخير بغية وبغية ، فجعلهما مصدرين . ويقال : بغيت المال من مبغاته كما تقول أتيت الأمر من مأتاته ، يريد المأتى والمبغى . وفلان ذو بغاية للكسب إذا كان يبغي ذلك . وارتدت على فلان بغيته أي طلبته ، وذلك إذا لم يجد ما طلب . وقال اللحياني : بغى الرجل الخير والشر وكل ما يطلبه بغاء وبغية وبغى ، مقصور . وقال بعضهم : بغية وبغى . والبغية : الحاجة . الأصمعي : بغى الرجل حاجته أو ضالته يبغيها بغاء وبغية وبغاية إذا طلبها ، قال أبو ذؤيب :


                                                          بغاية إنما تبغي الصحاب من ال     فتيان في مثله الشم الأناجيج .



                                                          والبغية : الطلبة ، وكذلك البغية . يقال : بغيتي عندك وبغيتي عندك . ويقال : أبغني شيئا أي أعطني وأبغ لي شيئا . ويقال : استبغيت القوم فبغوا لي وبغوني أي طلبوا لي . والبغية والبغية والبغية : ما ابتغي . والبغية : الضالة المبغية . والباغي : الذي يطلب الشيء الضال ، وجمعه بغاة وبغيان ، قال ابن أحمر :


                                                          أو باغيان لبعران لنا رقصت     كي لا تحسون من بعراننا أثرا .



                                                          قالوا : أراد كيف لا تحسون . والبغية والبغية : الحاجة المبغية ، بالكسر والضم ، يقال : ما لي في بني فلان بغية وبغية أي حاجة ، فالبغية مثل الجلسة التي تبغيها ، والبغية الحاجة نفسها ، عن الأصمعي . وأبغاه الشيء : طلبه له أو أعانه على طلبه ، وقيل : بغاه الشيء طلبه له ، وأبغاه إياه أعانه عليه . وقالاللحياني : استبغى القوم فبغوه وبغوا له أي طلبوا له . والباغي : الطالب ، والجمع بغاة وبغيان . وبغيتك الشيء : طلبته لك ، ومنه قول الشاعر :


                                                          وكم آمل من ذي غنى وقرابة     لتبغيه خيرا ، وليس بفاعل .



                                                          وأبغيتك الشيء : جعلتك له طالبا . وقولهم : ينبغي لك أن تفعل كذا فهو من أفعال المطاوعة ، تقول : بغيته فانبغى ، كما تقول : كسرته فانكسر . وفي التنزيل العزيز : يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ; أي يبغون لكم ، محذوف اللام ، وقال كعب بن زهير :


                                                          إذا ما نتجنا أربعا عام كفأة     بغاها خناسيرا فأهلك أربعا .



                                                          أي بغى لها خناسير ، وهي الدواهي ، ومعنى بغى هاهنا طلب . الأصمعي : ويقال : ابغني كذا وكذا ، أي اطلبه لي ، ومعنى ابغني وابغ لي سواء ، وإذا قال : أبغني كذا وكذا ، فمعناه أعني على بغائه واطلبه معي . وفي الحديث : ابغني أحجارا أستطب بها . يقال : ابغني كذا بهمزة الوصل أي اطلب لي . وأبغني بهمزة القطع أي أعني على الطلب . ومنه الحديث : ابغوني حديدة أستطب بها ، بهمز الوصل والقطع ، وهو من بغى يبغي بغاء إذا طلب . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : أنه خرج في بغاء إبل ، جعلوا البغاء على زنة الأدواء كالعطاس والزكام تشبيها لشغل قلب الطالب بالداء . الكسائي : أبغيتك الشيء إذا أردت أنك أعنته على طلبه ، فإذا أردت أنك فعلت ذلك له قلت قد بغيتك ، وكذلك أعكمتك أو أحملتك . وعكمتك العكم أي فعلته لك . وقوله : ويبغونها عوجا ; أي يبغون للسبيل عوجا ، فالمفعول الأول منصوب بإسقاط الخافض ، ومثله قول الأعشى :


                                                          حتى إذا ذر قرن الشمس صبحها     ذؤال نبهان ، يبغي صحبه المتعا .



                                                          أي يبغي لصحبه الزاد ، وقال واقد بن الغطريف :


                                                          لئن لبن المعزى بماء مويسل     بغاني داء ، إنني لسقيم .



                                                          وقال الساجع : أرسل العراضات أثرا يبغينك معمرا أي يبغين لك معمرا . يقال : بغيت الشيء طلبته ، وأبغيتك فرسا أجنبتك إياه ، وأبغيتك خيرا أعنتك عليه . الزجاج : يقال انبغى لفلان أن يفعل كذا أي صلح له أن يفعل كذا ، وكأنه قال طلب فعل كذا فانطلب له أي طاوعه ، ولكنهم اجتزئوا بقولهم انبغى . وانبغى الشيء : تيسر وتسهل . وقوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ; أي ما يتسهل له ذلك لأنا لم نعلمه الشعر . وقال ابن الأعرابي : وما ينبغي له وما يصلح له . وإنه لذو بغاية أي كسوب . والبغية في الولد : نقيض الرشدة . وبغت الأمة تبغي بغيا وباغت مباغاة وبغاء ، بالكسر والمد ، وهي بغي وبغو : عهرت وزنت ، وقيل : البغي الأمة ، فاجرة كانت أو غير فاجرة ، وقيل : البغي أيضا الفاجرة ، حرة كانت أو أمة . وفي التنزيل العزيز : وما كانت أمك بغيا ; أي ما كانت فاجرة مثل قولهم ملحفة جديد ، عن الأخفش ، وأم مريم حرة لا محالة ، ولذلك عم ثعلب بالبغاء فقال : بغت المرأة ، فلم يخص أمة ولا حرة . وقال أبو عبيد : البغايا الإماء لأنهن كن يفجرن . يقال : قامت على رءوسهم البغايا ، يعني الإماء ، الواحدة بغي ، والجمع بغايا . وقال ابن خالويه : [ ص: 122 ] البغاء مصدر بغت المرأة بغاء زنت ، والبغاء مصدر باغت بغاء إذا زنت ، والبغاء جمع بغي ولا يقال بغية ، قال الأعشى :


                                                          يهب الجلة الجراجر ، كالبس     تان ، تحنو لدردق أطفال
                                                          والبغايا يركضن أكسية الإض     ريج والشرعبي ذا الأذيال .



                                                          أراد : ويهب البغايا لأن الحرة لا توهب ، ثم كثر في كلامهم حتى عموا به الفواجر إماء كن أو حرائر . وخرجت المرأة تباغي أي تزاني . وباغت المرأة تباغي بغاء : إذا فجرت . وبغت المرأة تبغي بغاء : إذا فجرت . وفي التنزيل العزيز : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ; والبغاء : الفجور ; قال : ولا يراد به الشتم ، وإن سمين بذلك في الأصل لفجورهن . قال اللحياني : ولا يقال رجل بغي . وفي الحديث : امرأة بغي دخلت الجنة في كلب ، أي فاجرة ، ويقال للأمة بغي وإن لم يرد به الذم ، وإن كان في الأصل ذما ، وجعلوا البغاء على زنة العيوب كالحران والشراد ; لأن الزنا عيب . والبغية : نقيض الرشدة في الولد ، يقال : هو ابن بغية ; وأنشد :


                                                          لدى رشدة من أمه أو بغية     فيغلبها فحل ، على النسل ، منجب .



                                                          قال الأزهري : وكلام العرب هو ابن غية وابن زنية وابن رشدة ، وقد قيل : زنية ورشدة ، والفتح أفصح اللغتين ، وأما غية فلا يجوز فيه غير الفتح . قال : وأما ابن بغية فلم أجده لغير الليث ; قال : ولا أبعده عن الصواب . والبغية : الطليعة التي تكون قبل ورود الجيش ، قال طفيل :


                                                          فألوت بغاياهم بنا ، وتباشرت     إلى عرض جيش ، غير أن لم يكتب .



                                                          ألوت أي أشارت . يقول : ظنوا أنا عير فتباشروا فلم يشعروا إلا بالغارة ، وقيل : إن هذا البيت على الإماء أدل منه على الطلائع ، وقال النابغة في البغايا الطلائع :


                                                          على إثر الأدلة والبغايا     وخفق الناجيات من الشآم .



                                                          ويقال : جاءت بغية القوم وشيفتهم أي طليعتهم . والبغي : التعدي . وبغى الرجل علينا بغيا : عدل عن الحق واستطال . الفراء في قوله تعالى : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ; قال : البغي الاستطالة على الناس ، وقال الأزهري : معناه الكبر ، والبغي الظلم والفساد ، والبغي معظم الأمر . الأزهري : وقوله : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ; قيل : فيه ثلاثة أوجه : قال بعضهم : فمن اضطر جائعا غير باغ أكلها تلذذا ولا عاد ولا مجاوز ما يدفع به عن نفسه الجوع فلا إثم عليه ، وقيل : غير باغ غير طالب مجاوزة قدر حاجته وغير مقصر عما يقيم حاله ، وقيل : غير باغ على الإمام وغير متعد على أمته . قال : ومعنى البغي قصد الفساد . ويقال : فلان يبغي على الناس إذا ظلمهم وطلب أذاهم . والفئة الباغية : هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار : " ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية ! " وفي التنزيل : فلا تبغوا عليهن سبيلا ; أي إن أطعنكم لا يبقى لكم عليهن طريق إلا أن يكون بغيا وجورا ، وأصل البغي مجاوزة الحد . وفي حديث ابن عمر : قال لرجل : أنا أبغضك ، قال لم ؟ قال : لأنك تبغي في أذانك ، أراد التطريب فيه ، والتمديد من تجاوز الحد . وبغى عليه يبغي بغيا : علا عليه وظلمه . وفي التنزيل العزيز : بغى بعضنا على بعض . وحكى اللحياني عن الكسائي : ما لي وللبغ بعضكم على بعض ، أرد وللبغي ولم يعلله ; قال : وعندي أنه استثقل كسرة الإعراب على الياء فحذفها وألقى حركتها على الساكن قبلها . وقوم بغاء وتباغوا : بغى بعضهم على بعض ، عن ثعلب . وبغى الوالي : ظلم . وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء بغي . وقال اللحياني : بغى على أخيه بغيا حسده . وفي التنزيل العزيز : ثم بغي عليه لينصرنه الله ; وفيه : والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون . والبغي : أصله الحسد ، ثم سمي الظلم بغيا ; لأن الحاسد يظلم المحسود جهده إراغة زوال نعمة الله عليه عنه . وبغى بغيا : كذب . وقوله تعالى : ياأبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ; يجوز أن يكون ما نبتغي أي ما نطلب ، فما على هذا استفهام ، ويجوز أن يكون ما نكذب ولا نظلم فما على هذا جحد . وبغى في مشيته بغيا : اختال وأسرع . الجوهري : والبغي اختيال ومرح في الفرس . غيره : والبغي في عدو الفرس اختيال ومرح . بغى بغيا : مرح واختال ، وإنه ليبغي في عدوه . قال الخليل : ولا يقال فرس باغ . والبغي : الكثير من المطر . وبغت السماء : اشتد مطرها ، حكاه أبو عبيد . وقال اللحياني : دفعنا بغي السماء عنا أي شدتها ومعظم مطرها ، وفي التهذيب : دفعنا بغي السماء خلفنا . وبغى الجرح يبغي بغيا : فسد وأمد وورم وترامى إلى فساد . وبرئ جرحه على بغي إذا برئ وفيه شيء من نغل . وفي حديث أبي سلمة : أقام شهرا يداوي جرحه فدمل على بغي ولا يدري به أي على فساد . وجمل باغ : لا يلقح ، عن كراع . وبغى الشيء بغيا : نظر إليه كيف هو . وبغاه بغيا : رقبه وانتظره ، عنه أيضا . وما ينبغي لك أن تفعل وما يبتغي أي لا نولك . وحكى اللحياني : ما انبغى لك أن تفعل هذا وما ابتغى أي ما ينبغي .

                                                          وقالوا : إنك لعالم ولا تباغ أي لا تصب بالعين ، وأنتما عالمان ولا تباغيا وأنتم علماء ولا تباغوا . ويقال للمرأة الجميلة : إنك لجميلة ولا تباغي ، وللنساء : ولا تباغين . وقال : والله ما نبالي أن تباغي أي ما نبالي أن تصيبك العين . وقال أبو زيد : العرب تقول إنه لكريم ولا يباغه ، وإنهما لكريمان ولا يباغيا ، وإنهم لكرام ولا يباغوا ، ومعناه الدعاء له أي لا يبغى عليه ; قال : وبعضهم لا يجعله على الدعاء فيقول : لا يباغى ولا يباغيان ولا يباغون ، أي ليس يباغيه أحد ; قال : وبعضهم يقول لا يباغ ولا يباغان ولا يباغون . قال الأزهري : وهذا من البوغ ، والأول من البغي ، وكأنه جاء مقلوبا ، وحكى الكسائي : إنك لعالم ولا تبغ ; قال : وقال بعض الأعراب من هذا المبوغ عليه ؟ [ ص: 123 ] وقال آخر : من هذا المبيغ عليه ؟ قال : ومعناه لا يحسد . ويقال : إنه لكريم ولا يباغ ، قال الشاعر :


                                                          إما تكرم إن أصبت كريمة     فلقد أراك ، ولا تباغ ، لئيما .



                                                          وفي التثنية : لا يباغان ، ولا يباغون ، والقياس أن يقال في الواحد على الدعاء : ولا يبغ ، ولكنهم أبوا إلا أن يقولوا : ولا يباغ . وفي حديث النخعي : أن إبراهيم بن المهاجر جعل على بيت الورق ، فقال النخعي : ما بغي له أي ما خير له .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية