الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 451 ] فصل الرؤيا اعتقاد بالقلب ) ذكره القاضي أبو يعلى قال : أبو عبد الله المازني مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان ، وهو سبحانه يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور أخر تلحقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها ، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره ، كما يكون خلق الله الغيم علما على المطر ، والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فتنسب إلى الشيطان مجازاة لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة .

ولابن ماجه من حديث أنس { اعتبروها بأسمائها وكنوها بكناها والرؤيا لأول عابر . } . وذكر ابن عبد البر وغيره عن علي رضي الله عنه قال : لا رؤيا لخائف إلا إن رأى ما يحب .

وقال هشام بن حسان : كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول : اتق الله وأحسن في اليقظة ، فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم وكان يجيب في خلال ذلك ويقول : إنما أجيبه بالظن ، والظن يخطئ ويصيب ، قيل لجعفر بن محمد : كم تتأخر الرؤيا ؟ قال { : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن كلبا أبقع يلغ في دمه ، } فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضي الله عنه ، وكان أبرص أخزاه الله ، وكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة .

بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس مع أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي بن أبي طالب وجماعة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فالتفت إليهم فقال : إني سائلكم عن خصال فأخبروني بها : أخبروني عن الرجل بينما هو يذكر الشيء إذ نسيه ، وعن الرجل يحب الرجل ولم يلقه [ ص: 452 ] وعن الرؤيتين إحداهما حق والأخرى أضغاث ، وعن ساعة من الليل ليس أحد إلا وهو فيها مروع وعن الرائحة الطيبة مع الفجر فسكت القوم فقال : ولا أنت يا أبا الحسن ؟ فقال بلى والله إن عندي من ذلك لعلما : أما الرجل بينما هو يذكر الشيء إذ نسيه فإن على القلب طخاء كطخاء القمر فإذا سري عنه ذكر ، وإذا أعيد عليه نسي وغفل . وأما الرجل يحب الرجل ولم يلقه فإن الأرواح أجناد مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، وأما الرؤيتان إن إحداهما حق والأخرى أضغاث ، فإن في ابن آدم روحين ، فإذا نام خرجت روح فأتت الحميم والصديق والبعيد والقريب والعدو فما كان منها في ملكوت السموات فهي الرؤيا الصادقة ، وما كان منها في الهواء فهي الأضغاث ، وأما الروح الأخرى فللنفس والقلب . وأما الساعة من الليل التي ليس فيها أحد إلا وهو فيها مروع فإن تلك الساعة التي يرتفع فيها البحر يستأذن في تغريق أهل الأرض فتحسه الأرواح فترتاع لذلك ، وأما الريح الطيبة مع الفجر إذا طلع خرجت ريح من تحت العرش حركت الأشجار في الجنة فهي الرائحة الطيبة خذها يا عمر .

قال الجوهري : قال أبو عبيد : الطخاء بالمد السحاب المرتفع يقال أيضا وجدت على قلبي طخاء وهو شبه الكرب . قال اللحياني : ما في السماء طخية بالضم أي شيء من سحاب . قال : وهو مثل الطحرور والطخاء ، فممدود الليلة المظلمة ، وتكلم بكلمة طخياء لا تفهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية