الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 437 ] 597 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في من وقع على بهيمة

3830 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وجدتموه على بهيمة ، فاقتلوه ، واقتلوا البهيمة معه ، فقيل لابن عباس : ما شأن البهيمة ؟ فقال : ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا ، ولكن أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل لحمها ، أو ينتفع بها ، وقد عمل بها ذلك العمل .

[ ص: 438 ] [ ص: 439 ]

3831 - وحدثنا ابن أبي داود وعبد العزيز بن محمد بن زبالة المديني ، قالا : حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل - يعني ابن أبي حبيبة الأشهلي - ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من وقع على بهيمة ، فاقتلوه ، واقتلوها .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذين الحديثين ، فوجدنا حديث يوسف يرجع إلى عمرو بن أبي عمرو ، وهو رجل قد تكلم في روايته بغير إسقاط لها ، ووجدنا حديث ابن أبي داود وابن زبالة يرجع إلى [ ص: 440 ] إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، وهو رجل متروك الحديث عند أهل الحديث جميعا ، ثم اعتبرنا هذين الحديثين فوجدناهما مردودين إلى ابن عباس ، وقد وجدنا عن ابن عباس من وجوه صحاح ما يدفع الأمر المذكور به فيهما .

كما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا علي بن حجر ، قال : حدثنا علي بن يونس ، عن النعمان - يعني أبا حنيفة - ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ليس على من أتى البهيمة حد .

وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، مثله .

وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا إسرائيل ، وأبو بكر ، وأبو الأحوص ، وشريك ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، مثله .

[ ص: 441 ]

وحدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، مثله .

وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، [ ص: 442 ] قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، مثله .

قال أبو جعفر : فكان ما رويناه عن ابن عباس من هذه الأحاديث أحسن إسنادا عنه من الحديثين الأولين ، ولم يخل الحديثان الأولان من أن يكونا صحيحين أو يكونا غير صحيحين ، فإن كانا غير صحيحين فقد كفينا الكلام فيهما ، وإن كانا صحيحين فإن ابن عباس لم يقل بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ما قد وقف عليه عنه مما يخالفه إلا بعد ثبوت نسخه عنده ، وفي ذلك ما قد دل على سقوط الحديثين الأولين ووجوب تركهما ، وفي هذا كفاية وحجة في دفعهما ، ولكنا نريد دفعهما أيضا فيما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم منا في كتابنا هذا مما قامت به الحجة عنه ، أنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس ، وفي ذلك ما يدفع القتل فيما سوى هذه الثلاثة الأشياء إلا أن تقوم الحجة بإلحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بها غيرها فيلحق بها ، ويكون الحظر أن يقتل نفسا بسواها أو بسوى ما ألحقه فيها ، ولم نجد ذلك ، فكان فيها ما يدفع أن يقتل بما سواها ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية