الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غلق ]

                                                          غلق : غلق الباب وأغلقه وغلقه ؛ الأولى عن ابن دريد عزاها إلى أبي زيد وهي نادرة ، فهو مغلق ، وفي التنزيل : وغلقت الأبواب قال سيبويه : غلقت الأبواب للتكثير ، وقد يقال أغلقت يراد بها التكثير ، قال : وهو عربي جيد . وباب غلق : مغلق وهو فعل بمعنى مفعول مثل قارورة وباب فتح أي واسع ضخم وجذع قطل ، والاسم الغلق ، ومنه قول الشاعر :


                                                          وباب إذا ما مال للغلق يصرف



                                                          ويقال : هذا من غلقت الباب غلقا ، وهي لغة رديئة متروكة ؛ قال أبو الأسود الدؤلي :


                                                          ولا أقول لقدر القوم قد غليت     ولا أقول لباب الدار مغلوق



                                                          وقال الفرزدق :


                                                          ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها     حتى أتيت أبا عمرو بن عمار



                                                          قال أبو حاتم السجستاني : يريد أبا عمرو بن العلاء : وغلق الباب وانغلق واستغلق إذا عسر فتحه . والمغلاق : المرتاج . والغلق : المغلاق ، بالتحريك ، وهو ما يغلق به الباب ويفتح ، والجمع أغلاق ؛ قال سيبويه : لم يجاوزوا به هذا البناء ؛ واستعاره الفرزدق فقال :


                                                          فبتن بجانبي مصرعات     وبت أفض أغلاق الختام



                                                          قال الفارسي : أراد ختام الأغلاق فقلب . وفي حديث قتل أبي رافع : ثم علق الأغاليق على ود ؛ هي المفاتيح ، واحدها إغليق ، والغلاق والمغلاق والمغلوق : كالغلق : واستغلق عليه الكلام أي ارتتج عليه . وكلام غلق أي مشكل . وفي الحديث : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق أي في إكراه ، ومعنى الإغلاق الإكراه ، لأن المغلق مكره عليه في أمره ومضيق عليه في تصرفه كأنه يغلق عليه الباب ويحبس ويضيق عليه [ ص: 73 ] حتى يطلق . وإغلاق القاتل : إسلامه إلى ولي المقتول فيحكم في دمه ما شاء . يقال : أغلق فلان بجريرته ؛ وقال الفرزدق :


                                                          أسارى حديد أغلقت بدمائها



                                                          والاسم منه الغلاق ؛ وقال عدي بن زيد :


                                                          وتقول العداة أودى عدي     وبنوه قد أيقنوا بالغلاق



                                                          ابن الأعرابي : أغلق زيد عمرا على شيء يفعله إذا أكرهه عليه . والمغلق والمغلاق : السهم السابع من قداح الميسر . والمغالق : الأزلام ، وكل سهم في الميسر مغلق ؛ قال لبيد :


                                                          وجزور أيسار دعوت لحتفها     بمغالق متشابه أجرامها



                                                          والمغالق : قداح الميسر ؛ قال الأسود بن يعفر :


                                                          إذا قحطت والزاجرين المغالقا



                                                          الليث : المغلق السهم السابع في مضعف الميسر ، وسمي مغلقا لأنه يستغلق ما يبقى من آخر الميسر ، ويجمع مغالق ؛ وأنشد بيت لبيد :


                                                          وجزور أيسار دعوت لحتفها



                                                          قال أبو منصور : غلط الليث في تفسير قوله بمغالق ، والمغالق من نعوت قداح الميسر التي يكون لها الفوز ، وليست المغالق من أسمائها ، وهي التي تغلق الخطر فتوجبه للقامر الفائز كما يغلق الرهن لمستحقه ؛ ومنه قول عمرو بن قميئة :


                                                          بأيديهم مقرومة ومغالق     يعود بأرزاق العيال منيحها



                                                          ورجل غلق : سييء الخلق . قال الليث : يقال احتد فلان فغلق في حدته أي نشب ؛ وروى أبو العباس أن ابن الأعرابي أنشده :


                                                          وقد جعل الرك الضعيف يسيلني     إليك ويشريك القليل فتغلق



                                                          قال : الرك المطر الضعيف ؛ يقول : إذا أتاك عني شيء قليل غضبت وأنا كذلك فمتى نتفق ؟ ومنه قوله : أنت تئق وأنا مئق فكيف نتفق ؟ قال أبو منصور : معنى قوله يسيلني إليك أي يغضبني فيغريني بك ، ويشريك أي يغضبك فتغلق أي تغضب وتحتد علي . ويقال : أغلق فلان فغلق غلقا إذا أغضب فغضب واحتد . قال أبو بكر : الغلق الكثير الغضب ؛ قال عمرو بن شأس :


                                                          فأغلق من دون امرئ إن أجرته     فلا تبتغى عوراته غلق البعل



                                                          أي أغضب غضبا شديدا . قال : والغلق الضيق الخلق العسر الرضا . وغلق في حدته غلقا : نشب ، وكذلك الغلق في غير الأناسي . والغلق في الرهن : ضد الفك ، فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه . وقد أغلقت الرهن فغلق أي أوجبته فوجب للمرتهن ؛ ومنه الحديث : ورجل ارتبط فرسا ليغالق عليها أي ليراهن ، وكأنه كره الرهان في الخيل إذ كان على رسم الجاهلية . قال سيبويه : وغلق الرهن في يد المرتهن يغلق غلقا وغلوقا ، فهو غلق ، استحقه المرتهن ، وذلك إذا لم يفتك في الوقت المشروط . وفي الحديث : لا يغلق الرهن بما فيه ؛ قال زهير يذكر امرأة :


                                                          وفارقتك برهن لا فكاك له     يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا



                                                          يعني أنها ارتهنت قلبه ورهنت به ؛ وأنشد شمر :


                                                          هل من نجاز لموعود بخلت به ؟     أو للرهين الذي استغلقت من فادي



                                                          ؟ وأنشد ابن الأعرابي لأوس بن حجر :


                                                          على العمر واصطادت فؤادا كأنه     أبو غلق في ليلتين مؤجل



                                                          وفسره فقال : أبو غلق أي صاحب رهن غلق ، أجله ليلتان أن يفك ، وغلق أي ذهب . ويقال : غلق الرهن يغلق غلوقا إذا لم يوجد له تخلص وبقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على تخليصه ، والمعنى أنه لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفكه صاحبه ، وكان هذا من فعل الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المعين ملك المرتهن الرهن ، فأبطله الإسلام . وقوم مغاليق : يغلق الرهن على أيديهم . وقال ابن الأعرابي في حديث داحس والغبراء : إن قيسا أتى حذيفة بن بدر فقال له حذيفة : ما غدا بك ؟ قال : غدوت لأواضعك الرهان ؛ أراد بالمواضعة إبطال الرهان أي أضعه وتضعه ، فقال حذيفة : بل غدوت لتغلقه أي لتوجبه وتؤكده . وأغلقت الرهن أي أوجبته فغلق للمرتهن أي وجب له . وقال أبو عبيد : غلق الرهن إذا استحقه المرتهن غلقا . وروي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : لا يغلق الرهن أي لا يستحقه المرتهن إذا لم يرد الراهن ما رهنه فيه ، وكان هذا من فعل الجاهلية فأبطله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بقوله : لا يغلق الرهن . أبو عمرو : الغلق الضجر . ومكان غلق وضجر أي ضيق ، والضجر الاسم ، والضجر المصدر . والغلق : الهلاك ؛ ومعنى لا يغلق الرهن أي لا يهلك . وفي كتاب عمر إلى أبي موسى : إياك والغلق ؛ قال المبرد : الغلق ضيق الصدر وقلة الصبر . وأغلق عليه الأمر إذا لم ينفسح . وغلق الأسير والجاني ، فهو غلق : لم يفد ؛ قال أبو دهبل :


                                                          ما زلت في الغفر للذنوب وإط     لاق لعان بجرمه غلق



                                                          شمر : يقال لكل شيء نشب في شيء فلزمه قد غلق ، غلق في الباطل ، وغلق في البيع ، وغلق بيعه فاستغلق . واستغلق الرجل إذا أرتج عليه فلم يتكلم . وقال ابن شميل : استغلقني فلان في بيعي إذا لم يجعل لي خيارا في رده ، قال : واستغلقت على بيعته ؛ وأنشد شمر للفرزدق :


                                                          وعرد عن بنيه الكسب منه     ولو كانوا أولي غلق سغابا



                                                          أولي غلق أي قد غلقوا في الفقر والجوع . جمل غلق وغلقة إذا هزل وكبر . النوادر : شيخ غلق وجمل غلق ، وهو الكبير الأعجف . وغلق ظهر البعير غلقا ، فهو غلق : انتقض دبره تحت الأداة وكثر غلقا لا يبرأ . ويقال : إن بعيرك لغلق الظهر ، وقد غلق ظهره غلقا ، وهو أن ترى ظهره أجمع جلبتين آثار دبر قد برأت فأنت تنظر إلى صفحتيه تبرقان . ابن شميل : الغلق شر دبر البعير لا يقدر أن تعادى الأداة عنه أي ترفع عنه حتى يكون مرتفعا ، وقد عاديت عنه الأداة : وهو أن تجوب عنه القتب والحلس . وفي حديث جابر : شفاعة النبي [ ص: 74 ] صلى الله عليه وسلم لمن أوثق نفسه وأغلق ظهره . وغلق ظهر البعير إذا دبر ، وأغلقه صاحبه إذا أثقل حمله حتى يدبر ؛ شبه الذنوب التي أثقلت ظهر الإنسان بذلك . وغلقت النخلة غلقا ، فهي غلقة : دودت أصول سعفها وانقطع حملها . والغلقة والغلقة : شجرة يعطن بها أهل الطائف . وقال أبو حنيفة : الغلقة : شجرة لا تطاق حدة يتوقع جانيها على عينيه من بخارها أو مائها ، وهي التي تمرط بها الجلود فلا تترك عليها شعرة ولا لحمة إلا حلقته ؛ قال المرار :


                                                          جربن فلا يهنأن إلا بغلقة     عطين وأبوال النساء القواعد



                                                          وأورد الأزهري هذا البيت ونسبه لمزرد . ابن السكيت : إهاب مغلوق إذا جعلت فيه الغلقة حين يعطن ، وهي شجرة تعطن بها أهل الطائف ، وقال مرة : هي عشبة تجفف وتطحن ، ثم تضرب بالماء وتنقع فيها الجلود فتمرط ، وربما خلطت بها شجرة تسمى الشرجبان ، يقال منه أديم مغلوق . وقال مرة : الغلقة ، بالفتح ، عن البكري وغيره ، والغلقة ، بالكسر ، عن أعرابي من ربيعة ، كلاهما : شجرة تشبه العظلم مرة جدا ولا يأكلها شيء ، والحبشة يطبخونها ثم يطلون بمائها السلاح فلا يصيب شيئا إلا قتله . وغلاق : اسم رجل من بني تميم . وغلاق : قبيلة أو حي ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          إذا تجليت غلاقا لتعرفها     لاحت من اللؤم في أعناقها الكتب
                                                          إني وأتي ابن غلاق ليقريني     كغابط الكلب يبغي النقي في الذنب



                                                          ويروى : يبغي الطرق ، ويروى : يرجو الطرق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية