الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          كتاب صلاة الجماعة

                                                                                                          باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة [ ص: 458 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 458 ] 8 - كتاب صلاة الجماعة

                                                                                                          1 - باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ

                                                                                                          بضاد معجمة أي زيادة ، والفذ بالمعجمة المنفرد يقال : فذ رجل من أصحابه إذا بقي وحده .

                                                                                                          290 287 - ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال : صلاة الجماعة تفضل ) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الضاد ( صلاة الفذ ) بفتح الفاء وشد المعجمة أي المنفرد ، ولمسلم من رواية عبيد الله بضم العين عن نافع عن ابن عمر : صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده ( بسبع وعشرين درجة ) قال الترمذي : عامة من رواه قالوا : خمسا وعشرين إلا ابن عمر فقال : سبعا وعشرين ، قال الحافظ : لم يختلف عليه في ذلك إلا ما رواه عبد الرزاق عن عبد الله بفتح العين العمري فقال : خمس وعشرون لكن العمري ضعيف ، ولأبي عوانة عن أبي أسامة عن عبيد الله بضم العين ابن عمر عن نافع فقال : بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويهما ثقة ، وأما ما في مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فلا تغاير رواية الحفاظ لصدق البضع بالسبع ، وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد في البخاري وأبي هريرة ، وعن ابن مسعود ثم أحمد وابن خزيمة ، وعن أبي بن كعب ثم ابن ماجه والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج ، وجاء أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عن الطبراني ، واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال : أربع أو خمس بالشك ، وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد فقال : بسبع وعشرين وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف ، وفي رواية لأبي عوانة : بضعا وعشرين وليست مغايرة لصدق البضع على خمس ، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك ، واختلف في أيها أرجح فقيل : الخمس [ ص: 459 ] لكثرة رواتها ، وقيل : السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ ، واختلف في مميز العدد ، ففي الروايات كلها التعبير بدرجة أو حذف المميز إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ضعفا ، وفي بعضها جزءا ، وفي بعضها درجة ، وفي بعضها صلاة ، وهذا الأخير في بعض طرق حديث أنس والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة ، ويحتمل أنه من التفنن في العبارة .

                                                                                                          وأما قول ابن الأثير إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك ، لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع فإن تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق ، فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عداها من تصرف الرواة ، لكن نفيه ورود الجزء مردود فإنه ثابت وكذا الضعف ، وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بأن ذكر القليل لا ينفي الكثير ، وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد ، لكن قد قال به جماعة وحكي عن الشافعي وبأنه لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل بسبع ، ورد بأنه يحتاج إلى تاريخ ، وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه ، لكن إذا فرعنا على الدخول تعين تقدم الخمس على السبع ، لأن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص ، وجمع أيضا بأن اختلاف العددين باختلاف مميزهما ، وعليه فقيل : الدرجة أصغر من الجزء ، ورد بأن الذي روى عنه الجزء روى عنه الدرجة ، وقيل : الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة وهو مبني على التغاير ، وبالفرق بين قرب المسجد وبعده ، وبالفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع ، وبإيقاعها في المسجد أو في غيره ، وبالفرق بين المنتظر للصلاة وغيره ، وبالفرق بين إدراكها كلها أو بعضها ، وبكثرة الجماعة وقلتهم ، وبأن السبع مختصة بالفجر والعشاء أو الفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك ، وبأن السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية ، وهذا الوجه عندي أوجهها لطلب الإنصات ثم قراءة الإمام والاستماع لها ، ولتأمينه إذا سمعه ليوافق تأمين الملائكة ، ثم الحكمة في هذا العدد محققة المعنى .

                                                                                                          ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله : أن ذلك لا يدرك بالرأي بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها انتهى .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : الفضائل لا تدرك بقياس ولا مدخل فيها للنظر وإنما هي بالتوقيف ، قال : وقد روي مرفوعا بإسناد لا أحفظه الآن : " صلاة الجماعة تفضل صلاة أحدكم بأربعين درجة " ، وقال الباجي : هذا الحديث يقتضي أن صلاة المأموم تعدل ثمانية وعشرين من صلاة الفذ لأنها تساويها وتزيد عليها سبعا وعشرين ، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية